السبت 19 أبريل 2014 / 18:31

هواتف ذكية....وتواصل غبي!

باتت الهواتف الذكية عصب حياتنا بشكل أفقدنا شعورنا بمحيطنا ومحيطنا، وأصبحت خصماً لتفاعلاتنا الاجتماعية الطبيعية الحية، لاسيما بعدما أصبحت محطة نستضيف عليها كل ما يتمحور حول حياتنا الشخصية، من تخزين معلومات وبيانات وأسرار بنكية خاصة ومطالعة شبكات التواصل الاجتماعي، وتصفح مواقع ويب، وممارسة ألعاب ودردشة فضائية إلكترونية، وصولاً إلى الدفع باللمس، بل وتحويلها إلى "ريموت كنترول" يتحكم عن بعد في الأجهزة المنزلية المحيطة بنا.

ولكن سؤالاً يراودني منذ فترة، هل تلك الأجهزة التي تطوف معنا العالم والمنعوتة باسم "سمارت" هي فعلاً "ذكية" تلبي كافة احتياجاتنا في التو واللحظة، أم أنها سُميت بهذه الصفة لأنها تفيد وتخدم مصالح أخرى لأطراف مجهولي الهوية على المدى الطويل دون دراية ممن يستخدمها، فثمة عوائق عديدة تعترض تلك المسماة بـ"الهواتف الذكية"، أبرزها عامل الأمان الذي يعد أحد أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع وتهدد حياة مستخدميه.

وعلى الرغم من تطوير برامج للخصوصية والأمان، غير أن عمليات الاختراق والتجسس تتنامى بوتيرة سريعة توازي سرعة انتشار الهواتف الذكية التي شكلت مخاطر أمنية لا يُحمد عقباها على الصعيد العالمي، وأفرزت عداءات بين الحلفاء لرصدها ومتابعتها ومراقبتها كل خطوة يخطوها الشخص أو هفوة يتفوه بها، وما أقصده صدمة تسريبات "سنودن" لشركات التكنولوجيا، وصورتها أمام عملائها أنها ضعيفة وهشة تجاه تأمين ضلع أساسي في هذا الصرح الذي اخترق حياتنا ولا يزال مستمراً، رغم الضمانات وتقنيات التشفير بأقصى درجات الخصوصية والسرية التي تروجها تلك الشركات. ويبقى الأمل قائماً في "بلاك" الهاتف الأسود المطور بمنأى عن عمليات التجسس والقرصنة.

ناهيك عن التطبيقات المتطورة للحؤول دون سرقة الهواتف أو ضياعها، ومع ذلك نسبة معدلاتها ترتفع وتزداد بشكل صادم، حقيقة ينبغي مواجهتها بكل حزم وحسم، فهذا ليس عبثاً، بل احصائيات حديثة تستند على دراسات ومؤشرات، أحدثها تقرير شركة "كونسيمر ريبورتس" التي أوضحت أن عدد الهواتف الذكية المفقودة بلغ 1.4 مليون لعام 2013 وعدد الأجهزة المسروقة 3.1 مليون لنفس العام، أي زيادة بمعدل الضعف مقارنة بالعام الماضي البالغ 1.6 مليون هاتف، بخسائر بلغت نحو 2.5 مليار دولار، هذا التقرير انحصر فقط على المستخدمين القاطنين في أمريكا، فما بالك بالنسبة المئوية في الدول العربية والغربية أيضاً؟

لا تقتصر تحديات الهواتف الذكية عند هذا الحد، فمشكلة "نفاد البطارية" التي تنغص علينا حياتنا بات أمراً ما يبدو يستحيل إيجاد حل له، فرغم توافر بطاريات احتياطية متنقلة تعمل بالطاقة الشمسية وأغطية شاحنة، غير أن الطاقة التي توفرها ضعيفة للغاية تكفي بالكاد مكالمة هاتفية قصيرة جداً. ويُقترن بعمر البطاريات القصير ارتفاع درجات حرارتها واحتراقها رغم حرص الشركات على التزام معايير الأمان والسلامة، فكم من شخص لقى حتفه أو أصيب بجروح وحروق جراء استخدامه للهواتف الذكية، وهناك شواهد عديدة على ذلك في الصين وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية ولعلامات تجارية شهيرة تتمتع بصيت ومكانة في العالم.

الخلاصة...على الرغم من إيجابيات عالم الهواتف الذكية وما رافقه من ثورة تكنولوجية لا يمكن إغفالها، لكن لا يمكن تجاهل أن تلك "الذكية" غير قادرة على توفير الأركان الأساسية للغرض الرئيسي من إنتاجها، فلماذا إذن سُميت بـ"الذكية". ولا ننسى البعد الأسري والتفكك الآدمي الذي خلفته داخل وخارج المنزل، فالبيت تحول إلى صالة مطار كل شخص منكباً على هاتفه يلامس شاشته بأنامله لا يأبه بأخيه أو أبيه الذي لا يشعر إذا حتى اصطدم به في الردهة، وإذا دار حديث فيكون عن شيء طالعه على شبكات التواصل الاجتماعي. فصار الهاتف في كل مكان وكأن أصحابه أفراد في الدفاع المدني. ما أردت قوله أن تلك "الذكية" جعلت تواصلنا "غبياً".