الخميس 17 أبريل 2014 / 09:49

"عهود" محمد بن راشد

سامي الريامي - الإمارات اليوم

الغزل، وذكر الحبيب، والتباهي بوصفه، والتغزل بصفاته وأخلاقه وجماله، تقليد راسخ عند كبار الشعراء العرب، من عصر المعلقات إلى عصرنا الحالي، هذا ما فعله طرفة بن العبد في معلقته التي بدأها بالبيت الشهير : "لخولة أطلال ببرقة ثهمد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد"

وكذلك فعل النابغة الذبياني مع "ميّة"، وهذه حال الأعشى مع «"هريرة"، التي لا يطيق فراقها، فهي:
"غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل"

ولا تعني المقدمة الغزلية، مهما علت لغتها التعبيرية، أن سياق القصيدة من المقدمة إلى الخاتمة يسير في هذا الخط الشعري فقط، بل إن أشهر القصائد و أجزلها هي التي تبدأ بمقدمات غزلية أو طللية تصف الحبيب أو اللوعة على الأطلال والفراق، فيجمع الشاعر في قصيدته بين الأضداد، العاطفة والحب والشوق ورهافة الحسّ، والصلابة والشجاعة وقوة القلب والبأس، ويعمد إلى الغزل بقصد جذب الانتباه، وتخفيف حدة الموضوع المرغوب طرحه.

ولأن كل قراءة، سواء كانت انطباعية أو نقدية تُحسب للشاعر في عُرف النقاد، فقد جاءت قصيدة "العهود"، للشاعر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لتقطع مسافة أبعد من مقدمتها الغزلية، مستفيدة من مكنونها الثري من الجزالة والمعاني الظاهرة والكامنة، ومن رؤية فنية تعرف كيف ترسل مرامي الكلام ومقاصده.

كعادة الشعراء الكبار كان المدخل عن "المضنون"، الذي سكن من فرط المعزّة و الغلا في "عظام" الشاعر من أيام الصبا، وهو مدخل يجعل الحواس الخمس تتأهب لمعرفة بقية التفاصيل، فليس سهلاً أن يتحدث شخص بقامة ومكانة محمد بن راشد، شاعراً وقائداً، عن تفاصيل وصفات الحبيب، دون أن يجذب انتباه وتركيز وعقل من يقرأ القصيدة كاملاً دون لحظة هروب فكرية واحدة.

ولذلك، فهذا نصّ شعري لا تغيب فيه الدلالات السياسية، ولا تداعيات الأحداث من حولنا، فالعلاقة بين أهل الخليج العربي بقيمها وموروثها حاضرة بقوة، والشاعر يوثق كل ذلك في "عهود" مؤكدة في العقيدة والتاريخ والجغرافيا:
"من أصل واحد كل أهلنا م الأجواد".

ولا يغيب عن الشاعر، الذي يطلّ على الماضي، أن يشير إلى راهن ما يحدث بين بعض دول الخليج، ويؤكد في عجز البيت نفسه، أن:
"ما فرقت بين القلوب الأسامي".
وإذا "كان المعنى يظل في بطن الشاعر"، إلا أن من حق المتلقي أن يقرأ في "عهود" محمد بن راشد ما يريده لأهل الخليج في حاضرهم ومستقبلهم، من نبذ الفرقة، والسعي للأمن والسلام، وجاء ذلك صراحة، دون مجازٍ شعري في قوله:
"في أرضنا الاسلام كان له ميلاد
ظله يظللنا بأمن وسلام"
محمد بن راشد لا يخلف عهوده التي قطعها على نفسه، وليس شرطاً أن تكون هذه العهود مكتوبة، كما أنها ليست بالضرورة عهوداً بين طرفين، يكفي أن يكون العهد بين محمد بن راشد ونفسه، عاهد فيه ذاته بالحفاظ على المودة والحب، وعدم التسرع والغضب واستخدام القوة:

"وما هيه بالقوة المواثيق تنقاد
وما كان بالقوة فماله دوامي"
لكنه الحب والإخلاص والحفاظ على الأخوة هو ما يدوم، مهما كان الفعل المقابل، ومهما طال الزمن، فالمخلص من يحفظ الودّ، ويحترم الآخر، ليس لسبب سوى أنه لا يخلف عهوده، هكذا تربّى محمد بن راشد، وهكذا نشأ، يلوم من يودّ بكل أدب واحترام ورقي، لكنه يبقي أبواب المحبة والودّ مفتوحة، أيضاً لأنه تربى على ذلك، وهذه أخلاقه وصفاته.