الأحد 27 يوليو 2014 / 01:11

منزلق التطهير الديني



لا تترك الشواهد المحيطة بتهجير المسيحيين من الموصل، مجالاً للشك في أننا أمام جريمة "تطهير ديني" تنفذها مليشيات الأزمنة الغابرة بأعصاب باردة، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي .

كل شروط وملابسات الجريمة متوفرة، في عمليات التهجير القسري التي يمارسها تنظيم "دولة الخلافة" سواء نظرنا إليها من الزاوية القانونية، أو السياسية، أو الأخلاقية .

الفوارق الهامشية بين العمليات الجارية في الموصل، وجرائم التطهير العرقي التي مورست وتمارس بحق شعوب مسالمة خلال قرن مضى ـ بدءاً من الأرمن والسريان، مروراً بالفلسطينيين، ومسلمي كوسوفو، وغيرهم ـ لا تمس جوهر التعريف العلمي للممارسة، وانسجامه مع هذه الحالات، وغيرها من النكبات، التي يتم استحضارها بين حين وآخر للتدليل على بشاعة ممارسة الإنسان بحق أخيه الإنسان.

وللحرب التي شنها تنظيم "دولة الخلافة" على مسيحيي الموصل المسالمين جذورها في تربة سياسية صالحة لنمو عوامل الفرز العرقي والطائفي، وسيادة الهويات الفرعية، وضمور حس الانتماء الوطني .

ففي سنوات حكم نوري المالكي، ظهر ما يكفي من مؤشرات تراجع قدرة الدولة على الاحتفاظ بتماسكها، ووصول العلاقة بين مكونات المجتمع العراقي إلى الحد الأدنى من إمكانيات التعايش، لتتسع احتمالات الصراع بين طوائف البلاد وأعراقها، وتأخذ منحى أكثر عنفاً ودموية.

المناخات التي توفرت في ظل هذه الظروف، ساعدت على إفراز أكثر ظواهر الإسلام السياسي تطرفاً في العصر الحديث، وأبعدها عن الاستنارة واستيعاب العصر .

وأتاحت السنوات الماضية الوقوف على ممارسات تعبر عن هذه الروح وعدوانيَّتِها المستندة إلى تفسيرات مختلف عليها بين أئمة المسلمين .
عملية التطهير العرقي في الموصل لم تكن حلقة معزولة عن سياق الأحداث التي يمر بها العراق منذ ما يقارب العقد، بقدر ما هي تطور قد يبدو طبيعياَ لمسار الأحداث في البلاد، ونتاجاً لمخاض مر بعدة محطات، لن يكون آخرها طرد المسيحيين من أرضهم وبيوتهم، وإلقائهم في العراء بعد مصادرة أملاكهم، وسلبهم أموالهم .

لكن الأمر لم يخل من مفاجأة، في ردود الفعل الإقليمية والدولية التي ما زالت تراوح بين عدم القدرة على استيعاب الممارسة المرفوضة قيمياً، والاستهانة بالحدث الذي تزامن مع أحداث أكثر صخباً يمر بها العراق والمنطقة .

الخدوش التي تعرض لها الضمير الإنساني مع اقتلاع مسيحيي العراق وتهجيرهم القسري، والدلالات التي يمكن التقاطها من الحدث الذي حاول المالكي استغلاله في التحريض على معارضيه، تجاوزت خيال أطراف العملية السياسية العراقية، وهي تفقد أطراف خيوط اللعبة، يوماً بعد يوم، لا سيما وأن المؤشرات تتجه نحو مزيد من عمليات التطهير العرقي التي توفر الأرضية الملائمة لتقسيم البلاد .