الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى (أرشيف)
الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى (أرشيف)
الأربعاء 17 أبريل 2013 / 23:41

إبراهيم عيسى: شفيق كان أنسب لمصر من مرسي

القاهرة ـ محمد حبيب

عبّر الكاتب المصري إبراهيم عيسى عن تخوفه من حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر، واعتبره يهدد مستقبل بلاده بقوة، مؤكدًا في حوار خاص لـ24، استحالة استمرارية الإخوان على الساحة المصرية.

وفي الوقت الذي اتهم الجماعة وأنصارها بالجهل بشؤون الإدارة والحكم، مؤكدًا أنهم ليسوا فقط عاجزين عن إدارة دولة كبيرة بحجم مصر، بل يفتقدون القدرة حتى على إدارة "مركز شباب لممارسة الرياضة"، أشار في السياق ذاته إلى أن التنظيم الدولي للجماعة يسلب أعضاءه وطنيتهم ويجعل ولاءهم للجماعة لها وليس للوطن.

وإلى نص الحوار

أيام قليلة ويجرى الإعلان في أبوظبي عن الفائز بجائزة البوكر للرواية العربية، التي رشحت روايتك الجديدة "مولانا" للمنافسة عليها، هل تتوقع الفوز بالجائزة؟
لا يعنيني الفوز بالجائزة من عدمه، لأن ترشح روايتي في حد ذاته يعد تقييماً أدبياً يعطيني المزيد من الثقة في النفس، خاصة تجاه الذين يحاولون تشويه صورتي ومكانتي وقدراتي ككاتب وروائي قبل النيل من قيمتي صحفياً وإعلامياً، فضلاً عن ذلك فإن الرواية جمعت بين النجاح الجماهيري وبين النجاح الأدبي والنقدي أهلها للترشح لجائزة كبرى بحجم البوكر، وهذا في حد ذاته مكسب يعادل ترشحي للفوز بالجائزة.

نفذت طبعات متتالية من روايتك "مولانا"، فما الرسالة التي استهدفت توصيلها للقارئ؟
أردت أن أحذر من خلالها الأشخاص الذين يعطون عقلهم أو قلبهم للدعاة وفقهاء ومشايخ القنوات الفضائية حتى لو كانوا بعيدين عن الإخوان المسلمين، ودعوت هؤلاء إلى إكساب عقلهم مهارة التفكير النقدي الذي يجعلهم ينتقون نوعية ما يرد إليهم من معلومات، للوقوف على مدى ما يمكن أن يصدقونه منها ومدى ما يمكن ألا يتقبلونه، ليصبحوا أكثر قدرة على المناقشة والتأمل، فيكون اختيارهم دائمًا هو الاختيار الأمثل.

بعيداٍ عن الجائزة، هناك صور ضبابية مُعتمة ترى أنها تظلل مستقبل مصر، ألا ترى أي أمل في "التغيير" واستعادة مصر مكانتها؟
اليأس هو الخيانة ولا يمكن أن نزرعه في قلوب المصريين، وطالما ما زال القلب ينبض يظل الأمل قائماً، وأنا أول من يدعو نحو التفاؤل لكن بضوابط ومقدمات تبشر بنتائج إيجابية، وكنت من بين مجموعة تعارض النظام البائد وقتما كان الناس يقولون لي"لا تتعب نفسك، مفيش فايدة"، وكان كلي أمل في رحيل النظام وها قد رحل، والآن لدي أمل في رحيل الإخوان وأقول للجميع "حتماً سيرحلون"، وستبقى مصر حرة بشبابها المناضل الذي لم تعد تعجزه فاشية السلطة ولا استبدادها، حتى ولو كان تحت ستار ديني أو مذهبي أو طائفي.

في ظل هذه الأجواء المرتبكة هل تتوقع بقاء الرئيس الحالي محمد مرسي حتى نهاية مدته الرئاسة؟
هذا النمط من التوقعات يحتاج إلى "متنبئ فلكي"، ولعل رؤيتي في بقاء مرسي لا تكمن في عدم قناعاتي بشخصه بقدر ما تكمن في رفضي المطلق لحكم جماعة الإخوان المسلمين، فهم ليسوا جهلاء ، لكنهم أنصاف جهلاء وخبراتهم لا تتعدى خبرات تجار التجزئة والتوكيلات والسماسرة، خاصة بعد أن ثبت بالأدلة الدامغة أن مواقفهم صارخة الفشل في التعامل مع أدنى ملفات إدارة الحكم في البلاد، وأنهم بلا كفاءات كما كانوا يتشدقون ليل نهار، ولا يمتلكون أقل ما يقال عن كلمة رؤية للحكم، كل ذلك وأكثر يجعلهم عاجزين ليس فقط عن حكم مصر، لكن حتى عن إدارة مركز شباب في أصغر أحياء مصر!. والواقع يؤكد أنهم بالفعل يجلسون على مقاعد الحكم الفعلية للبلاد لكنهم أبعد ما يكونوا عن إداراتها ولا يفقهون شيئاً فيها، وهذا مكمن الخطورة الحقيقية الذي ينذر باندثار الدولة المصرية حال استمراريتهم في حكم البلاد حتى 4 سنوات مقبلة، فلا يتعدوا كونهم معسكراً للأمن المركزي أو الفاشية النازية وأمثال هؤلاء لا يستطيعون أن ينجبوا عباقرة أو مفكرين ولا حتى لديهم مفتياً أو فقيهاً، فنحن نتحدّث عن جماعة "خالية من المواهب ومن الذكاء السياسي تماماً"، لذلك يجب أن يرحلوا وسوف يرحلون قريبًا.

ما دوافعك لرفض جماعة الإخوان بشكل عام؟
أرفض أي تنظيمات يتم تغليفها بالطابع الدولي خاصة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ لأنه ينفي صفة الوطنية ويفصلها عن ضوابطها ومحدداتها، فهو تنظيم ليس عابراً للقارات فحسب بل "عابرًا للوطنية" بكل مضامينها ومشتملاتها، مخترقاً كل ما تحمله من معاني الوفاء والإخلاص لكيان الوطن، ويستبدلونها بالوفاء والإخلاص فقط لمصلحة جماعة الإخوان داخل وخارج هذه الدول، فهو تنظيم ينتمي لأفكار ومبادئ وموروثات تتنافى تماماً مع ما يتطلبه الحس الوطني من ممارسات، فهم لا يجعلون الوطن الذي ينتمون إليه في مصاف أولوياتهم واهتماماتهم، وظهور تنظيم بهذا النمط من الأفكار المدمرة يعد آفة من آفات هذا الزمان؛ لأن أبعاده المعلنة لا تتسق مع ما يقومون به من ممارسات ونوايا دفينة في اتجاه مغاير.

الإخوان يروجون لحملة تطهير لمؤسسات الدولة واستبدالها بنماذج أخرى، الأمر الذي اعتبره البعض درباً من دروب "الأخونة". كيف ترى الأمر؟
عقيدة الإخوان ليست هدم مؤسسات الدولة وبناءها من جديد، هذه عقيدة الثورة التي هي أبعد ما تكون عن عقيدتهم التي يريدون من خلالها أن يتمكنوا من مفاصل الدولة ومؤسساتها، بالعكس هم يسعون إلى الإبقاء على هذه المؤسسات كما هي لكن بتحويل وجهتها إلى مصالحهم وطموحاتهم غير السوية، وعبر قادتهم ومسؤوليهم؛ بمعنى أن تظل وزارة الداخلية على نفس أساليبها من الاستبداد والفاشية والعنف والتعذيب في السجون والمعتقلات وممارسة القتل، لكن في إطار يحقق مصالح الإخوان، كذلك وزارة التعليم فهي تصنع أجيالاً مبرمجة على نهج معين وتستأثر ذهن النشء وتنتج أجيالاً من البلداء والجاهلين كلها تحقق صالح الجماعة بتدريس منهج "حسن البنا"، هم يستخدمون نفس وسائل النظام البائد في اتجاه آخر، وكذلك وزارة الإعلام وباقي الوزارات.

الزيارات المتبادلة بين رئيسي مصر وإيران، هل تعتقد أنها تأكيد لعودة العلاقات بشكل معلن؟
مخطئ من يفكر في ذلك، فالرئيس الإيراني أحمدي نجاد لم يزر مصر إلا من خلال مؤتمر القمة الإسلامية؛ أي أن زيارته تعد زيارة مسببة وليست منفردة تعبر عن عودة العلاقات المصرية الإيرانية بشكل حقيقي وتفاعلي، فهذا الأمر ربما تتحكم فيه معايير واعتبارات أخرى، اعتبرها نوعاً من جس النبض واستكشاف ردود الأفعال المحيطة، ومعرفة كل طرف للأرض التي يتحرّك من خلالها، وربما على نفس المنهجية تمت زيارة مرسى إلى إيران في مؤتمر دول عدم الانحياز، ولا أدري لماذا المبالغة في تناول هذا الحدث الذي قد تكرر بشكل أكثر سخونة في عهد الرئيس السابق حسنى مبارك صاحب قرار تفعيل قطع العلاقات مع إيران بشكل واضح ومعلن، فقد حضر كل من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بنفسه أحد المؤتمرات في شرم الشيخ، وكذلك الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي وهاتان الزيارتان كانتا في عهد مبارك.

وما رؤيتك لحسابات كل من الرئيسين المصري والإيراني؟
نحن نتحدث عن طرفين يشاع أن هواهما إسلامي، ناهيك عن التشابه الواضح بينهما في ترتيب بناء الهرم القيادي لديهما، فهنا مرشد وهناك مرشد، ويعتمدون على نفس المنهجية للوصول إلى أهداف مختلفة، فالتفكير بمنهجية واحدة وتعمّد الوصول إلى نتائج مختلفة يسمى خللاً في الرؤى والرؤية وعطب وغباء في تقييم الأمور، فقد حضر نجاد إلى القاهرة لمحاولة فك شفرات وطلاسم المواقف العربية الجامدة تجاه الدولة الإيرانية واختراق كل الحواجز الموضوعة أمام إيران لاستيعاب العلاقات الحيوية في الشرق الأوسط بما يحقق أهدافها وطموحاتها في هذا الصدد، وكسب أرضية صلبة يتشكل من خلالها رأي عام إيراني قوي يوحي ويؤكد أن إيران قادرة على رأب الصدع الموجود في المنطقة العربية، وأنها ليست في خصومة مع أحد، إضافة إلى رسائل أساسية شديدة اللهجة للولايات المتحدة الأمريكية وللعالم مفادها أن إيران ها هنا في القاهرة وفي حضن الأزهر الشريف وفي قلب الأمة العربية، فإيران ليست محاصرة ولن ينجح أحد منكم في ذلك وكلها مواقف تحمل رؤية استراتيجية لدى الرئيس الإيراني على حد تصوراته، أما على صعيد الطرف المصري الذي لا حول له ولا قوة فلا تتعدى مكاسبه من هذه الزيارة عن كونه مرسالاً أو بوسطجياً بين الطرفين الإيراني والأمريكي، وبالتأكيد لا يمكن ألا تكون هناك رسائل أمريكية موجهة لإيران عن طريق مرسي يجب الإفصاح عنها ليعرف المصريون كيفية تقييم مرسي لهذه الأمور.

لكن أين مصر من هذه العلاقات المتشابهة؟
العلاقة بين مصر وإيران على غرار هذا النسق الإخواني تحمل بين طياتها غباء متناهي في التفكير وعجز متنامٍ في إدارة الأمور، فهي ليست علاقة شعبية حقيقية وإنما علاقة انتهازية فجة، فالدولة المصرية ليست محل اهتمام ولا تقدير من قبل من يطلق عليه "الرئيس المصري" ولا من قبل الجماعة التي ينتمي إليها، فمصلحة الجماعة لديهم تعلو فوق مصلحة الكون كله وليست مصر فحسب!، فمرسي وجماعته أرادوا من هذا المشهد الذي لم يشاركوا فيه ولم يساهموا فيه من الأصل بأية رؤية أن يبعثوا برسائل سطحية وساذجة إلى دول الخليج العربي ليعلنوا من خلالها أنهم قادرون على إزعاج دول الخليج خاصة الإمارات والكويت ظناً منهم بأن مجرد التلويح بعودة علاقات مصر مع إيران سيثير الذعر هناك، وهم لا يدركون أن دول الخليج أذكى بكثير من هذه التصورات التي تؤكد على سذاجة من يفكر فيها.

وهل يمكن أن تتغير الخارطة الدولية في ظل علاقات حميمية بين مصر وإيران؟
أكذوبة عودة العلاقات المصرية الإيرانية تندرج تحت إطار نظرية عودة العلاقات بين المريض والميت، ناهيك عن أن إيران دولة ليس لديها ما تقدّمه من خدمات لمصر، فهي دولة مهزومة اقتصادياً ونحن أيضاً، وهذا شيء مستحيل أن يحدث؛ لأن العمود الفقري الذي يعتمد عليه مرسي في علاقاته بشكل عام هو الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ثم لن يستطيع أن يتحرك خطوة نحو أي مسلك سوى من خلال مباركتهما، فمرسي ليست لديه المقدرة أن يخسرهما في مقابل علاقة إيرانية لن تسمن ولن تغني من جوع بالنسبة لمصر، فضلاً عن عدم قدرته في مجابهة الغضب العارم من قبل السلفيين في حال عودة علاقات مصر بإيران، إضافة إلى ما تتكبده إيران ذاتها من أعباء ومعاناة تتعلق بمواقفها المنتقدة تجاه القضية السورية وحزب الله اللبناني، وهو معسكر معادٍ شكلاً وموضوعاً لإسرائيل، في المقابل يقوم مرسي وحركة حماس بتهدئة الجانب الإسرائيلي والتوافق على بنود لهذه الهدنة وعدم إطلاق النار تحت مظلة نشر السلام الفاضح والمفضوح، فلا يمكن وفقاً لهذه التفنيدات إقامة تحالف مصري إيراني على الإطلاق.

ماذا عن العلاقات المصرية القطرية، ما بين الفتور في ظل النظام السابق وعودتها بقوة مع النظام الحالي؟
الرئيس السابق حسني مبارك والشيخ حمد بن خليفة أمير قطر كانا وجهين لعملة واحدة هي الولاء الفج للسياسات الأمريكية، ولم تكن هناك خلافات مصرية قطرية بالمعنى الحقيقي، نتيجة اختلاف رؤى الطرفين تجاه مواقف متباينة مستقلة إزاء قضايا بعينها تخص الدولتين أو تتعلّق بالشأن العربي القومي، وكل ما في الأمر أنه كانت هناك كراهية مفرطة بين الرئيس المصري وقرينته من زاوية وبين الأمير القطري وقرينته من ناحية، وربما كان الخلاف السياسي الظاهري يبدو صراعاً وهميًا على التواجد بشكل فاعل ومؤثر في المشهد العربي أو الشرق أوسطي، فقطر دولة ليست ديمقراطية ولا حكومتها تعبر نهائيًا عن شعبها، فهي تدافع عن كيانها ووجودها بطريقتها الخاصة وفقاً لما تراه في صالحها فقط، شأنها في ذلك شأن جماعة الإخوان المسلمين؛ لذا "فالطيور على أشكالها تقع"، فكل سياسات قطر تعتمد على ملء الفراغات الموجودة في المنطقة، وهناك انفصال كامل بين الشعب القطري والأسرة المالكة كما هو الحال في مصر، مرسي لا يحكم لكنه يتلقى القرارات من مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.

مرسي أم شفيق؟ برأيك أيهما كان أفضل لمصر الفريق شفيق أم الرئيس الحالي للبلاد؟
أرفض "صيغة أفعل" في السؤال؛ لأنها تستخدم بين شيئين كلاهما يحمل نفس صفات التفضيل لكن بدرجة مختلفة، وهو ما لا ينطبق على حقيقة المقصود من السؤال في هذا المقام، فمن دون تردد ودونما أدنى التفاف أو تورية الإجابة هي "بالقطع شفيق كان هو المناسب لمصر" على مستوى إطلاق لفظ "المناسب" إذا جازت المقارنة بينهما من الأصل، هنا تجدر الإشارة إلى الأسباب لكوني من الذين نادوا ودعوا للمقاطعة، شفيق كان هو الاختيار الأرجح حتى لو مارس نفس السياسات أو لم يمارسها، أو حتى سلك مسلك الرئيس الحالي في الحكم لكان أهون على المصريين؛ لأن شفيق مهما كانت غطرسته فهو يحكم من منطلق دولة علنية تتحكم فيه المصلحة، أما في عهد مرسى فنحن نواجه دولة سرية، فاستئصال الأول حين الحاجة أسهل بمراحل من إزاحة أمثال هؤلاء.

هل تعتقد أن الحكم في مصر يمر بمأساة حقيقية؟ وما أهم ملامحها؟
أكبر مأساة أن يكون هناك رئيس "ديكوريشين" ورئيس آخر هو الحاكم الفعلي للبلاد وهو خيرت الشاطر، فعلى مرسي أن يرحل هو وجماعته، فمصر لن تحتمل المزيد من ممارساتهم البغيضة، والرئيس الحالي فقد كل شرعياته الدستورية والسياسية والشعبية والأخلاقية بعد أحداث العنف المتعمد والصدام الدامي أمام قصر الاتحادية والاعتداء الصارخ على معارضيه من قبل جماعته التي لم يستطع الانسلاخ منها ليكون رئيساً لمصر وليس مندوباً لمكتب الإرشاد لدى مؤسسة الرئاسة، ولم نرَ رئيساً في التاريخ ألغى كل قراراته ورجع فيها مثلما فعل هذا الرجل، حتى القرارات التي تسري تكون مفجعة وصادمة لآمال المصريين، ولم تشهد مصر كوارث ونكبات وجرائم وقتل على مدار تاريخها مثلما شهدت في عهد هذا الرجل، ولم نرَ رجلاً في التاريخ يرتجل مثله فهو يتحدّث في أي شيء وفي أي وقت أراد دون محددات ولا معايير ولا توقعات، ناهيك عن تعيينه لنائب خاص من المفترض أن يسمى نائباً عاماً لدعم قبضته على توجيه مسار التحقيقات في القضايا المختلفة وفقًا لمصالح الجماعة.

تم العفو عنك من قبل الرئيس السابق، بنفس المنطق لو كنت رئيساً للجمهورية هل تتفق مع العفو عن مبارك؟
قرار العفو عن الرئيس السابق حسني مبارك يعد قراراً وطنياً حكيماً؛ لأنه لم يحدث في التاريخ المصري أن المصريين سجنوا رئيسهم أو حاكمهم، أو قاموا بإهانة رموزهم الوطنية بهذا الشكل، فلا يجب أن ينسى الشعب المصري أن محمد حسني مبارك هو قائد القوات الجوية في حرب أكتوبر المجيدة 1973 فهو بطل من أبطالنا شئنا أم أبينا، فقد نال هذا الشرف وانقضى الأمر، كالصحابة الذين شهدوا غزوة أحد يقال فيهم "شهدوا أحد". هذا تكريم لهم بغض الطرف عما فعلوه بالغزوة من أخطاء، فوجود مبارك كقائد عسكري في حرب تحديد المصير أكبر مبرر للعفو عنه بل كان ينبغي علينا ألا ندخله السجن من البداية.

هل هذا فقط ما يمكن أن يكتبه التاريخ لمبارك من إنجازات؟
أكبر إنجازات مبارك من وجهة نظري هو قرار التخلي عن الحكم في ظروف عصيبة، ولم يستمر في عناده المعهود عنه وإلا لغرقت مصر في بحار من الدماء على غرار ما يفعله بشار حتى الآن ولمدة عامين متتاليين مع الشعب السوري، فلم يقم مبارك باستخدام جيشه ضد شعبه، وسيكتب التاريخ له ما قام به من توسعات عمرانية شاسعة وبنية تحتية رائعة تسهل على القادمين من بعده استغلالها إذا ما توافر لديهم شيء من الذكاء والوطنية والحس السياسي أن يتقدموا بمصر نحو غد أفضل، والشاهد أنه صاحب إنجازات شرم الشيخ والغردقة والجونة، الساحل الشمالي وغيرها.

مبارك - عمر سليمان، أيهما يعد كنزاً استراتيجياً معلوماتياً تفتقده مصر على صعيد درايته بالكثير من الحقائق؟
مبارك كان كنزًا استراتيجيا هائلاً لمصر قبل العشر سنوات الأخيرة من الحكم، وبعدها لم يعرف أي شيء عن مصر، أما عمر سليمان فهو الكنز الاستراتيجي المعلوماتي الحقيقي لمصر فقد كان ينفرد بمعرفة ما لا يدركه غيره عن مصر وحتى مستقبل علاقاتها الدولية وتشابكاتها في المنطقة، فقد كان بمثابة خزينة الأسرار المتنقلة بين الشرق والغرب؛ لذا لا زال الشك يختلجني في أن الطريقة التي مات بها عمر سليمان هي الاغتيال من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فالحبكة الروائية والتاريخية تقول: "كان لابد وأن يقتله الأمريكان فقد كان يعرف أكثر من اللازم"، مصر لم تخسر عمر سليمان فحسب، بل التاريخ هو الذي خسر شهادة رجل يعرف ما لذ وطاب من الأسرار، ولو اكتمل سيناريو ترشيح عمر سليمان لرئاسة مصر لاكتسح عن جدارة ودون مناقشة كل مرشحي الرئاسة آنذاك، بغض النظر عن تفضيلي له من عدمه.