الخميس 17 أبريل 2014 / 16:39

متاهة "المصالحة" ومعجزة "حماس"


رغم سذاجة الفكرة وسطحيتها إلا أن هناك من فكر بها وذهب إلى حد تشكيل وفد من خمسة أشخاص سيتجه إلى غزة عبر معبر بيت حانون للاجتماع بقادة "حماس" وإقناعهم بـ "المصالحة".

ترددت قيادة حماس قبل الموافقة على السماح للوفد بدخول غزة، وكما يحدث دائماً، استبقت وصول الوفد بسلسلة من التصريحات بدأت بالتشكيك بالوفد نفسه، إذ صرح القائد في حماس أبو مرزوق بأن "أعضاء الوفد لا يتفقون على الهدف من مهمتهم"، ثم بالتشكيك في نوايا "الطرف الآخر" و"مأزق المفاوضات"، إلى آخر هذه السلسة المحصنة بالشروط والاتهامات والرفض المبطن المحمول على بلاغة وطنية مقدسة، ولإغلاق الباب تماماً على "المصالحة" أصدرت محاكم حماس أحكاماً بالسجن على عدد من كوادر فتح بتهمة "التخابر مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية" فيما يشبه هدية مبكرة للزوار الخمسة.

الحقيقة أنه ليس من السهل على الإطلاق الحصول على تعريف واضح لفكرة "المصالحة" التي احتلت موقعاً رئيسياً في المشهد السياسي الفلسطيني خلال السنوات السبع الماضية، بحيث تحولت إلى منطقة عمل مستقلة وقائمة بذاتها، أو أقرب إلى مؤسسة فقدت صلتها ببرنامجها، ولكنها وعلى نحو غريب واصلت التنفس وإرسال الإشارات الغامضة إلى أحلام غير مأهولة، بل أن الأمر برمته ينحو نحو الطرافة ولا يخلو من لمسة كوميديا مؤلمة، خاصة عندما نتذكر "السيرة الذاتية" للمصالحة والوقت الذي أهدر دون حساب حولها، والمال، والأوهام التي تم ترويجها على مدى أكثر من 7 أعوام وفي عواصم مختلفة، ويمكن هنا استحضار اتفاق الدوحة، اتفاق جدة اتفاقيات القاهرة إلى آخر هذه الجولات التي كان واضحاً منذ البداية عدم جدواها.

في منظور حماس تبدو المصالحة مرادفة لتقاسم السلطة في الضفة الغربية والاحتفاظ بغزة كحق مكتسب بانتظار أن يحقق الإخوان المسلمون اختراقًا ما في مصر على الأقل، بالنسبة لفتح هي العكس تماماً اقتسام غزة والاحتفاظ بالسلطة في الضفة بانتظار تحقيق اختراق ما في المفاوضات أو قيادة انتفاضة ثالثة بمواصفات شعبية. حماس تعرف جيداً أنها لن تحصل على ما حصلت عليه في انتخابات 2006، وفتح تفكر بانتخابات تعيد شيئًا من الدور المفقود، الفصائل تريد حصصها مما يزيد من اتفاق حماس وفتح، والمستقلون، في حالة توفرهم، يرون أنه الوقت المناسب لاقتراح "طريق ثالث" جديد، بعد فشل التجارب السابقة والتي تحولت إلى مشاريع فصائلية إضافية.

 بالنسبة للناس العاديين، وهم لأمر ما، الأغلبية، يبدو الأمر أقرب إلى مسلسل تركي يتعثر ابطاله وينفعلون دون أي أثر درامي، فيما يتناقص المتابعون ويذهبون إلى قنوات أخرى أكثر جدية.

تتصرف حماس مع قطاع غزة بصفته "غنيمة"، "الغنيمة" هي ما اكتسب بالسيف، وغزة تم الحصول عليها بالسيف، مجردة من الحقوق، تدفع "الجزية" وتنتظر "الصدقة" ومحكومة بـ "الطاعة"، طاعة أولي الأمر وطاعة المنتصر.

هذا يفسر ببساطة التجرؤ الذي نلاحظه في خطاب حماس ومسؤوليها على كل ما له علاقة، ليس في الشأن السياسي فقط، ولكن فيما يخص حياة الناس وسلوكهم وتعبيرهم عن حاجاتهم. لهذا يواصل "القضاة" هناك إصدار قرارات الإعدام والسجن وتقوم "الأجهزة" بتنفيذ الأحكام!
ولهذا تجري مطاردة النساء والتشكيك بعلاقات المجتمع ونواياه! ولهذا أيضاً يمكن استدعاء كاتب أومثقف أو فنان للتحقيق أو منعه من السفر أو اعتقاله لمجرد أن هناك شخصاً، جاهلاً في الأغلب، يعتقد أنه يتصرف "بسهمه" من غنيمة جماعته!

ليس ثمة ما يغري حماس ب"المصالحة"، إذ أن هذا يعني ببساطة التخلي عن هذه الامتيازات واطلاق سراح الرهائن والخروج الى الشارع حيث سيكون من الصعب تشغيل "الشيوخ" بنفس الطاقة الأولى، بعد أن تم استهلاك نفوذ الفتاوى خلال زمن قياسي في محاولة الاستيلاء على مصر، وبعد "تسونامي" الفتاوى والتفسيرات الذي احاط ورافق صعود محمد مرسي كتدخل الهي مباشر في احوال الأمة، وتجيير كل ذلك لشرعنة الانقلاب في غزة وتحويله الى رؤية مبصرة. سيطرة الإخوان على مصر كانت الإشارة التي تلقفتها حماس كي تؤبد حكمها لغزة، هذا الحكم الذي حاول القرضاوي خلال زيارته لغزة في مايو 2013 أن يحوله إلى قرار رباني، فيما تصرف الشيخ إسماعيل هنية في حضوره كصبي في حضرة موفد شخصي للسماء، (لاستكمال فكرة التأبيد يمكن استحضار دخول خالد مشعل للقطاع، في هذا الشأن، وخطاب النصر الذي القاه في "أرض الكتيبة"، كذلك نية "أردوغان" غير المتحققة لزيارة غزة). هذه السيطرة منحت "حماس" نفوذاً مضاعفاً داخل هيكلية الجماعة، ومنحتها السبب الذي تبحث عنه لرفض فكرة "المصالحة" في حينه.

لن يسمح "الإخوان المسلمون" بخسارة غزة التي تحولت إلى "صندوق الجماعة الأسود"، "المصالحة" تعني، قبل كل شيء، التوجه إلى صناديق الاقتراع، وهو كابوس آخر ينمو في الفناء الخلفي لجماعة "الإخوان المسلمين" في الإقليم ، ثمة جدول آخر للخسارات، لائحة مجتمعية طويلة تبدأ بالاغتيال والتصفية الجسدية ولا تتوقف عند سرقة الناس وملاحقتهم وتشويه تاريخهم، وقد فشلت معظم محاولات حماس في تفكيك مواقف العائلات الكبيرة في القطاع التي تطالب بالاقتصاص من قتلة اولادها، هذا أيضاً جزء من "كابوس المصالحة"، وهو سبب آخر لرفض بعض المتنفذين من قيادة حماس الداخل والمتورطين في هذه الجرائم "للمصالحة" والعمل بقوة لتبديد الفكرة من جذورها.

لم تستطع حماس أن تستوعب بعد عمق التحول في مصر، لقد بالغت في ثقتها بثبات الأرض تحت أقدامها وقطعت مسافة طويلة باتجاه استعداء مصر بمؤسساتها وشعبها، تحديداً المؤسسة العسكربة ولن يكون من السهل التراجع إلى خط البداية الذي يبدأ بـ "المصالحة"، وكمن ينتظر معجزة تشخص أبصار متنفذيها نحو قطر، أي معجزة ستكون مقبولة حتى لو اقتضى الأمر إطلاق رشقات محسوبة من الصواريخ عبر السياج، وستكون بالتأكيد أفضل من مراقبة آليات الجيش المصري على خط رفح وتنشق الغبار الذي تثيره في مرورها.