الأربعاء 16 أبريل 2014 / 01:10

ذي ناشيونال إنترست: عودة الجنرالات في تركيا

24. طارق عليان

نشرت مجلة "ذي ناشيونال إنترست" الأمريكية اليوم الثلاثاء، على موقعها عبر الإنترنت، مقالاً تحليلياً مشتركاً للكاتبة الأمريكية أليزا ماركوس، وللزميل البارز في معهد آسيا الوسطى والقوقاز ورئيس تحرير مجلة "تيركي أناليست" وهليل كرافيلي، تناولا فيه استعانة أردوغان بالجيش للتخلص من أعضاء حركة غولن، بعد فوز حزبه بالانتخابات المحلية وتأثير هذا القرار على الديمقراطية التركية.

ويقول الكاتبان، إنه لم يكن من المفترض أن تكون للجيش التركي أي أهمية في المشهد السياسي التركي اليوم، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تعرض العديد من كبار ضباط الجيش التركي للمحاكمة والحبس بتهم التخطيط لانقلابات ضد حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان المنتخبة ديمقراطيّاً، وجاءت المحاكمات بعد تحركات أردوغان الناجحة في الحد من دور الجيش في عملية صنع القرار السياسي، ووضعه تحت سيطرة حازمة من الحكم المدني.

تغيير ديناميكية السياسة
لم تقلل هذه الإجراءات من مخاطر حدوث انقلاب ضد أردوغان ذي الميول الإسلامية فحسب، ولكنها ساعدت أيضاً في تثبيت دعم شعبي لرئيس الوزراء من المحافظين الإسلاميين الآخرين والليبراليين في تركيا، وجميعهم كانوا سعداء برؤية القوات المسلحة وهي تدفع ثمن انتهاكاتها في الماضي.

بيد أن الصراع على السلطة الذي اندلع منذ بضعة أشهر بين أردوغان وحلفائه السابقين في معسكر المحافظين الإسلاميين من أتباع الداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، أحدث تغيّراً في الديناميكية السياسية للبلاد، إذ بدأ أردوغان بإعادة النظر في تحركاته لتقويض الجنرالات، واتخذت مع مسؤوليه خطوات وأدلى بتصريحات بدت على أنها دعم لدور متجدد للجيش كفاعل سياسي، ولكن يداً بيد معه.

ورأى الكاتبان أن الانتخابات المحلية في 30 مارس (آذار)، التي تم النظر إليها على نطاق واسع، باعتبارها استفتاء على الحكم الاستبدادي والمعادي للديمقراطية المتزايد لأردوغان، قدمت لأردوغان النتائج التي احتاج إليها لمواصلة تعزيز أجندته الخاصة.

التحرك ضد غولن
بعد أن سجل فوزاً قوياً في صناديق الاقتراع، يبدو أردوغان الآن على استعداد للتحرك بنشاط ضد شبكة حركة غولن، التي يهيمن أعضاؤها على قوة الشرطة والقضاء في البلاد، ويعتقد أنهم وراء فضيحة فساد واسعة بدأت في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2013 على ما يبدو لاستهداف أردوغان عن طريق فضح رجال أعمال وأبناء سياسيين مقربين منه.

ويشتبه أيضاً في مسؤولية أنصار غولن عن التنصت على أردوغان ومسئولين آخرين ثم تسريب الأشرطة التي تُظهر تورط رئيس الوزراء في بعض قضايا الفساد المزعومة.

وأشار الكاتبان إلى أن هناك ملامح واضحة في الخطاب الذي أدله به أردوغان ليلة فوزه بالانتخابات، تؤكد بوضوح أنه سيركز على ملاحقة غولن وأتباعه، وسيضع يده في يد الجيش لتحقيق هذا الهدف.


أعلن أردوغان بوضوح: "سنمضي إلى أوكارهم. وسيدفعون ثمن أفعالهم"، وبرغم أن الطرق الاستبدادية التي يسلكها أردوغان، بما في ذلك حظره لتويتر قبل الانتخابات، فمن المرجح أيضاً أن يواصل ضغطه على خصومه في وسائل الإعلام وعالم الفنون والأعمال.

تحالف مع الجيش
وأكد الكاتبان أن التحالف الجديد بين أردوغان وهيئة الأركان العامة التركية قد انطلق بحكم الأمر الواقع في اجتماع مجلس الأمن القومي بتاريخ 26 فبراير (شباط)، والذي يتكون من خمسة ضباط عسكريين كبار في البلاد.

وكان المجلس صوت بالإجماع على وصف حركة غولن، أنها تشكل تهديداً للأمن القومي، وأعلنوا "حرباً شاملةً" على أنشطة حركة غولن في تركيا، ووافقوا على خطة عمل تتضمن تحديد كوادر غولن وتطهير الدولة منهم.

بعد بضعة أسابيع، أبطلت المحكمة الدستورية حكماً بالسجن مدى الحياة ضد الرئيس السابق لهيئة الأركان الجنرال إيلكر باشبوج، وهو واحد من العديد من كبار ضباط الجيش الذين سجنوا بزعم التآمر للانقلاب على السلطة.

ويعتقد الكاتبان أن الجيش ليس لديه في هذه اللحظة أي سبب وجيه لعدم المضي قدماً مع أردوغان، إذ يلقي الجيش باللوم على حركة غولن حول المحاكمات التي عقدت ضد ضباطه، وما كان يزعم الجيش طويلاً عن فبركة أدلة ضدهم.

نفوذ الرتب العسكرية
ويذهب الكاتبان إلى القول بوجود أسباب أخرى تدفع ضباط الجيش إلى الوقوف مع أردوغان ضد أنصار غولن، فكبار الضباط ليسوا غاضبين من القضايا التي قوضت هيبتهم وروحهم المعنوية فحسب، ولكنهم قلقون أيضاً من نفوذ غولن على الرتب العسكرية.

فعلى مر السنين، ترقى صغار الضباط الموالين لغولن في صفوف الجيش، ويخشى كبار ضباط الجيش من تفوق الضباط الموالين لغولن عليهم، كما أظهرت التسريبات المختلفة للأشرطة الحكومية مدى ما يمكن أن يصل إليه أنصار الحركة، وإذ ان ذلك الشريط المسرب مجرد إشارة أنه حتى كبار المسؤولين في البلاد، بما في ذلك كبار قادة الجيش، ليسوا بمأمن من التنصت على مكالماتهم الهاتفية.

الانتصار للجيش
يعرف الجيش أن ضباطه لم يكن ليُزج بهم في السجن دون رغبة أردوغان، الذي ترك أنصار غولن يأخذون أماكنهم في الصدارة لسنوات عديدة وتجاهل الأدلة التي تم التلاعب بها.

ومع ذلك، تعتبر الشراكة مع حزب العدالة والتنمية الآن هي السبيل الوحيد للجيش للانتقام واستعادة السلطة، ولكن ليس هناك ما يدعو إلى التسليم أن الجيش سيبقى موالياً لأردوغان، فهم يميلون إلى السخط العميق ضد أردوغان بنفس القدر لديهم ضد أنصار غولن، وقد تكون عودة الجيش جيدة لأردوغان على المدى القصير، لكنه يخلق على الأرجح تحدياً جديداً في المستقبل، بحسب الكاتبيْن.

وأفاد الكاتبان بأن الدرس المستفاد من التاريخ التركي واضح جدّاً: الانتصار للجيش دائماً، إذ ذُبح الجيش الإنكشاري الجبار الذي تحدى سلطة العديد من السلاطين العثمانيين على يد محمود الثاني في عام 1826، ولكن هذا لم يعني نهاية الدور السياسي للجيش، ومن ثم لا الرهان على فترة استرخاء للجيش في التاريخ التركي.