الأحد 27 يوليو 2014 / 16:01

كيف فبرك الإعلام الإخواني القطري مسيرة دعم لغزة إلى تظاهرة ضدّ الإمارات؟

تداول مستخدمو التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يحمل عنوان "أمام سفارة الإمارات في مظاهرة لندن من أجل غزة"، والذي حاول مروجوه من خلاله الإيحاء بأن جانباً من تظاهرات لندن الداعمة لغزة والمناوئة لإسرائيل، كان مخصصاً للاحتجاج على سياسة الإمارات من العدوان على غزة. لكن ما قصة هذا الفيديو، ومن يقف وراءه؟ 24 يقدم الإجابة كاملة في هذا التقرير.

يتقدّم شاب يحمل مكبراً للصوت، ويشقّ جموع المشاركين في مسيرة احتجاج ضدّ الحرب على غزة. المشاركون في المسيرة يحملون لافتات تندّد بإسرائيل وعدوانها على غزة، وليس بينها أيّ لافتة تحمل اسم الإمارات. لكنّ حامل مكبر الصوت يشير لهذه الجموع: "هنا سفارة الإمارات"، ويتابع: "الإمارات أكبر ممول للحرب على غزة"، "محمد بن زايد أكبر ممول للحرب على غزة"، محاولاً جرّ الجمهور إلى الهتاف ضدّ الإمارات، مكرراً بصورة هوسيّة: هذه سفارة الإمارات هنا، شريكة في الحرب على غزة، محمد بن زايد... حتى يحصل على أصوات قليلة تشاركه هذا الهتاف، ويكون "الفيلم" قد حقّق الغاية منه: تظاهرات لندن لم تكن في حقيقة الأمر ضدّ إسرائيل، بل ضدّ الإمارات. لنرى عنوان "وطن يغرد خارج السرب": 



لا نعرف شخصية هذا الشاب الذي حاول توجيه المسيرة إلى غير اتجاهها الصحيح، إلا أن الفيديو لا يحتاج إلى الكثير من التحليل، ليكتشف المرء أن هذا الشاب مندسّ تحديداً لهذا الغرض. لن نسمع رأي أحد من المتظاهرين (معظمهم يبدون بريطانيين)، لن تتقدّم الكاميرا نفسها لتسأل أياً منهم عن رأيه في الإمارات وفي "تورطها" المزعوم بالحرب على غزة. لن يجرؤ صاحب مكبر الصوت على ذلك، إذ قد يأتيه الجواب فاضحاً ومحرجاً ومدمراً للهدف من هذه المحاولة الفاشلة: وما علاقة الإمارات بهذه المسيرة؟ يفترض أننا نندّد بالحرب الإسرائيلية ضدّ غزة، وتضامناً مع الشعب الفلسطيني.

سوف نرى ونسمع، بدلاً من الآراء المنددة بالإمارات، صوتاً واحداً، مع مكبر صوت، يهتف بكلّ ما طاب له من اتهامات ضدّ الإمارات، محاولاً جرّ الجمهور إلى الهتاف بالإنجليزية بالأحرف الأولى من اسم وليّ عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. ولعلّ أيّ شخص يعرف منطق المسيرات والمظاهرات وكيفية تنظيمها سيدرك بسهولة أن هذا الشاب يلعب دور المحفّز في المسيرة، وليس "مشاركاً" بها، وسيعرف أنه قبل أن يكون هذا الشاب مندساً في المسيرة، فإنه مندسّ في فعاليات تنظيم المسيرة نفسها، التي تشارك بها عادة الكثير من الجهات والفعاليات، وسوف يدرك أيضاً أنه تجاوز ما هو متفق عليه في المسيرات من شعارات وهتافات يفترض أن تكون موجهة ضدّ العدوان الإسرائيلي على غزة، وتضامنية مع حقوق الشعب الفلسطيني، لا أن تتحول إلى تصفية حسابات "إخوانية" وحزبية وأيديولوجية، انطلاقاً من عواصم العالم.

المظاهرة وأنس المقداد
البداية من المظاهرات نفسها، والتي أفادت وسائل إعلام بريطانية، منها إندبندنت وغارديان، بأن أعداد الذين شاركوا فيها تجاوزت الخمسين ألفاً وتوجهت إلى الخارجية البريطانية والسفارة الإسرائيلية في لندن، ورفعت فيها شعارات واضحة ضدّ إسرائيل. الغريب أن أياً من تلك الصحف لم يرصد أيّ مظاهرات "فرعية" ضدّ سفارة أيّ دولة أخرى، بما في ذلك الإمارات:










ومن بين أولئك الذين كانوا مشاركين في المسيرات الإخواني أنس المقدادي نفسه.


إلا أن أجندة هذا الشخص، المرتبط بالأجهزة الأمنية القطرية، والممول مباشرة من قبلها، ليست سراً لأحد، وقد تمّ تناول دوره في التحريض على الإمارات في تقارير صحافية عدة.

نقتبس هنا عن تقرير أوردته صحيفة "ذي ناشيونال" في 19 يونيو (حزيران) الماضي، عن دور هذا الإخواني:

"سلطت الصحيفة الضوء على جمال بسيسو، المدير الوحيد للشركة التي تملك موقع "ميدل إيست آي"، هو المدير السابق لأحد قنوات الجزيرة، ومدير الشركة التي تدير الموقع الإلكتروني لتلفزيون "القدس" الذي تسيطر عليه حماس.عمل بسيسو أيضاً في دبي مع أنس المقداد، الذي يدير شبكة المنتدى الإسلامي "المكين"، وعمل سابقاً مع جمعية الإصلاح، الجناح الإماراتي للإخوان.وأضافت الصحيفة أن المقداد هو الآن مدير مركز الإمارات لحقوق الإنسان، وأنه يستمر في استخدام وسائل الإعلام لدعم أعضاء تنظيم حزب الإصلاح، المدان لإثارته الفتنة".



هذه تغريدة سابقة للمقداد حول الخلية الإخوانية التي حوكمت سابقاً في الإمارات:



وهذه تغريدة أخرى للمقداد:




وهذه تغريدة يشارك فيها المقداد بالحملة على الهلال الأحمر الإماراتي الذي ذهب إلى غزة:





هذه تغريدة "يكفي الإخوان فخراً" التي تعلن بوضوح عن الانتماء السياسي للمقداد:




وهذه تغريدة لأنس المقداد عن "المعتقل الإماراتي منصور الأحمدي":




وأخيراً، هذه تغريدة يبارك فيها المقداد لـ "الزميل" ياسر أبوهلالة بتوليه منصب مدير عام الجزيرة القطرية:




في صورة سابقة رأينا أنس المقداد مرتدياً السترة الصفراء التي ينبغي أن يرتديها المشاركون في تنظيم المظاهرات في لندن.



 وفي هذه الصورة نتعرف على ناشطين آخرين، من نشطاء الإخوان في لندن، مشاركين في تنظيم المظاهرات، وهما يرتديان السترة نفسها. ولنلاحظ في تفاصيل الصورة أن جميع المتظاهرين في الصورة لا يرفعون أيّ شعار معاد للإمارات، إلا أن هذين الشخصين يقفان في مقدم الجموع ويرفعان هاتين اللافتتين المعاديتين للإمارات، بما يفترض أن يوحي أن جزءاً مهماً من التظاهرة مخصص للاحتجاج على الإمارات.




مسيرة الفيديو
الفيديو الذي تفاخر الموقع الإخواني القطري "وطن يغرد خارج السرب" بنشره، وغرد به بفخر أشد الإخواني القطري عبد الله العذبة، منقول عن قناة المقداد على يوتيوب، والسؤال هنا، وأمام حجم الركاكة في هذا الفيديو، وأمام الصورة الواضحة جداً التي تكشف أن المتظاهرين أنفسهم لا يتفاعلون مع "الصياح" الإخواني في الفيديو: هل راهن صنّاع هذه الحبكة الصبيانية على أن يصدّقهم أحد؟ الواضح من التعليقات على الفيديو نفسه، والتي يتوقف معظمها عند الملاحظات عينها، من ركاكة الفيديو واستهدافه المفضوح للإمارات، أنهم لا يراهنون على ذلك، بقدر ما يراهنون على "بناء ملف" دعائي، بهدف توظيف مثل هذه الفيديوهات في الحملات الأخرى المتراكمة ضدّ دولة الإمارات ورموزها.



 فتجد أن أنس المقداد نفسه كان شريكاً أساسياً في الترويج لكذبة "جاسوس الهلال الأحمر الإماراتي" والتي جاءت بعد الكذبة الأكبر، التي كان فنّدها 24 في تقرير مفصل، عن "التمويل الإماراتي للحرب على غزة"، واليوم يأتي هذا الفيديو لكي تكتمل الدائرة بالنسبة إلى مروجي هذه الكذبة، وبدلاً من أن تتجه الجهود والاحتجاجات ضدّ إسرائيل، تتجه البوصلة بفضل الماكينة الإخوانية – على ركاكتها – نحو الدول المناهضة للإخوان ولاسيما مصر، وفي الخليج الإمارات والسعودية.



الفيديو إذن يقوم على التالي: ناشط إخواني (هنا يبدو أنه مصري) يقوم بالاندساس بين المتظاهرين ويردد هتافات مناوئة للإمارات. يقوم المقداد أو أحد النشطاء الإخوانيين في لندن بتصوير المقطع، ثم يقوم المقداد برفعه على قناته، لتتولى بعد ذلك جميع المواقع الإخوانية بالترويج له على النحو الذي رأيناه. إلا أن الفيديو نفسه يفضح مدى تهافت الماكينة الدعائية الإخوانية، ومدى إخفاقها "المهني" ناهيك عن تردّيها الأخلاقي الفاضح، وحقدها الصريح على الإمارات، الذي جعل تشويه الإمارات هدفاً أسمى من تشويه العدو الإسرائيلي، وهنا لابدّ من التساؤل: هل المراد شغل العالم، ولاسيما العرب، بمعارك جانبية، تصرف الأنظار عن واقع المجازر التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين في غزة؟ أم أن أصحاب هذه الحملات الممنهجة يراهنون فعلاً على أنهم يستطيعون استثمار هذه الحرب إعلامياً، بالتوازي مع محاولة قطر لاستثمارها سياسياً؟ وهل بلغت درجة الأدلجة بهؤلاء إلى أن يصدقوا بالفعل أن هذه الأمور، وهذه الأساليب الدعائية المفضوحة، ما زالت تنطوي على أحد؟