الأربعاء 22 يناير 2014 / 09:18

ميري.. تلك ميري

سلطان فيصل الرميثي – الإمارات اليوم

ودعتُها في صالة المغادرين بمطار الشارقة، مُخفياً كل مشاعر الأسى، وأنا أدفع عربتها المُثقلة بحِمل ثلاث سنوات قضتها "ميري" معنا، أتمَمت إجراءات سفرها، ثم ابتعدت عنها ملوحاً بيدي، ومرسلاً نظرة الوداع الأخير، وأنا أردد "ميري تلك ميري.. فداء ميري الغواني".

فارقتها من حيث لقيتها أول مرة بثيابها البالية، ليستضيفها بيتي الذي أصبح بيتها، بعدما منحته كل اهتمامها، ووهبته من أيامها الساعات الطويلة، تنظف صالاته وتكنس حجراته بلا كلل أو ملل، "ميري" أول المستيقظين مع الفجر، تخبز ما عجنته يداها في الأمس، حين استيقظُ أجد إفطاري سبقني إلى طاولة الطعام، أراها تركض كالمجنونة خلف أبنائي، فتلبس الصغير وترتب للكبير حقيبة كتبه، ثم تقف معهم منتظرةً الحافلة الصفراء.

ها هي تعود أدراجها حاملةً "المدخن" لتضعه في دولاب ملابسي، فتحترق أعواد البخور معطرةً ثياباً غسلتها أيدي "ميري"، ثم أرحل عنها في الصباح بلا كلمات شكر ولا ثناء، فمثل "ميري" يهب عمره مقابل دراهم معدودة تقبضها بكل رضى آخر الشهر.

أنتِ من تعاملين كل فرد منا وفق ما أراد وكيفما أراد، فتُلبين طلباتنا جميعاً على الغداء والعشاء، لا تتذمرين إذا استيقظت سيدتك منتصف النهار لتطلب أن يُساق الفطور إلى سريرها، ولا تغضبين إن لم تَجِد سيدَتُكِ طلاء أظافرها الزهري و اتهمتكِ بإهمال ترتيب علب مكياجها المبعثرة.

قبلتي العيش في غرفة ضيقة معزولة، لا تشتكين تنظيف فناء البيت الذي أشعلته حرارة الصيف، ولا ترتجفين من برد الشتاء، وأنت تعلقين ملابسنا المبتلة على الحبال.

رحلتي يا "ميري" وجاء بعدك من الخادمات أربع، لم تطق الأولى قهراً فهربت، ولم تحتمل الثانية صبراً فبدلتها بثالثة، وبدلت الثالثة برابعة، نحن هكذا يا "ميري"، لا نعرف قدر من أخلص لنا وأعطانا حتى يرحل تاركاً خلفه فراغاً كبيراً لا تسده حتى سيدتك التي لم تفتأ بعدك تقول: كنتُ عزيزةً مُكرّمةً في بيت والدي، ولن أقبل بأن أكون خادمة لك في بيتك!