الخميس 17 يوليو 2014 / 14:51

العقد الاجتماعي الذي أرساه زايد



كثيرة هي إنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وبيّنة آثارها في مختلف مجالات الدولة من عمران وتنمية وسيادة قانون وعمل مؤسسات، فالراحل الكبير وضع مع إخوته حكام الإمارات في العام 1971 ذلك الأساس الصلب الذي سنكتشف، نحن الإماراتيون، جيلاً بعد جيل، مدى صلابته، وقدرته على الصمود أمام الزمن والتحديات، بل حضوره الثابت فينا، منارة هادية تقود خطواتنا وتحكم قراراتنا وسياساتنا، نحو مزيد من الإنجازات والمكتسبات لكلّ من يعيش على هذه الأرض المعطاء الطيبة، التي ترك الشيخ زايد أثره وبصماته الدامغة في كلّ شبر منها، وعلى كلّ حبّة تراب فيها.

تتعدّد الإنجازات وتكثر، غير أن المنجز الأكبر والأهم، وهو الذي تبنى عليه سائر الإنجازات، هو الإرث الأخلاقي والوطني، وذلك العقد الاجتماعي الذي أرساه الراحل الكبير، وأسس انطلاقاً منه تلك العلاقة الفريدة، بين أبناء الشعب الإماراتي أنفسهم، وبين الشعب الإماراتي وقادته وحكامه. كان الشيخ زايد، وهو الرجل الحكيم المتواضع المؤمن، يعرف أن لا بقاء إلا لله، ويعرف أيضاً أنه يحمل مسؤولية أمة سوف تحتاج إلى إلهام يوجّه خطواتها، ويكون بوصلة وعوناً لها في الشدائد، كما في أزمنة الرخاء، ومن هنا وانطلاقاً من هذا الوعي الثاقب بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه، كان رحمه الله يحرص كلّ الحرص على تعليم أبنائه، ونعني بهم أبناءه الذين هم من صلبه، والذين سيحملون الراية من بعده، وعلى قدر المساواة جميع أبناء الإمارات، تلك القيم الأخلاقية السامية، والأسس القيادية الملهمة، وكان حريصاً أيضاً على تكرارها، بأشكال وصور مختلفة، حتى تصل الرسالة كاملة ودون لبس، فالعمران لا يكون بالثروة وحدها، بل إن السياسات الصحيحة والمدروسة هي التي تصنع العمران وتصون التنمية، كما لا تكون الإنجازات من صنع الدولة وحدها، بل هي صنيع إرادة مشتركة وإجماع وطني واضح.

ترك الشيخ زايد لنا هذا الإرث الكبير، إرث الحكمة والكلمات، إلا أننا في الإمارات، اليوم وبعد45 عاماً من قيام دولة الإمارات، وعشر سنوات من رحيل الشيخ زايد، نعرف جيداً أن تلك الكلمات لم تكن مجرد شعارات تقال، بل كانت خططاً توضع وسياسات ترسم وأفعالاً تنفذ، وهذه هي الدروس الأجمل والأكبر للشيخ زايد رحمه الله، وهذا هو الإرث الذي لا يموت؛ لقد علمنا زايد، بالفعل لا القول، قيمة العمل، بقدر ما علمنا أن عملاً بلا صدق لا يؤتي ثماره، ولا يترك الأثر المرجوّ منه، وهي القيم التي ننقلها – دون أيّ إحساس بالتناقض – إلى أولادنا، واثقين من أنهم سينقلونها بدورهم إلى أولادهم، حتى تبقى الشعلة ويستمر الخير ويبقى العطاء، في أرض الخير والعطاء.

ذكرى رحيل الشيخ زايد، ليست يوماً للحزن، وإن كانت ذكرى الفراق المرّ ساكنة دوماً قلوبنا، بل هي يوم للتأمل العميق، واستقاء الدروس والعبر المتجددة، من رجل جعل حياته كلها مثالاً على أقواله، ومصداقاً لرؤيته وعمق بصيرته، وهو يوم نرفع فيه أسمى آيات العرفان لحامل الشعلة الأول، رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (حفظه الله) الذي بدأبه وحنوه وحرصه لم يجعلنا نشعر باليتم، بل باستمرار المسيرة وتواصل الذكرى النديّة العطرة، ولولي عهده الأمين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حارس الراية وفارسها الكبير، ولجميع أبناء الشيخ زايد، لأنهم بتواضعهم الشديد، ومحبتهم الغامرة، وعملهم المشهود له، يؤكدون دوماً بأننا أبناء "فريج واحد" كما قال يوماً الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، وبأننا بوحدتنا هذه قادرون على صنع المستحيل، على الأرض، كما في الفضاء.