الأربعاء 23 يوليو 2014 / 16:57

تقرير: تهريب النفط يمول "دولة الخلافة" الجديدة

استولى مقاتلو الدولة الإسلامية على أربعة حقول نفطية صغيرة عندما اجتاحوا شمال العراق الشهر الماضي، وأصبحوا الآن يبيعون النفط الخام والبنزين لتمويل دولة الخلافة الجديدة.

بالقرب من مدينة الموصل الشمالية استولت الدولة الإسلامية على حقلي نجمة والقيارة، وإلى الجنوب بالقرب من تكريت سيطر مقاتلوها أيضاً على حقلي حمرين وعجيل خلال هجومهم الذي اجتاحوا فيه شمال العراق، على مدى يومين، في منتصف يونيو (حزيران) الماضي.

وتعد حقول النفط التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية متواضعة، إذا ما قورنت بحقول النفط العراقية العملاقة قرب كركوك والبصرة، والتي تخضع لسيطرة الأكراد والحكومة المركزية على الترتيب.
وأغلب الحقول النفطية الواقعة في الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية مغلقة، ولا يتم ضخ النفط منها، ويقدر مسؤول تركي أن عددها
نحو 80 حقلاً.

لكن احتكار الوقود في تلك المناطق التي استولى عليها التنظيم يمنحه ميزة على الفصائل السنية المسلحة الأخرى، التي قد تشكل تهديداً لهيمنته على الأمور في شمال العراق.

نقل النفط
ويقول مسؤولون عراقيون إن الدولة الإسلامية نقلت نفطاً من القيارة في الأسابيع الأخيرة لتكريره في وحدات متنقلة في سوريا، لإنتاج السولار والبنزين بجودة منخفضة، ثم إعادة المنتجات لبيعها في الموصل، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة.

وأضاف المسؤولون أن كميات أكبر من النفط الخام بعضها من حقل النجمة تباع أيضا عن طريق مهربين إلى تجار أتراك، بأسعار مخفضة للغاية تبلغ نحو 25 دولاراً للبرميل.

شحنه إلى سوريا
وقال رئيس لجنة الطاقة في المجلس المحلي لمدينة الموصل هشام البريفكاني "تأكدنا من تقارير تظهر أن الدولة الإسلامية تشحن النفط الخام من حقل نجمة النفطي في الموصل إلى سوريا، لتهريبه إلى إحدى الدول المجاورة لسوريا".

وأضاف "الدولة الإسلامية تحقق أرباحاً بملايين الدولارات مع هذه التجارة غير المشروعة".

من جهته، قال مالك محطة بنزين في الموصل إن محطات البنزين في المدينة تبيع الآن الوقود، الذي يورده لها تجار يعملون مع الدولة الإسلامية، التي تتقاضى دولاراً أو دولاراً ونصف للتر، حسب جودة الوقود بزيادة كبيرة عن الأسعار التي كانت سارية من قبل.

وأضاف "الوقود ينقل من سوريا، والسعر ثلاثة أمثال السعر السابق لكن على السائقين شراءه بسبب توقف الوقود الذي تدعمه الحكومة".

وقال البريفكاني إن الدولة الإسلامية هي الطرف الوحيد المسؤول عن الواردات من سوريا، حيث تسيطر على حقول في محافظة دير الزور، وتابع "يستخدمون جانباً منه لعرباتهم ويبيعون الباقي لتجارهم في الموصل.

المتشددون يحافظون على سلامة الحقول
وكانت شركة سونانجول المملوكة للدولة في أنجولا تتولى إدارة حقلي نجمة والقيارة، لكنها انسحبت في العام الماضي مستندة لأسباب قاهرة مع ارتفاع تكاليف التطوير والمخاوف الأمنية بسبب المتشددين في المنطقة.

وكان حقل القيارة الذي تقدر احتياطياته بنحو 800 مليون برميل ينتج 7000 برميل يومياً من الخام الثقيل، قبل أن يستولي تنظيم الدولة الإسلامية عليه وعلى مصفاة قريبة طاقتها 16 ألف برميل في اليوم.

وتوقفت مصفاة القيارة ومصفاة أخرى قريبة منها، عن العمل بعد أن هرب العاملون بهما.

لكن النفط ظل يتدفق من حقل القيارة نفسه، بعد أن طلب المتشددون من الموظفين العراقيين البقاء في مراكزهم، ووعدوا بحمايتهم مثلما فعلوا في أغلب المنشآت النفطية من أجل الحفاظ على الإنتاج.

وأشار مسؤول عراقي كمثال إلى المعركة من أجل السيطرة على مصفاة بيجي في الشمال وهي أكبر مصافي تكرير النفط في العراق حيث يحاول مقاتلو الدولة الإسلامية وغيرهم، السيطرة على الموقع منذ منتصف يونيو (حزيران) دون إلحاق أي ضرر بالمنشآت.

وفي السياق، قال مهندس يعمل في القيارة، مشترطاً عدم الكشف عن هويته خشية الانتقام منه، إن تنظيم الدولة الإسلامية "يحرص على الحفاظ على سلامة منشآت الطاقة داخل القيارة، لم ندرك لماذا لم يدمروا المنشات، لكن بعد أسبوع بدأوا يملأون الشاحنات بخام القيارة، وكانوا يخططون من البداية للتربح من الحقل".

وقالت مصادر حكومية عراقية إن من الصعب تقدير حجم الأموال التي يحققها التنظيم من بيع النفط الخام أو المنتجات المكررة في سوريا، لأن عدد الشاحنات يتباين من يوم لآخر.

من جانبه، قال مصدر آخر، إن عملية منفصلة لتهريب النفط إلى إقليم كردستان وإلى ايران كانت تحقق ما يقرب من مليون دولار يومياً، في وقت سابق من الشهر، لكنها توقفت الآن.

من الضرائب إلى نايمكس
وكمصدر آخر للدخل يفرض تنظيم الدولة الإسلامية ضرائب على كل المركبات والشاحنات التي تنقل البضائع إلى الموصل، بواقع 400 دولار للشاحنة الكبيرة و100 دولار للشاحنة الصغيرة و50 دولاراً لسيارات الركوب، إذا كانت تحمل بضائع.

وقال الخبير العراقي في الجماعات المسلحة أحمد يونس، إن الإسلاميين يقيمون دولة اقتصادية بناء على الموارد المتزايدة والبنية التحتية المتاحة لهم.

وأضاف أنه بالنظر إلى امتداد الدولة الإسلامية عبر الحدود العراقية السورية وسيطرتها على حقول نفطية وتزايد نشاطها الاقتصادي، فإنها "ستتحول إلى عملاق اقتصادي لديه أصول بمليارات الدولارات"، وتابع يونس "في المستقبل هل ستشتري أسهما في نايمكس؟ كل شيء ممكن."

حقول تكريت
إلى الجنوب يسيطر مقاتلو الدولة الإسلامية على حقلين آخرين شرقي تكريت، مسقط رأس صدام حسين.

أحدهما وهو حقل عجيل ينتج 25 ألف برميل في اليوم من النفط الخام، كانت تنقل إلى مصفاة كركوك، و150 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، تضخ إلى محطة كركوك للكهرباء التي تسيطر عليها الحكومة.

ومازال يجري ضخ الغاز رغم انخفاض حجم الانتاج اليومي إلى 100 مليون قدم مكعبة، ويفسر خبراء الطاقة ذلك بأن محطة كهرباء كركوك تزود مدناً كثيرة في المنطقة بالكهرباء، ولأن المتشددين يريدون أن يتحاشوا أزمة في الطاقة.

وحول هذه القضية، قال مهندس في الموقع إن المتشددين ينقلون كميات صغيرة فقط من النفط من عجيل، بسبب مخاوف من أن تؤدي أساليب الاستخراج البدائية إلى اشتعال الغاز.
أما الحقل الآخر الذي استولت عليه الدولة الإسلامية، فهو حقل حمرين الذي تتراوح طاقته الإنتاجية بين خمسة آلاف وستة آلاف برميل يومياً، من خمسة آبار نفطية عاملة.

وقال موظف بوزارة النفط يعمل في الحقل "أحضر المتشددون فنيين من خارج تكريت للتعامل مع الخام من حمرين، وبدأوا يحفرون حفراً وسحبوا النفط من الآبار باستخدام مضخات ري صغيرة".

وعلق على القضية مسؤول أمني عراقي قائلاً إن شاحنات تستخدم لتهريب النفط الخام من عجيل وحمرين إلى إقليم كردستان العراقي وإلى إيران، واعتادت قوات البشمركة الكردية أن تغض الطرف عن هذا النشاط.

لكنه أضاف أن قوات الأمن الوطني العراقية بالإضافة إلى قوات البشمركة بدأت تعمل على وقف هذه التجارة في 12 يوليو (تموز الجاري)،
واستخدم الجيش طائرات الهليكوبتر لقصف الشاحنات المتجهة شرقاً من تكريت، بينما استولت قوات الأمن الكردية على الشاحنات التي تحمل نفطاً مهرباً عبر الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

وقال المتحدث باسم قوات مكافحة الإرهاب صباح نوري "تمكنا من تدمير أكثر من 50 شاحنة من 12 تموز (يوليو)، ضرباتنا بطائرات الهليكوبتر أثرت على عملية التهريب بشدة وقطعت مصدراً حيوياً لتمويل الإرهابيين".

وفي تفاصيل الأرباح، قدر مستشار بوزارة النفط أن الدولة الاسلامية حققت نحو عشرة ملايين دولار، بواقع ما يقرب من مليون دولار يومياً في الأسبوعين الأولين من يوليو (تموز)، قبل وقف هذه العملية.