جبهة النصرة تعد الحاضن الأكبر للجهاديين في سوريا (أرشيف)
جبهة النصرة تعد الحاضن الأكبر للجهاديين في سوريا (أرشيف)
الإثنين 15 يوليو 2013 / 00:07

مجلة "فورين أفيرز": القرضاوي فتح أبواب الشرّ في العالم العربي

24 - إعدلد: فاطمة غنيم

رأى تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" أن صندوق الشرور في الشرق الأوسط فُتح في أواخر مايو (أيار)، وذلك عندما دعا العالم الديني المصري يوسف القرضاوي، الذي قد يكون رجل الدين السني الأكثر تأثيراً في العالم، المسلمين السنة في جميع أنحاء العالم إلى القتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد و"حزب الله" في سوريا.

وبحسب التحليل الذي أعده الباحثان توماس هيجهامر وهارون ي. زيلين، سيزيد بيان القرضاوي بكل تأكيد في الأسابيع والأشهر المقبلة من وتيرة المقاتلين الأجانب الوافدين إلى سوريا. ويمكن أن تتحول الحرب الأهلية في سوريا عما قريب إلى صراع طائفي شامل يضرب المنطقة بأسرها.

وكان رجال دين آخرون قد أطلقوا أيضاً دعوة العام الماضي مفادها بأن الجهاد فرض عين في سوريا، لكن ليس لأحدهم تأثير القرضاوي نفسه. وبالتالي كان للتصريح الذي أدلى به القرضاوي تأثير مهم في تحديد المعايير لغيره من رجال الدين: إذ جعل من السهل عليهم التحدث بلهجة صارمة حيال الشأن السوري وجعل من العسير عليهم لعب دور الحمائم. ووفقاً لذلك، شهد شهر يونيو (حزيران) سلسلة من تصريحات أدلى بها كبار رجال الدين في جميع أنحاء المنطقة يدعون فيها إلى الجهاد في سوريا. فعلى سبيل المثال، بعد أيام فقط من تصريح القرضاوي، أيد مفتي المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، علناً ذلك الجزء من خطبة القرضاوي الذي دان فيه "حزب الله" واصفاً إياه بـ "حزب الشيطان".

 ولم يتناول المفتي صراحةً مسألة المقاتلين الأجانب لكنه أعرب عن استحسانه للتصعيد الخطابي للقرضاوي. وبالمثل، بعد مرور أسبوع على ذلك، أصدرت مجموعة من العلماء اليمنيين فتوى جماعية تدعو إلى "الدفاع عن المظلومين" في سوريا. وعلى غرار مفتي الديار السعودية، لم يكرر رجال الدين اليمنيون دعوة القرضاوي لغير السوريين إلى القتال، لكنهم لم ينتقدوها كذلك.

وبعد مُضي أسبوعين من خطبة القرضاوي، صرح رجل الدين السعودي سعود الشريم من على منبر المسجد الحرام في مكة أنه يجب على المؤمنين دعم الثوار ضد النظام في سوريا "بكل الوسائل". وفي اليوم التالي، تحدث الرئيس المصري (الذي خُلع مؤخراً) محمد مرسي أمام حشد من الجماهير في القاهرة، ملوحاً بعلم المعارضة السورية ومُديناً كل من نظام الأسد و"حزب الله". وقد نظم ذلك الحشد الهائل عدد من رجال الدين المتشددين ممن يدعون إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الشأن السوري، وعلى الرغم من أن مرسي لم يؤيد تدخل المقاتلين الأجانب صراحةً، إلا أنه قد جرى - على نطاق واسع - تفسير ظهوره أمام الجماهير على أنه إشارة إلى أولئك الذين يرغبون في خوض غمار تلك الحرب.

وبالنظر إلى كل هذا، يرى التحليل أنه سينجم عن هذه التصريحات توافد المزيد من المتطوعين السنة في هذه الحرب لخوض خضم المعارك في سوريا- وهو الأمر الذي لن يثير الكثير من القلق إن لم تكن سوريا تعج بالفعل بالمقاتلين الأجانب.

ووفقاً للبيانات التي جمعها كاتبا هذه السطور على مدى الأشهر التسعة الماضية من مئات المصادر الأولية والثانوية، فقد انضم ما يقرب من 5000 مقاتل سني من أكثر من 60 دولة مختلفة إلى الثوار السوريين منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وهذا يجعل سوريا ثاني أكبر وجهة للمقاتلين الأجانب في التاريخ الإسلامي الحديث (في ثمانينات القرن الماضي، جذب الجهاد الأفغاني ما يقرب من10,000 متطوع ولكن على مدى فترة دامت عشر سنوات).

وكل هذا قبل الأخذ بنظر الاعتبار الأجانب الذين يقاتلون على الجانب الآخر. فبالإضافة إلى المستشارين من "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني وعناصر "حزب الله" اللبناني، ينضم عدد متزايد من المقاتلين الأجانب الشيعة من العراق ولبنان للقتال في صفوف نظام الأسد.

ووفقاً لتقارير غير مؤكدة، بدأ الشيعة من اليمن وأفغانستان والهند في الوصول إلى هناك أيضاً. ويعزي العديد منهم مجيئهم إلى حماية الأضرحة الشيعية فقط، مثل مسجد "السيدة زينب" في دمشق، بيد أن بعضهم يشارك في أنشطة أكثر إجراماً.

وقد كان "حزب الله" اللبناني عاملاً أساسياً في استعادة السيطرة على بلدة القصير الشهر الماضي وهم يخوضون الآن معركة لاستعادة حمص. كما شهد الشهر الماضي أيضاً تدفق شيعة العراق التابعين لجماعتي كتائب "حزب الله" و"عصائب أهل الحق"، التي يعود تاريخهما إلى الاحتلال الأمريكي للعراق. وقد خاضت كلتا الجماعتين معارك ضد الثوار السنة في دمشق وحولها.

والآن مع تدخل القرضاوي، فمن المرجح أن تزداد وتيرة وصول الثوار السنة. ولا يتعلق الأمر باتخاذ جميع أتباعه قراراً بحزم أغراضهم فجأةً، بل من المتوقع أن يتأثر عدد معين ممن هم على الحياد جراء تصريحاته. وبهذه الطريقة، هناك احتمال قوي أن يكون هناك أكثر من 10,000 مقاتل أجنبي على جانبي القتال في الحرب السورية في غضون عام أو عامين.

وبحسب التحليل، فإن تدخل الجهات العسكرية الخارجية بهذا المستوى سيخلق مجموعة من التحديات الأمنية في سوريا وخارجها. إذ سيؤدي تواجد المقاتلين الأصوليين الأجانب في البلاد إلى جعل مفاوضات السلام وجهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع أكثر تعقيداً. وعلى المستوى الإقليمي، توجد بالفعل عداوات طائفية آخذة في الانتشار من سوريا إلى لبنان والعراق المجاورتين. وبعيداً عن ذلك، فإن الديمقراطيات الوليدة في تونس وليبيا ومصر سيكون لها رأيها عندما يعود مئات الجهاديين المتمرسين في المعارك إلى وطنهم. كما أن الحكومات الغربية في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية سيكون لديها أسبابها لتقلق بشأن المواطنين المسلمين الذي عادوا من سوريا متشبعين بالفكر الأصولي. كما أن المشاهد الأكثر إزعاجاً من ذلك كله، وفقاً للتحليل، هي أن الدول في المنطقة ستتدخل بشكلٍ مباشر في الحرب للدفاع عن ما تعتبره إخوانها المتضررين. وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب شاملة بالوكالة بتبعات لا يعلم مداها إلا الله.

ويوجد بالفعل شيء من التنافس بين الدول السنية للتأثير في الحرب السورية. وفي الواقع، هناك طريقة واحدة لتفسير بيان الشيخ القرضاوي وهي أنه أحد أعراض الصراع بين قطر والمملكة العربية السعودية بشأن رعاية الثوار السوريين، على حد قول التحليل.

وقد يسعى القرضاوي إلى المزايدة على أقرانه المحافظين في المملكة العربية السعودية، ومعظمهم قد جادل بأنه ينبغي على غير السوريين ألا ينضموا إلى القتال بل دعمه من خلال وسائل أخرى. فمن خلال الحديث بشكل أكثر تشدداً، قد يأمل الشيخ القرضاوي أن يحظى ببعض النفوذ لمضيفيه القطريين بين الثوار السوريين بالإضافة إلى حصوله على مزيد من الأتباع في المجتمع السني الأوسع.

وقد رأينا مثل هذه المزايدات في العديد من الصراعات السابقة في العالم الإسلامي. على سبيل المثال، في الثمانينيات، تنافست دول الخليج العربية على دور المانح الأكثر سخاءاً للمجاهدين الأفغان، وفي التسعينيات تنافست المملكة العربية السعودية مع إيران حول البلد الذي يمكن أن يرسل أكبر كمية من الأسلحة للمسلمين في البوسنة. وغني عن القول، إن هذه عملية فضلت التصعيد العسكري على الحل الدبلوماسي.

وبطبيعة الحال، ينبغي على المرء أن لا يبالغ في دور القرضاوي في الأزمة السورية - فقد كانت هناك نار تحت الرماد قبل أن يقوم هو بسكب الزيت عليها، بحسب التحليل. ومع ذلك، فإن بيان القرضاوي من 31 مايو (أيار) يعتبر، على أقل تقدير، مؤشراً هاماً يدل على رأي رجال الدين السنة في الحرب السورية. بل هو علامة على أن ما اعتاد أن يطلق عليه صفوة رجال الدين والسياسة السنة، بأنه ثورة، أصبح الآن يتصدر المشهد. وعلى الرغم من أن العديد من المعلقين الإعلاميين، بما في ذلك بعض العرب السنة، قد انتقدوا القرضاوي واتهموه بتشجيع العنف الطائفي، إلا أن انتشار الإدانة لم يلق صدى واسعاً. كما أن القرضاوي نفسه لم يظهر أي نية للتراجع عن بيانه. وحتى لو فعل، فقد خرج شبح الفتنة الطائفية من قمقمه، على حد وصف التحليل.