السبت 3 مايو 2014 / 22:06

خيارات أردوغان الناقصة




لا يضيع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان فرصة لإعادة تأهيل صورة حكومته المتآكلة، بعد سلسلة الإخفاقات والفضائح ومظاهر انسداد أفق سياساته، وفقدان رؤيته قشورها البلاغية.

التعزية التي قدمها لأحفاد ضحايا الحكم العثماني، من الأرمن، ولم ترتق للاعتراف بتعرض اجدادهم للإبادة، كانت رسالة موجهة لأكثر من عنوان .

لم يأت الاعتراف التركي الأول بتهجير الأرمن 1915 من فراغ، فهو وليد منعطف سياسي حاد تمر به حكومة أردوغان، لا يقتصر على الإفرازات المحتملة لحملة عالمية يستعد الأرمن لتنظيمها، في المئوية الأولى للتهجير والإبادة .

هشاشة الأوضاع الداخلية التي أفضت إليها سياسات حكومة "العدالة والتنمية " الوجه الآخر للمنعطف، الذي تكاد أن تكتمل ملامحه الأولى بالاختلالات التي يحاول أردوغان إبقاءها في الظل، أو إيجاد مبررات لها .

تتسع ملامح هذا الوجه لتشمل شبهات الفساد، وقمع الحريات، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي، وتوسيع صلاحيات أجهزة الأمن، ومواجهات مع القضاء، واتجاه الخطاب السياسي الرسمي نحو المزيد من التشدد القومي والمذهبي .

أعباء الإرث الذي عانت منه شعوب خضعت لحكم الإمبراطورية العثمانية على مدى قرون عدة، ويشد الحلم الأردوغاني إلى الوراء، ليترك بعض آثاره على سياسات حزب العدالة والتنمية، ويفسر بعض إخفاقاتها، لم تكن وحدها التي قادت البلاد إلى هذا المنزلق .

فقد مرت السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الثلاث الماضية بمنعرجات نقلتها من رصيف "صفر المشاكل" الذي اختاره أحمد داود اوغلو لتعزيز المكتسبات، أثار من خلاله اهتمام مراكز البحث وصناعة القرار باعتباره إنجازاً تركياً، إلى منزلقات متعددة الاتجاهات بعد اضطرابات ما عرف بـ "الربيع العربي".

إعلان أردوغان عن رغبة التطبيع مع إسرائيل، بعد مرور قرابة العام على مكالمته الشهيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، كان في بعض جوانبه، محاولة لترميم ما لحق بعلاقات تركيا الإقليمية خلال السنوات الثلاث الماضية، ولم يبتعد كثيراً عن معطيات العزاء المتأخر، لأحفاد الضحايا الأرمن.

يدرك رئيس الحكومة التركية، المحسوب وحزبه على تيار الإسلام السياسي، أن مواصلة السير في تسوية خلافاته مع إسرائيل، الطريق الأقصر للحصول على الرضا الغربي، مثلما يعي أن من شأن تليين الموقف التركي المتشنج تجاه الاعتذار عن إبادة الأرمن، تشجيع الغرب على غض الطرف عن تفاقم أزمات السياسة الداخلية التركية .

هشاشة الوضع الداخلي وتأثيرها على نظرة الآخر الغربي لحكومة العدالة والتنمية، دفعت أردوغان إلى التوظيف الظرفي لإبادة الأرمن، بعد قرن على حدوثها، واستئناف العلاقة المثيرة للجدل مع إسرائيل، تحت غطاء تسهيل تقديم المساعدات للفلسطينيين، وقد تتيح له مثل هذه الخطوة الاستقواء بالخارج على الداخل، لكنها لن تكون مجدية في تحسين فرص انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي .