الأربعاء 30 يوليو 2014 / 21:10

تقرير: عودة الجهاديين من سوريا تثير هلعاً في أوروبا

24- القاهرة- محمد فتحي يونس

تباينت الإجراءات التي لجأت إليها الدول الأوروبية لمواجهة خطر عودة مقاتليها المنخرطين في الصراع السوري، ما بين منح صلاحيات إضافية للأمن، والترحيل وسحب الجنسية للمتورطين في تبني أفكار تكفيرية.

تكمن مخاوف الدول الأوروبية من ظاهرة المهاجرين إلى سوريا في احتمال ارتباط حركتهم العكسية، أي عودتهم من سوريا إلى بلادهم الأصلية، بنشر أفكار التطرف والعنف.

يجري الاتحاد الأوروبي حالياً مشاورات مع مسؤولين في شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) الذي ينشط على الشبكة لتجنيد مقاتلين للسفر إلى سوري

وبحسب تقرير صادر في القاهرة الأربعاء عن المركز الإقليمي للدراسات فإنه لا يوجد مصدر يحدد العدد الدقيق للمجاهدين الأوروبيين في سوريا، فوفق عدة تقديرات يصل عدد المجاهدين الأجانب بصفة عامة في سوريا إلى 11 ألف مقاتل، دون القدرة على التمييز بين المنخرطين في جماعات معتدلة والمقاتلين ضمن صفوف الجماعات المتطرفة. وفي يناير (كانون الثاني) 2014، أشار مدير الاستخبارات الوطنية في الولايات المتحدة جيمس كلابر إلى أن هناك 7 آلاف مقاتل أجنبي من 50 دولة، وأغلبهم انضموا لجماعات متطرفة في سوريا.

ويرجع لجوء أغلبهم للجماعات المتشددة إلى أنها العدد الأكثر تدريباً وتنظيماً، كما أنها نجحت في استيعاب المقاتلين الأجانب الذين لا يعرفون اللغة العربية وليس لديهم أية معدات عسكرية. وبالمقارنة بين هذا العدد وعدد المجاهدين الأجانب في أفغانستان، سيتضح أن عدد المقاتلين الأجانب طيلة الاحتلال السوفيتي وحكم طالبان في الفترة من عام 1991 إلى عام 2010، لم يتجاوز عشرة آلاف مقاتل.

ويقدر المركز الدولي لدراسة التطرف عدد المقاتلين من دول الاتحاد الأوروبي في سوريا بما يتراوح بين 396 و1937. وتشير تقديرات أخرى إلى أنهم يمثلون 18% من إجمالي المقاتلين الأجانب هناك، وكان عدد المقاتلين الأوروبيين خلال عام 2013 قد بلغ 500 مقاتل، وتتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، على خلاف الجهاديين الأجانب في أفغانستان الذين تراوحت أعمارهم حينها بين 25 و 35 عاماً.

أنماط التجنيد
وقال التقرير إن تشكل ظاهرة الجهاديين الأوروبيين صاحبها بروز أنماط جديدة في عملية التجنيد للانتقال إلى سوريا، فزاد الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي تأثراً بارتفاع مستويات المعيشة في المجتمعات الأوروبية، لتمثل شبكات التواصل "مجتمعات موازية" لتبادل الأخبار بين الجهاديين في أوروبا الغربية، ومنها جماعة "المهاجرون في بريطانيا"، وجماعة "شريعة في بلجيكا"، ومجموعة "فرسان العزة" في فرنسا، وجماعة "ملة إبراهيم" في ألمانيا، وهى شبكات تم تأسيسها منذ فترة.

ومن ناحية ثانية، تنتشر حسابات على تويتر وفيس بوك من نوع Disseminator Accounts، تقوم بنشر أحدث المعلومات، وتوثيق الفيديوهات والأخبار عن المعارك في سوريا والتصريحات الرسمية لقيادات الجماعات المسلحة، وعدد القتلى، وعلى الرغم من أن هذه الحسابات لا تخص المقاتلين الأجانب الذين ليس لديهم مواقع خاصة بهم، إلا أنها تحظى بانتشار واسع بينهم، حيث يتم الاعتماد عليها للحصول على معلومات موثقة. وهذه الحسابات انتشرت أيضا أثناء فترة الحرب الأمريكية على العراق. ومن أبرز الذين كانت لديهم هذا النوع من الحسابات تونس تسولي باسم "Irhabi007"، والذي اكتسب شهرة على شبكة الإنترنت، حيث كان يحمل الصور الخاصة بالحرب وينشرها على المنتديات الخاصة بالجهاديين، رغم أنه لم يكن في العراق وكان يعمل من منزله في غرب لندن. ومن أبرز الشخصيات الجهادية التي تنال إعجاب الجهاديين الأوروبيين في سوريا "شامي ويتنس".

وترجع جاذبية هذه الحسابات بالنسبة للأوروبيين، إلى سهولة الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية، لأن القائمين على هذه الحسابات يتعمدون كتابة لغة عربية فصحى تسهل ترجمتها، كما أنها تقدم قاعدة بيانات تشمل جميع أرجاء سوريا، وتوصيات لغيرهم من الأفراد الذين يتبنون الفكر ذاته ويرغبون في الاتتقال للجهاد في سوريا.

ومن ناحية ثالثة، أصبح هناك سلطات دينية جديدة "Clerical Authorities" على الإنترنت، فهناك شخصيات تعتمد على اللغة الإنجليزية لجذب المقاتلين الأجانب مثل أحمد موسى جبريل وموسى سرانتنيو، وهؤلاء يتمركزون في الغرب ويخاطبون أنصارهم باللغة الإنجليزية، وتشير عدة دراسات إلى أنهم يساهمون في جعل الجهاديين أكثر راديكالية.

الخوف من التطرف
تكمن مخاوف الدول الأوروبية من ظاهرة المهاجرين إلى سوريا في احتمال ارتباط حركتهم العكسية، أي عودتهم من سوريا إلى بلادهم الأصلية، بنشر أفكار التطرف والعنف، ومحاولة الاستفادة من الخبرات القتالية التي اكتسبوها في سوريا داخل دولهم، وهو ما يعرف بظاهرة "العائدين من سوريا"، وذلك على الرغم من أن هناك عدة تقارير تشير إلى أن عدداً كبيراً من المجاهدين الأجانب ليس لديه نية في العودة إلى أوطانهم أو مغادرة سوريا، بل إن عدداً منهم قام بإحراق جوازات السفر الخاصة بهم كتعبير عن رفضهم لهوية بلادهم، فضلاً عن أن بعضهم تزوج من نساء سوريات.

ولكن ما يعزز مخاوف الدول الأوروبية من عودة الجهاديين الأوروبيين هو بعض التطورات التي وقعت مؤخراً، ومنها اعتراف ناهين أحمد ويوسف سروار، وكلاهما يبلغ من العمر 44 سنة من برمنجهام، بالتحضير لتنفيذ أعمال إرهابية في بريطانيا عقب عودتهما من سوريا في يناير 2014، ودعوة المجاهد أبو رشاش البريطاني المسلمين في بريطانيا للانتقام من مقتل الطالبة السعودية ناهد المانع في 2014.

وتتمثل المشكلة الرئيسية لدى هذه الدول في كيفية تعامل السلطات مع ما يمكن تسميته بـ"جهاديي الضرورة" بعد عودتهم إلى بلادهم، فبعض الجهاديين الموجودين حالياً في سوريا ذهبوا إليها بهدف تقديم المساعدات الإنسانية، وانضموا إلى صفوف القتال لأسباب اضطرارية رغم كونهم معتدلين، وقد يتحولوا نحو التطرف بعد عودتهم إلى أوطانهم بسبب الشعور بالاغتراب، لا سيما إذا كانت سياسات دولهم لا تساعدهم على الاندماج مجدداً في المجتمع.

إلى جانب ذلك، من الواضح أن تأثير الجهاديين الأوروبيين العائدين، سيمتد إلى مجتمعات المسلمين في هذه الدول، على نحو قد يجعل بعضهم أكثر تطرفا، فعلى سبيل المثال شهدت بريطانيا مؤخراً انتشار السلوكيات الإسلامية المتشددة في بعض المدارس دون وجود ما ينفي علاقة ذلك بالصراع في سوريا، إذ تكشف التسريبات الخاصة بمؤامرة "حصان طروادة" عن أدلة على وجود خطة لنشر الأفكار المتطرفة في مدينة برمنجهام البريطانية، حيث لم تكن مدرسة "بارك فيو" ترحب بالطلاب غير المسلمين، وأصبح أحد مناهجها الخاصة بالاقتصاد والصحة والمجتمع يسيطر عليه مؤخراً الطابع الإسلامي.

السياسات الاحترازية
تتبع الدول الأوروبية عدداً من السياسات، سواء داخل كل دولة أو في إطار الاتحاد الأوروبي، بهدف الحد من تفاقم ظاهرة الجهاديين الأوروبيين، ومن بين هذه الإجراءات الترحيل وإسقاط الجنسية، حيث أقرت الحكومة الهولندية في 12 يوليو (تموز) 2014، مشروع قانون يتضمن إسقاط الجنسية الهولندية عن كل شخص يشارك في معسكرات تدريب المقاتلين بهدف اكتساب مهارات تمهيداً لسفره إلى سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، قامت بعض الدول بسحب جوازات السفر من المواطنين لمنعهم من الالتحاق بالقتال في سوريا أو من العودة إلى ديارهم.

كما اهتمت عدد من الدول، مثل فرنسا، بتطوير سياسات استباقية تعيق انتقال الجهاديين إلى سوريا من حيث المبدأ، حيث رحلت فرنسا مواطناً جزائرياً مقيماً فيها للاشتباه في تورطه في تجنيد شباب إسلاميين فرنسيين للانخراط في القتال الدائر في سوريا.

ومن جانب آخر شددت بعض الدول المراقبة على الأجهزة الإلكترونية، ففي بلجيكا أعلن وزير الداخلية جويل ميلكيه عن تشديد المراقبة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية. كما تبنى مجلس الوزراء الفرنسي، خطة متكاملة لمواجهة المخاطر المترتبة على ازدياد عدد الملتحقين من المواطنين الفرنسيين، وهذه الخطة تنقسم إلى أربعة أجزاء هي تشديد الرقابة وسحب وثائق السفر، وتوفير مزيد من الإمكانيات للأجهزة الأمنية الفرنسية التي ستعمد إلى طرد الأجانب الضالعين في خلايا كهذه، والتعاون الدولي، مع مساعدة العائلات التي تجد نفسها عاجزة عن مواجهة انحراف أبنائها عبر تشكيل مكتب وطني للاستماع والإرشاد.

وحظرت ألمانيا ثلاث منظمات سلفية لتوفيرها شبكات التجنيد للجماعات التي تقاتل في سوريا، وأزالت المملكة المتحدة المواد المخصصة للتجنيد عن شبكة الإنترنت.

إلى ذلك، صرح جيل دي كيرشوف المسؤول الأول عن ملف مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي أن الاتحاد يجري حالياً مشاورات مع مسؤولين في شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) الذي ينشط على الشبكة لتجنيد مقاتلين للسفر إلى سوريا، وتحدث عن تعاون الاتحاد الأوروبي مع تركيا والأردن ولبنان لتفادي وصول المزيد من المقاتلين الأوروبيين إلى سوريا.