المفكر سلامة كيلة (أرشيف)
المفكر سلامة كيلة (أرشيف)
الخميس 21 فبراير 2013 / 16:49

سلامة كيلة لـ24: هكذا تكون مصائر الشمولية

سلامة كيلة مفكر عربي من مواليد فلسطين، اعتقله النظام السوري قبل أشهر وعذبه قبل أن ينفيه خارج سوريا. صدرت له العديد من الكتب الفكرية والسياسية، منها: "الانتفاضات العربية صراع الطبقات وممكنات التغيير"، و"اليسار العربي في أفوله". و"الثورة السورية، واقعها صيرورتها وآفاقها". يكتب في العديد من الصحف العربية.

من يقرأ تحولات الاقتصاد السوري يعرف أنه لم يكن بالإمكان تجنب انفجار الثورة

وضع المعارضة السورية في الثورة هامشي وسياسات بعضها أضرت بالثورة

آثار البطالة والفقر والتهميش تُظهر الان مدى قوة وصلابة الشباب السوري الثائر

هنا حوار معه حول كتابه الأخير "مصائر الشمولية" على ضوء مجريات الثورة السورية.

ما الأطروحة التي يحاول الكتاب تقديمها في ما يتعلق بالوضع السوري؟
الكتاب يحاول رصد التحولات في سورية خلال العقد الأخير، عبر تناول الجذور التي أسست لتشكل نظام استبدادي شامل فرض توريث السلطة من الأب إلى الابن، بموازاة التحول الاقتصادي الذي كان يحدث خلال تلك الفترة، والذي كان يسارع نحو فرض ليبرالية محتكرة من قبل فئة عائلية متسلطة كان الاستبداد هو الستار الذي سمح لها بنهب "القطاع العام" ومراكمة ثروة هائلة كانت تعمل على تحويلها إلى نشاط اقتصادي خاص. وثالثاً ملاحظة الظروف الإقليمية التي كانت تجري التحولات الداخلية خلالها، والتي كانت تتسم بهجمة إمبريالية أمريكية كانت تريد تغيير وضع المنطقة ككل، قبل وبعد احتلال العراق خصوصاً، لمصلحة تفكيك يخلخل الدول ويؤسسها على اساس طوائفي لكي تبقى هزيلة.

في المقابل، يحاول الكتاب أن يدرس وضع المعارضة، ضعفها وطبيعة سياساتها التي جعلتها قوى مهمشة عاجزة. ومن ثم تناول ميل قطاعات منها إلى المراهنة على التدخل الخارجي كحل لـ "استعصاء" إسقاط النظام. وبالتالي أفق المعارضة في سياق التحولات المحلية والدولية.

مقدمات الثورة

الملاحظ أن كتاب "مصائر الشمولية" يختتم فصوله بمطالع الثورة السورية؟
نعم، ربما كان كل ما جاء في الكتاب هو تحليل للظروف التي قادت إلى الثورة، والتي نلمسها اليوم بوضوح. فأولاً كان تحليل التحولات الاقتصادية يهدف إلى القول بأن اللبرلة التي تفرض تقود إلى انهيار اجتماعي كبير، حيث ينهار الوضع المعيشي للشعب، وتتمركز الثروة بيد أقلية. ويفضي بيع وتدمير "القطاع العام" إلى زيادة البطالة. فهو من هذه الزاوية يؤشر إلى الانحدار الاجتماعي الذي كان يهيء لانفجار الثورة.

وثانياً كان تحليل تكوين السلطة الاستبدادي يؤشر إلى ممكنات ممارستها ضد الشعب. وثالثاً كان تلمس وضع المعارضة يؤشر إلى عجزها عن مواكبة الانفجار الاجتماعي المحتمل حينها، ولقد شهد النقاش في إطار المعارضة وقتها افتراقاً بين من يريد التركيز على "الانتقال السلمي من الاستبداد إلى الديمقراطية" كمدخل للتغيير، ومن يعتقد بأن الأمور تسير نحو ثورة شعبية. وكنت ممن يطرح السياق الثاني، بالضبط نتيجة تحليلي للتحولات التي كانت تجري في المستوى الاقتصادي وانعكاسها الاجتماعي الطبقي. وبالتالي لم يكن من انفجار الثورة بد.

وأخيراً ربما كان الوضع الدولي الذي جرى توصيفه خلال ذاك العقد قد تغيّر بعد الأزمة المالية والاقتصادية الشاملة التي حدثت في البلدان الرأسمالية سنة 2008. فقد تراجع دور أميركا كإمبريالية تسعى إلى السيطرة وتحقيق "مشروع الشرق الأوسط الموسع"، وتفكيك المنطقة، بالضبط نتيجة تلك الأزمة التي أشّرت إلى "أفول" السيطرة الأميركية. وهذا ما توضّح جلياً سنة 2010 بعد اليأس من معالجة الأزمة الاقتصادية.

صيرورة الثورة

ما هي أبرز الخلاصات التي توصلت اليها مباحث الكتاب في ما يتعلق بالاقتصاد السياسي لسوريا؟

ربما كان الأهم هنا هو ما شمله العنوان الفرعي للكتاب، أي "سورية في صيرورة الثورة"، رغم أنني كنت قبل انفجار الثورة قد وضعت العنوان الفرعي على الشكل التالي: "سورية في صيرورة الانحدار"، وكنت أقصد الانحدار نحو الثورة.

لكن يمكن الإشارة إلى عديد من الخلاصات الأخرى. مثل عمق الجذور الاستبدادية للسلطة. ومثل ما يمكن أن يؤدي إليه تخلي الدولة عن دورها "الاقتصادي". وكذلك مثل تلمس نتائج البطالة والفقر والتهميش التي تُظهر الان مدى قوة وصلابة الشباب الذي يخوض الثورة.

الانهيار المتأخر

كيف تقرأ على خلفية هذا الكتاب الثورة السورية بتحولاتها؟
إذا كان التحوّل الاقتصادي يؤدي إلى الثورة، وقد أدى فعلاً إلى ذلك، فإن تأخر انتصار اللبرلة إلى سنة 2007، قد اوجد مشكلات ظهرت في مسار الثورة ذاتها. فالثورة توسعت ببطء ولزم الأمر سنة كاملة كي تشمل كل سورية. وإذا كان العنف أحد عناصر ذلك، فإن تأخر اللبرلة والانهيار المتاخر للوضع المعيشي الكبير، كان عنصراً مهماً في ذلك. وأيضاَ فإن تحليل الطابع الاستبدادي ربما يؤشّر إلى الطابع الدموي الوحشي لممارسة السلطة ضد الثورة.

وربما يكون تحليل وضع المعارضة ونقد سياساتها يؤشّر إلى دورها في الثورة. لقد كان دوراً هامشياً كما نرى، ولقد اتبع بعضها سياسة أضرت بتوسع الثورة، سواء تعلق الأمر بالدعوة للتدخل العسكري الإمبريالي، الذي تأسس المجلس الوطني بناء عليها، أو المنطق الطائفي الذي يحكم الإسلام السياسي. فهذا وذاك كانا يزيدان من تردد فئات اجتماعية كبيرة كان يجب أن تشارك في الثورة لكي تنهار السلطة.