الزعيمالإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي (أرشيف)
الزعيمالإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي (أرشيف)
الخميس 17 أبريل 2014 / 21:53

ذي ناشونال إنترست: خامنئي والمعضلة النووية

24 - فاطمة غنيم

رأى المحلل السياسي الإيراني والأستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية محمد سَهيمي، في تحليل له نشرته مجلة "ذي ناشونال إنترست" الأمريكية في موقعها على الإنترنت أنه، بينما تتواصل المحادثات النووية بين إيران ومجموعة "الخمسة زائد واحد"، الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، يبدي كلا الجانبين الأمل في التوصل إلى اتفاق شامل.

أصبحت المعارضة أعلى صوتاً بعدما اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً يوجه انتقادات لإيران، نظراً لسجلها في مجال حقوق الإنسان، واقترح فتح مكتب في طهران قبل نهاية هذا العام لتمكين الاتحاد الأوروبي من رصد حالة حقوق الإنسان في إيران

إلى ذلك صرحت وكالة الطاقة الذرية، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية التي ترأس الوفد الأمريكي، ويندي شيرمان، أن إيران حافظت على تعهداتها في اتفاق جنيف الذي وقّع عليه الجانبان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

 كما أوْفت الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضا بالتزاماتهم في الاتفاق، ما أدى لتزويد إيران بإغاثة طفيفة، ولكنها هامة، من العقوبات الخانقة التي فُرضت عليها.

المطرقة والسندان
وقد أعرب المسؤولون الأمريكيون عن تفاؤلهم بالتوصل إلى اتفاق نهائي وشامل يضع حدًّاً للنزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأعرب الإيرانيون، وخاصةً وزير الخارجية جواد ظريف والرئيس حسن روحاني، عن الشيء نفسه لبعض الوقت.

ولكن، بالطبع، تعتبر صياغة نص الاتفاق شيئاً بينما طلب الدول الست الكبرى لإيران بتقليص نطاق برنامجها النووي، وما إذا كانت إيران ستوافق على ذلك، شيئاً آخر تماماً، ومن هنا، يبرز الدور الهام للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.

في الحقيقة، يقع السيد خامنئي بين المطرقة- الشعب الإيراني- والسندان- أنصاره المتشددين، حيث انتخب الشعب الإيراني الرئيس روحاني باكتساح في يونيو(حزيران) الماضي، وطالبوه باقتلاع الفساد العظيم الذي نما تحت قيادة سلفه السيد محمود أحمدي نجاد، وبناء اقتصاد قوي وفعال، وإقامة علاقات أفضل مع الغرب، وبناء نظام سياسي أكثر انفتاحاً وتسامحاً، يضع إيران على مسار ثابت ونهائي نحو ديمقراطية حقيقية وشاملة.

ويمثّل حلّ النزاع النووي مع الغرب ورفع العقوبات خطوات كبيرة في هذا الاتجاه، وقد دعم السيد خامنئي المفاوضات النووية، وبالعودة إلى 21 مارس (آذار) 2013، فقد حدث تغير جذري في موقفه بشأن المفاوضات النووية مع "مجموعة الخمس زائد واحد"، وقال إنه يدعم استمرار المفاوضات طالما يتم الاعتراف بحقوق إيران النووية واحترامها.

وفي خطاب ألقاه في 9 أبريل(نيسان)، أكد السيد خامنئي مجدداً دعمه للمفاوضات النووية، على الرغم من أنه اتهم الولايات المتحدة أيضاً بتقديم صورة بعيدة كل البعد عن البرنامج النووي الإيراني وأهدافه.

المعارضون والمحرقة
ولكن يرفض المتشددون الإيرانيون، الذين يشكّلون القاعدة الاجتماعية الرئيسية لخامنئي، أي حل وسط بشأن المسألة النووية، وكانوا يغتنمون أية فرصة ويستغلون كل ذريعة لمهاجمة إدارة روحاني، حيث شبّهوا الاتفاق النووي بالمحرقة، وادّعوا أن إيران قدّمت الكثير من التنازلات مقابل القليل من الفوائد، واستخدموا مجلس الشورى، البرلمان الإيراني، في خلق مشاكل للحكومة، عبر الاستدعاء المستمر للوزراء المختلفين وسؤالهم، وبخاصة السيد ظريف، لشرح مواقفه، بل إنهم هددوا بعزله من منصبه.

وقد أدلى السيد خامنئي أيضاً بتصريحات يصفها المتشددون، سواءً في طهران أو واشنطن، بأنها إشارات على أنه لا يرغب في التوصل إلى تسوية معقولة.

على سبيل المثال، في الفترة الواقعة بين توقيع اتفاق جنيف وبداية جولة جديدة من المفاوضات في فيينا في فبراير(شباط) الماضي، أعرب السيد خامنئي عن افتقاره الأمل في نجاح المفاوضات، وصرح على وجه الخصوص في 17 فبراير(شباط) أنه على الرغم من أنه يدعم المفاوضات النووية، فإنه لا يعتقد أن المفاوضات مع الولايات المتحدة "ستفضي إلى شيء".

وسارعت وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة والصقور واللوبي الإسرائيلي- الذين يبحثون عن أي عذر لتعطيل العملية الدبلوماسية- بتفسير خطاب خامنئي على أنه لا يرغب في أية تسوية.

ولكن، لقد تم تحريف تصريحات السيد خامنئي، فهو يؤيد المفاوضات ويهتم بكل تأكيد بالتوصل إلى حل دبلوماسي، لكنه متشائم بشأن احتمالات إقامة علاقات أفضل وغير معادية مع الولايات المتحدة.

وبالمثل، فإن المتشددين في طهران، ولا سيّما بعض القادة البارزين في فيلق الحرس الثوري الإسلامي ومسؤولي الاستخبارات في إدارة أحمدي نجاد، استخدموا تصريحات السيد خامنئي لتبرير معارضتهم للمفاوضات النووية.

وأصبحت المعارضة أعلى صوتاً بعدما اعتمد البرلمان الأوروبي قراراً يوجه انتقادات لإيران، نظراً لسجلها في مجال حقوق الإنسان، واقترح فتح مكتب في طهران قبل نهاية هذا العام لتمكين الاتحاد الأوروبي من رصد حالة حقوق الإنسان في إيران.

إيران والعار
وأعلن عضو مجلس الشورى نادر غازيبور أن "الأمة الإيرانية لن تقبل العار بوجود "وكر آخر للجواسيس" على "أراضيها المقدسة"، في إشارة إلى السفارة الأمريكية القديمة في طهران.

 ورأى نواب متشددون آخرون أن القرار سيؤثر سلباً على المفاوضات، بل واقترحوا الانسحاب منها، وهناك أيضا اقتراح آخر في مجلس الشورى يقضي بأخذ بصمات أعضاء الوفود الأوروبية التي تنتقل إلى إيران، بقصد "إذلالهم".

في الحقيقة، لم تكن المفاوضات النووية مع إيران لتتقدم بالقدر الذي هي عليه حالياً إذا لم يكن روحاني يحظى بمساندة السيد خامنئي، وبالتالي، فإن السؤال هو لماذا يطلق السيد خامنئي تصريحات قد يتم تفسيرها على أنها تشير إلى عدم رغبته في تقديم تنازلات.

 والجواب، كما سبق أن ذكرنا، هو أنه محصور بين المطرقة والسندان، ويوجد سببان وراء تصريحاته التي "تُرضي" المتشددين.

بطبيعة الحال، يكمن أحد أسباب هذه التصريحات هو أن المتشددين، الذين يشكّلون أهم قاعدة دعم للسيد خامنئي، يعارضون المفاوضات، ويفعل بعض المتشددين ذلك لأسباب أيديولوجية، فهم لا يثقون في الولايات المتحدة، ويخافون من تقديم الرئيس روحاني والسيد ظريف الكثير من التنازلات من أجل إغلاق الملف النووي الإيراني، ويعارض آخرون المفاوضات لأنهم اكتسبوا قوتهم السياسية والاقتصادية خلال فترة أحمدي نجاد، نتيجة عداء الولايات المتحدة تجاه إيران، ويخشون أن يؤدي نجاح المفاوضات وتحسّن العلاقات بين البلدين إلى خسارتهم لكل شيء، وبالتالي، يجب أن يبدو السيد خامنئي حازماً في الداخل من أجل السيطرة على هؤلاء المتشددين.

أما السبب الثاني، فهو محاولة السيد خامنئي خلق غطاء سياسي لنفسه وسلطته في حال فشل المفاوضات، حيث أنه يدرك أنه لا يملك السلطة التي كان يتمتع بها مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، مع الناس.

مناورة خامنئي
في خطاب إعلانه للأمة قرار إنهاء الحرب مع العراق في عام 1988، قال الخميني إنه سيتحمل المسؤولية الكاملة عن ذلك القرار، بعد أن عارضه لمدة ست سنوات، بعد أن قام الجيش الإيراني بصد هجمات الجيش العراقي وطرده من الأراضي الإيرانية.

يناور السيد خامنئي ليضع نفسه في موضع العارف، الذي يستطيع أن يعلن أنه يعرف طوال الوقت أن الولايات المتحدة ليست مهتمةً بالتوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع، إذا فشلت المفاوضات، وأن الفشل ليس خطأه، وبالتالي، يَرْجع تشاؤمه بشأن التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في معظمه إلى مغازلته لأنصاره المتشددين وضمان وسيلة لتأمين سلطته.

ولكن، على الرغم من أن المتشددين هم أهم قاعدة لدعم السيد خامنئي، فإنه يدرك أيضاً أنه محاصر بإرث أحمدي نجاد الذي ساعده هو نفسه في الوصول إلى السلطة، وأيده بقوة لمدة ستة سنوات على الأقل، فلا يكاد يمر يوم دون اكتشاف حالة فساد كبرى حدثت في عهد أحمدي نجاد.

بالإضافة إلى ذلك، عانى الاقتصاد الإيراني بشكل كبير خلال فترة الولاية الثانية لأحمدي نجاد.

على وجه الخصوص، عانى الاقتصاد من الانكماش بنسبة 5.7 في المئة في عام 2012، وبنسبة 1.7 خلال معظم فترات عام 2013، وهذا الانكماش الاقتصادي، جنباً إلى جنب مع القمع السياسي الشديد الذي فرضه المتشددون على الأمة، نتيجة الحركة الخضراء في الفترة من 2009-2010، أدى إلى خلق وضع متفجر ساهم أيضاً في إفقاد المتشددين الكثير من رصيدهم.

وظهرت تصدعات داخل الحركة المتشددة، وأعرب العديد عن ندمهم لدعم أحمدي نجاد مثل المحافظ المؤثّر وحما مجتبى خامنئي غلام علي حداد عادل، حيث نُقل عنه أسفه الشديد لتأييد نجاد، وقد وفر هذا الجو للسيد خامنئي المرونة اللازمة للمناورة، على الرغم من ضرورة تحمله لنصيب الأسد من اللوم على ما حدث أثناء إدارة أحمدي نجاد.

لا إيران بدون نووي
ومع ذلك، فإن دعم السيد خامنئي للمفاوضات النووية ليس إلى أجل غير مسمى، إذ يجب أن تكون إدارة روحاني قادرة على أن تظهر نتائج ملموسة للأمة، وتثبت أنها لم تتخطى الخطوط الحمراء التي وضعها السيد خامنئي للمفاوضات، بمعنى أكثر تحديداً، الاعتراف بحق إيران في الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، ولا سيّما تخصيب اليورانيوم.

 وبالتالي، فإن الحديث عن تفكيك جزء كبير من البنية التحتية النووية الإيرانية، التي تبناها المحافظون الجدد، فضلاً عن جماعات الضغط الإسرائيلية والسعودية في الولايات المتحدة، لن يفضي إلي شيء أيضاً.

 لن توافق إيران على ذلك الشرط، ولكنها أظهرت مراراً وتكراراً أنها على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة واتباع نهج حذر، تُعد مطالبة إيران بالتخلي عن جزء كبير من بنيتها التحتية النووية بمثابة مطالبتها بتسليم سيادتها وحقوقها الوطنية، وهذا لن يحدث.

وكما أكدت في مقالات أخرى كثيراً، إذا اهتمت واشنطن بالتوصل إلى حلّ دبلوماسي للنزاع مع إيران، والذي بدوره سيؤثر إيجابياً بصورة كبيرة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وخاصةً في سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان، فعليها أن تعترف بالقيود الداخلية التي تواجهها إدارة روحاني، وتقدّم تنازلات يمكن لروحاني أن يعرضها على أمته، بما في ذلك المتشددين، ليبين لهم أن المساعي الدبلوماسية يمكن أن تنجح مع الولايات المتحدة، وسيضمن هذا تواصل دعم السيد خامنئي لروحاني مع تهميش المتشددين.