• الأمير السابق حمد الوجه الحقيقي للسياسة القطرية التي تواصلت معه بعد انقلابه على والده(أرشيف)
    الأمير السابق حمد الوجه الحقيقي للسياسة القطرية التي تواصلت معه بعد انقلابه على والده(أرشيف)
  • حوار الجزر التي أفلت من الأطماع القطرية(أرشيف)
    حوار الجزر التي أفلت من الأطماع القطرية(أرشيف)
الأحد 23 مارس 2014 / 19:17

قطر: اتهامات الرشاوى بدأت بالحصول على "فشت دبل" البحرينية

24- سليم ضيف الله

لم يهدأ الرأي العام الخليجي والعربي منذ الإعلان رسمياً عن قرار سحب سفراء كلّ من الإمارات والسعودية والبحرين وهو يحاول الحصول على إجابة مقنعة عن السبب الذي أدى إلى القطيعة الحادة التي شكلها القرار.

شينو ومالبرونو: بعد سنوات كافأت قطر جاك شيراك بصفقة ضخمة واشترت 5 طائرات من نوع إيرباص في مقابل 440 مليون يورو

ولكن القرار "المفاجئ" لم يكن كذلك، بل على العكس كان منتظراً ومطلوباً منذ فترة، بعد تفاقم التجاوزات والانتهاكات التي أقدمت على ارتكابها الدوحة في حقّ ذوي القربى وإخوة وأصدقاء في مناطق أخرى من العالم، مدفوعة بحسابات خاطئة ورهانات خاسرة منذ فترة طويلة، ترقى في الزمن إلى ما قبل ما تسميه الدوحة مكابرة "بالخلاف على بعض القضايا التي تُعنى بالشؤون الدولية والخارجة عن السياسة الخليجية المشتركة"، كما جاء في نص البيان الصادر عن الخارجية القطرية تعليقاً على سحب السفراء.

الضفدع والثور
لكن لماذا وكيف اختارت قطر السير في هذه الطريق، وهي التي تعرف تماماً أنها مطالبة بالدفع متى بلغت الرحلة فيه منتهاها؟

للفرنسيين مثل شعبي مشهور، أو قصة بالغة التعبير ليس بسبب دقة وصفها أو تفاصيلها بل لبساطتها وبلاغتها، والواقع أن القصة تنطبق تماماً على قطر، وهي قصة الضفدع والثور.

وتقول القصة ببساطة إن ضفدعاً بسيطاً لم يعجبه وضعه الدوني، فقرّر فجأة تحدّي الثور الضخم الذي كان يراه كلما أطل الضفدع من البركة التي يأوي إليها، وتفتقت عبقرية هذا الحيوان البرمائي على فكرة ولم يتأخر في تنفيذها.

أخذ الضفدع يملأ نفسه بالهواء، حتى انتفخ وانتفخ إلى درجة غير معقولة، حتى أنه لم يصدق نفسه، بعد أن كاد يعادل حجم الثور الذي كان ينظر إليه مستغرباً، وفي اللحظة التي ظن فيها الضفدع أنه نجح، انفجر وتناثرت أشلاءه في أرجاء المكان. كانت هذه قصة الضفدع، ولكن القصة لا تنتهي هنا، فعندما يجري الحديث في فرنسا عن قطر وعن أوضاع المنطقة الخليجية والعربية عموماً، فإن 9 من 10 كتاب أو محللين أو صحافيين في الصحف أو في وسائل الإعلام لا يتورعون عن استحضار مثل الضفدع الذي نفخ في نفسه لمقارعة جيرانه حتى انفجاره.

فكيف يمكن التعامل مع المشكلة القطرية وأسبابها؟ ودواعي الأزمات الدورية التي تتسبب فيها كما تسببت فيها سابقاً؟

حتى نتجاوز المشكلة الطارئة التي يمثلها ما أصبح يعرف "بالربيع العربي" وتعمد قطر اللعب على ورقة الإسلام السياسي، لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة على حساب مصحلة المنطقة والدول العربية نفسها، لا بد من التذكير بأن نفس المآخذ التي توجه إلى قطر اليوم، هي نفسها التي وجهت للدوحة منذ ظهورها على ساحة الأحداث باعتبارها كياناً سياسياً مستقلاً، إلى الجانب الكيانات السياسية الأخرى التي تشكلها دول الخليج.

ويمكن القول إن قطر منذ البداية تميزت كما هو الحال هذه الأيام بسياسة المراوغة وتحين الفرصة والخطاب المزدوج، وإذا فشلت المناورة أو  الحيلة، لجأت إلى الضغط والقوة وفي نهاية المطاف هناك دفتر الشيكات وإغراءاته التي لا تقاوم.

غزو البحرين
وإذا كان الخلاف بين الدوحة والعواصم من المفاجأة والحدة، حسب بعض الأطراف يشكّل سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات بين الدول الخليجية، فإن الحدة وربما المفاجأة لا تخفيان حقيقة أن هذه القطيعة ليست كما تصرّ بعض الأطراف على أنها الأولى من نوعها، وأنها لا تتماشى وعراقة العلاقات بين الدول الخليجية ومتانة الروابط التي تجمع بين الشعوب والدول على ضفاف الخليج، الذي شهد أكثر من سابقة قطرية في هذا المجال.

وللتأكيد على ذلك وما أشبه اليوم بالبارحة، يكفي التذكير بما حدث في أبريل (نيسان)1986عندما ضمّت قطر "فشت الدبل" الخاضعة للسيادة البحرينية حتى ذلك التاريخ، والتي كانت محلّ نزاع طويل بين الدولتين الخليجيتين قبل الضم.

ولكن السياسية القطرية في ذلك الوقت وحتى مع القيادة القديمة التي انقلب عليها الشيخ حمد الأمير السابق، رغم علاقة القربى والأبوة، وللإشارة والتذكير لم يتورع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، الذي أقصاه ابنه عن الحكم ، من الانقلاب على ابن عمه أحمد بن علي الحاكم الأول لقطر المستقلة، كانت ولا تزال تسير على خطّ واحد ونهج ثابت، إذا لم تستطع أن تقنع الآخرين انتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليهم، وإذا فشلت فاشتر ما تريد.

ويبدو أن عقلية الشراء والتسوق القطرية، التي تترجمها الاستثمارات الصاخبة في أوروبا وفي العالم التي تتناقلها وسائل الإعلام والاستثمارات السياسية المتكمتة التي لا تصلها كاميرات التلفزيون ولا مايكروفونات الإذاعة، بمثابة المكون الجيني في السياسة الخارجية القطرية منذ أكثر من 30 سنة.

قبل كأس العالم قطر ترشي قضاة في محكمة العدل الدولية
وبالعودة إلى موضوع غزو قطر الجزيرة الصغيرة التي كانت تشكل محور الخلاف مع الجارة البحرين، رغم أن قطر كانت على مرّ تاريخها تابعة ومقاطعة مملوكة لشيخ المنامة، لم يكن الأمر مجرد نزاع على "فشت الدبل" والزبارة والحوار وبعض الصخور والنتوءات التي يغمرها البحر مع ارتفاع المدّ، بل كان نزاعاً بين كيان قائم هو البحرين، وآخر يحاول تشكيل نفسه ولو بالسطو وهو قطر.

ذلك أنه وبعد الغزو والضم النهائي وبعد وساطات دول الجوار قبلت البحرين وقطر التوجه إلى محكمة العدل الدولية لتسوية الخلاف بينهما على ملكية هذه الجزر و"الفشتات" الأخرى المتناثرة في البحر، وانتهى الأمر في التسعينات بقبول المحكمة النظر في الملف وتواصلت المداولات حتى 2001، لمن قصرت ذاكرته أو خانته بإصدار المحكمة حكمها القاضي بتمكين قطر من فشت الدبل والزُبارة، ورفض دعاويها المتعلقة بالأراضي والقطع الأخرى.

ورغم طول إجراءات التقاضي ورغم المدة الطويلة، لا يمكننا أن ننسى مثلاً، كيف عمدت الدوحة إلى الاستظهار بوثائق ومستندات مزورة وأخرى مسروقة أو مفتعلة بلغت 80 وثيقة، واضطرت قطر إلى سحبها بعد افتضاح الأمر وانكشافه، ولكن الذي لم يكشف عنه قبل 15 سنة كشفه الصحافي الفرنسي جاك ماري بورجيه صاحب الكتاب الشهير "قطر اللئيمة الصغيرة" بالاشتراك مع نيكولا بو، في أكثر من حديث وتصريح صحافي عندما أكّد ما كانت تتداوله بعض الأوساط همساً سنوات طويلة قبل كأس العالم 2022 و"الشكوك" التي رافقت ولا تزال ترافق الظروف والملابسات التي حفت بتمكين قطر من الفوزأو "شراء" حقّ تنظيم كأس العالم لكرة القدم.

وفي هذا الإطار وبسؤاله عن اعتماد قطر الرشاوى المالية لتحقيق مآربها خاصة في ملف بمثل حساسية هذا الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين، ولا سيما في ظل اكتشاف الثروة الغازية الضخمة التي تحتويها المنطقة المتنازع عليها، قال الصحافي جاك ماري بورجيه في حديث صحفي لمجلة أفريك آزي الفرنسية :"في الآونة الأخيرة صدرت بعض الكتابات الموثوقة التي تفيد بأن قطر دفعت مبالغ ضخمة لأحد القضاة في محكمة العدل الدولية لشراء صوته وهو ما حصل، ومنحت المحكمة منطقة فشت دبل لقطر، ثم تبين لاحقاً أنها تتمة للحقل النفطي الغازي الضخم، أو ما يعرف بحقل الشمال الذي يمثل المعين المالي الهائل لقطر" وأضاف الكاتب:" على ضوء هذه المعلومات وباتصالي بأحد المختصين الكبار في القانون الدولي، أكد لي هذا الأخير على أن هذه المعلومات إذا استعملت يمكنها إلغاء الحكم السابق، لأول مرة في تاريخ المحكمة، وإعادة النظر في القضية من جديد".

شيراك على الخط
إن تأكيدات صحافي من حجم بورجيه أو من حجم كريسيتان شينو وجورج مالبرونو الذين أكدا في كتابهما "قطر:سرّ الخزنة السرية" على أن "قطر نجحت في الحصول على فشت دبل بفضل محكمة العدل الدولية بعد الضغوط الكبيرة التي سلطتها فرنسا على أعضاء هيئة التحكيم، وكان للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك الدور الحاسم في تغيير أغلب القضاة لرأيهم بعد أن صوتوا في البداية لصالح البحرين".

ويضيف شينو ومالبرونو "بعد سنوات قليلة كافأت قطر جاك شيراك بصفقة ضخمة، اشترت بموجبها 5 طائرات من نوع إيرباص في مقابل 440 مليون يورو".

ولعل في هذه الإفادات من صحفيين من حجم الذين تقدم ذكرهم، تفسر ولو إلى درجة معينة سرّ الاهتمام الخاص والعلاقة الخاصة التي تجمع قطر بفرنسا، وببعض الطبقة السياسية فيها، في صفقة أو قل صفقات لم يكشف عن أكثرها وقد يتسع المجال للتعرض إليها في قادم الأيام اعتماداً على هذين الكتابين الذين كشفا المستور في قصور الدوحة وباريس ولندن.

الهدف الحقيقي للسياسة الخارجية القطرية
وعندما يجتمع المال بفضل الغاز الذي توفر في المناطق المتنازع عليها والتي حصلت عليها قطر بعد حكم العدل الدولية، والإرادة في تفتيت المنطقة وباقي الدول القريبة إلى كيانات مشابهة لقطر من حيث المساحة والعمق الاستراتيجي والكثافة السكانية ولكن دون إمكاناتها المالية الضخمة، يمكن أن نفهم سرّ حرص إمارة قطر على تقليد الضفدع المذكور آنفاً حتى وإن غابت عنها النهاية المأسوية للقصة، فمهما تأخر فإن موعد الدفع قادم لا محالة، رغم وهم النجاح والحلم بتفادي المصير المحتوم، وهو ما تُترجمه اليوم وبوضوح المناورات القطرية في الخليج وفي دول"الربيع العربي" وبعض المناطق الأخرى مثل أفريقيا وفي تركيا وسوريا، والجزائر وغيرها من العلامات الحارقة اليوم.

وهي المحطات التي سنتوقف عندها أو عند بعضها في الأيام القليلة القادمة من خلال سلسلة من المقالات المحورية، حول السياسة الخارجية القطرية الهدف والوسيلة.