السبت 19 يوليو 2014 / 13:55

مأساة غزة وشركة الوسطاء



ما ان بدأت الحملة العسكرية الحالية ضد غزة، والتي أطلق عليها الاسرائيليون اسم " الجرف الصامد " حتى تأسست شركة مساهمة غير محدودة ، اسمها الوساطة من أجل وقف اطلاق النار.

كان أول المساهمين في الاكتتاب الولايات المتحدة، وتلتها فرنسا، ثم بدأ الزحام... ولم تغب عنها تركيا ولا قطر، وربما يكون هناك آخرون نسيت ذكرهم.

سقف الاكتتاب الذي هو رأسمال الشركة، هو وقف إطلاق النار رأفة بالمدنيين، الذين أصبحوا بقدرة قادر، مادة بكاء وحزن ومناشدة، وكأن سكان غزة كانوا في أمن وأمان، ولم يطالهم سوء، الا في حرب الجرف الصامد، التي ما تزال من حيث الخسائر اقل بكثير من الرصاص المصبوب، وفوقها عامود السحاب.

وحين تتحدث الدول العظمى، عن وساطة من أجل المدنيين لا أكثر ولا أقل، أي لأسباب إنسانية صرفة، وتمارس الوساطة عبر المناشدات والتحذيرات، التي تتم دائماً تحت شعار "من حق إسرائيل أن تفعل كل شيء من أجل الحفاظ على أمنها"، فبإمكاننا القول للمساهمين في شركة الوساطة وأولهم الولايات المتحدة "صح النوم" وليس هذا فحسب، بل يمكن أن يقال كذلك، أين كنتم حين كان المدنيون في غزة تحت أقسى وأطول حصار عرفته البشرية، وحين لم يكن بوسع المواطن الغزي، السفر إلى أي مكان في الوطن أو العالم العربي، وحين شرب الغزيون الماء المالح المختلط بماء المجاري، وحين افتقدوا أبسط الدواء، ووضعت نسائهم الحوامل أبنائهن في الأقبية وعلى الأرصفة، هل بدأت مأساة غزة مع آخر حرب أعلنت عليها، أم أنها مأساة مستديمة تتوقف حينا لتستأنف فصولها الموجعة دائماً.

لن نقول شكراً للذين يتباكون الآن على المدنيين والأبرياء الذين يقتلون بالعشرات مع مطلع كل شمس ومغيبها، وعلى الجرحى الذين صار المعاقون منهم يعدون بعشرات الألوف، أما الذين تأسس في روحهم جزع خطير جراء أصوات الانفجارات وأزيز الطائرات فماذا تنفعهم شفاعة الوسطاء، التي لا تزيد عن اللوم الخجول والتظاهر بالحزن والبكاء من جهة، وتزويد الطائرات والمدافع بالوقود والذخائر من جهة أخرى!!

إن دولة بوزن الولايات المتحدة وفرنسا مثلاً، يُتعَشّم فيها، أن تصل الليل بالنهار ليس من أجل وقف إطلاق النار ، أو من أجل خفض منسوب موت المدنيين إلى درجات أدنى، بل المطلوب منها أن تمارس سياسة فيها القدر المقنع من الأخلاق أولاً ثم الفاعلية، المطلوب منها أن تقدم للغزيين والفلسطينيين عموماً، الترياق الذي يحتاجونه بشدة، وهو الحل السياسي لقضيتهم، الحل الذي عنوانه الحرية والاستقلال، وليس مجرد خفض منسوب الدم والموت هذه الأيام ليرتفع أضعافاً مضاعفة في الأيام التالية وهكذا وإلى ما لا نهاية.

لن نقول لهؤلاء شكراً على لفتتكم تجاه المدنيين دون ان تفعلوا شيئاً ملموسا لانقاذهم، لأننا ندخر "شكراً هذه" لمن يرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني كله، بتمكينه من الحصول على حقوقه، فما معنى وقف إطلاق النار، إن لم يقترن بتقدم على طريق الحل السياسي الذي من شأنه اقتلاع الألم من جذوره واستبداله بحياة كريمة لائقة.

هذا ما تريده غزة ويريده الفلسطينيون، أما حكاية ذرف الدموع على الأبرياء، وتبرير إطلاق النار عليهم فهذه ازدواجية لم تعد مقبولة سياسياً ولا اخلاقياً.