الإثنين 21 يوليو 2014 / 16:25

حرب صغيرة من أجل "بيبي"



لو حاولنا، من باب التجربة، قراءة ما يفكر به " بينيامين نيتنياهو" الذي ينادونه " بيبي" مع انزياح محتمل في اللغة لتنسجم مع الشخص وهمومه، لربما توصلنا الى أن ما يحتاجه " بيبي" بالضبط هو حرب صغيرة، لا أكثر ولا أقل، بأقل ما يمكن من الخسائر، حرب محسوبة ومدبرة ويمكن شرحها، لها باب جانبي وسلم حريق يتسع لشخص واحد، حرب يمكن تفسير اي نتيجة تنشأ عنها وتحويله الى عمل مهني بالنسبة ل "بان كي مون " وجماعته، وانجاز سياسي لرعاع الليكود والمستوطنين وحلفائهم ومحللين من نوع " بن كسبيت"" الذين يواصلون الصراخ عليه أمام الكاميرات وبرامج البث المباشر وهم يهتفون " تقدم يا نيتنياهو، تقدم لا تخف، كما فعل "أولمرت" في لبنان" وهذا يشمل، التفسير، قتل الأطفال على شاطئ غزة، أو أولئك الذين لم تسمح لهم فترة التحذير، ان وجدت، بالاستيقاظ ومسح اثر النوم وتبين الطريق الى الحارة كما حدث في " الشجاعية"، رغم أن قائد لواء غولاني كان عربيا درزيا باسم عربي واضح " غسان عليان" وقد جرت ترقيته قبل شهر واحد قبل دفع اللواء نحو الشجاعية.

حرب إضافية في حلقة الاستعراض المتواصلة في غزة، والتي استقرت في العقد الأخير على حرب واحدة لكل سنتين،أو حرب حسب الطلب، اي صيد سمين او متوسط القيمة، او حتى العودة الى التفاهمات التي اشرف عليها محمد مرسي في سنة حكمه اليتيمة لمصر، اعادة انتاج تلك التفاهمات التي اشرف عليها " الإخوان المسلمون " أنفسهم ستكون مادة ملائمة لتحويلها الى انتصار، ويستطيعون "هم " في حماس تحويلها الى انتصار أيضا كما فعلوا في تهدئة مرسي السابقة التي يرفضونها الآن.

هكذا يفكر بنيامين نيتنياهو قبل أن ينام وعندما يستيقظ كل صباح، قبل وبعد قراءة تقارير " يعلون" أو" بوغي" كما ينادونه في الجيش.
بيبي بحاجة الى انتصار، ليس مهما ضد من، ليس مهما على الإطلاق من هم الضحايا، المهم أن يحدث موت كثير في " الجانب الآخر"، موت يستطيع أن يحمله معه الى اجتماع المجلس الوزاري المصغر القادم، وأن يشهره في وجه ليبرمان، في وجهه الروسي الخبيث ولكنته الروسية المضجرة وتعثره في اللغة العبرية، في وجه خياناته وأحابيله التي تلف الآن الحبل حول عنقه، وبينما "ليبرمان" منشغل مع "كحلون" الذي غادر مكتب رئيس الوزراء غاضبا وحاملا معه نفوذه الهام في أوساط سفارديم الليكود، بينما هما منشغلان بتركيب المشنقة السياسية ستتكفل تلك الحرب وانتصارها بقلب الطاولة.

موت كثير يمكن ان يسكت " بينيت " ايضا الذي لم يتوقف عن سرقة أعضاء الليكود منذ الانتخابات الأخيرة.

أي شيء يمكن ان يحول جثث القتلى، بما فيهم الأطفال الذين يلقون بأنفسهم تحت قذائف البوارج وقذائف الطائرات، الى ارهابيين، هذا سهل ومجرب وينجح دائما تحديدا في الكونغرس الأميركي ووزارة خارجيتهم هناك في واشنطن، يمكن ان يتحول هؤلاء الى حماس، وحماس الى غزة وهؤلاء المليون ونصف فلسطيني الذين ظهروا خارج الخطة القديمة للمشروع الصهيوني وواصلوا تكدسهم في تلك البقعة الضيقة، التي لا تصلح للتنفس في أقصى الجنوب الى اعضاء في كتائب القسام يأتمرون بأوامر الجعبري من قبره أو محمد ضيف من كرسيه المتحرك الذي يكاد يسمع صرير عجلاته في نومه القلق وهو يتجول في مكان ما في القطاع او تحت الأرض.

المهم أن يتم تجاهل كل شيء الناس والجغرافية والبحر والبيوت وبقية " مطلقي النار " بما فيهم " الجهاد الإسلامي " و "فتح غزة" والفلسطينيين في "اسرائيل " والضفة ومخيماتهم البعيدة، التركيز على أن الحرب مع حماس وعليها، رغم أن هذا غير حقيقي، سيجعل المرور في حقل الألغام المفتوح أقل صعوبةز ستتلقف حماس الفكرة مباشرة، هذا يحدث دائما، وستقوم باستكمال فكرة استهدافها والمساهمة بإقصاء البقية، وحصر كل هذا بها، حرب ضد حماس ، التي خسرت الكثير من حلفائها وأصدقائها في السنوات الأخيرة بما فيهم نصرالله المشغول بقتل السوريين والغارق في مهمته الجديدة بهمة طائفي مدرب، ويمكن عزلها وحشرها في زاوية الاستهداف، نظريا على الأقل.

ستفتح مثل هذه الحرب طريقا واسعا لتدمير ما راكمته الديبلوماسية الفلسطينية ومحمود عباس بباطنيته الخبيثة في السنوات الأخيرة، وما سعى الى انجازه لنقل ملف الصراع من خزانة وزارة الخارجية الأميركية الى المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، وستعيق وعي الفلسطينيين بتطوير المقاومة الشعبية الذي قطع اشواطا طويلة وراكم خبرة هامة، وستنهي مشروع المصالحة الهش بين فتح وحماس، وتسمح باستعادة الانقسام الذي انبنت على اساسه استراتيجة اسرائيلية كاملة.

وستربك حملة المقاطعة الدولية التي اتخذت منحى خطيرا خلال الفترة الأخيرة وظهرت في مناطق كانت احتكارا للنفوذ الصهيوني، وتواصل يوميا مطاردة اسرائيل في شوارع العالم ودفعها نحو الجدار حيث حوكم نظام الأبارتهيد قبلها وكأنها تنفذ بأمانة وصايا ادوارد سعيد ونبوءته.
وستربك بشكل خاص حركات التمرد والانشقاقات والجدل حول الانتماء والولاء للدولة ومفاهيم ما بعد الصهيونية التي تتصاعد في اوساط التجمعات اليهودية في اوروبا وأمريكا.

هذا بالضبط ما يفكر به نيتنياهو، وهي محاولة لتقمص لغته أيضا، منذ ان بدأت العملية الأخيرة التي أطلق عليها اسم " عودة الإخوة " في الضفة الغربية على اثر حادث اختطاف المستوطنين الثلاثة، الذي ما زال يحتفظ بغموضه الى الآن، حتى بعد ان عثر عليهم متطوعون من المستوطنين، وليس الجيش، مدفونين في منطقة الخليل تحت كومة من حجارة السناسل والعشب الجاف، وتدحرجت نحو غزة، قبل أن يفقد السيطرة عليها تماما، العملية، لتلد عملية أخرى حملت هي الأخرى اسما من تلك الأسماء التي يحبون في وزارة الحرب اللعب على بلاغتها، " الجرف الصامد " هذا هو اسم عملية تدمير غزة على رؤوس سكانها.

ان اي محاولة لاحتكار المواجهة أو نتائجها من قبل حماس، كما يحدث الآن من استبعاد غير محسوب لمصر وحضورها ودورها واستبدالها بحلفاء يثيرون الجدل والإرباك دون تأثير على الأرض من نوع قطر وأردوغان، او اي جهة فلسطينية أخرى سيصب بالضبط في طاحونة العدوان على غزة ويتحول الى جزء من هذه الحملة، وهو ما ينطبق بنفس القوة على محاولة استغلال الوضع الناجم عن العدوان وتمرير الشكوك والاتهامات والتقليل من المنجزات التي تحققت، وأهمها على الإطلاق وحدة الفلسطينيين في مختلف مناطق تواجدهم والتفافهم حول فكرة مواجهة عدوهم واعادة تعريفه.

لقد حققت المقاومة في غزة، بكافة فصائلها واجنحتها، انجازا بالغ الأهمية في الصراع مع الاحتلال وهو ما يجب أن يبنى عليه، ولا يجوز وليس من حق أحد، تحت اي حسابات أن يبدده.

ان اضافة هذه المكتسبات الى المنجز السياسي المتحقق دوليا سيمنح فلسطين قوة كان غيابها يشكل نقطة ضعف واضحة في تحركها على الساحة الدولية.

هل يبدو هذا مثل موعظة ؟ لا بأس ولكنه واقع جديد ينبغي قراءته بدقة ومواكبته واستثماره وطنيا.
ايا كانت نتيجة حرب بينيامين نيتنياهوعلى الفلسطينيين فهو يعرف جيدا انه خسرها، لنحاول ان نكسبها.