جون كيري
جون كيري
الثلاثاء 6 سبتمبر 2016 / 09:23

كيري واليمن: 4 ملاحظات واجبة

د. أحمد يوسف أحمد - الاتحاد

تلكأتُ في الكتابة عن المبادرة التى أعلنها وزير الخارجية الأميركي بشأن تسوية الصراع اليمني بعد اجتماع جدة لغموض هذه المبادرة على الأقل بالنسبة إلى الرأي العام، خصوصاً أن هذا الغموض قد دفع إلى اجتهادات زادت الأمور إرباكاً كما حدث في تسريبات الإذاعة البريطانية التي اعتبرتها سبقاً إعلامياً ثم نُفيت يمنياً وأميركياً واعتذرت عنها بريطانيا نفسها رسمياً، ومرت الأيام دون أن ينجلي الغموض، ومن ثم وجبت مناقشة المبادرة من خلال ما هو مؤكد عن خطوطها العامة والمناخ السياسي الذي أُطلقت فيه وردود أفعالها، وثمة أربع ملاحظات أساسية في هذا الصدد:

تثور الملاحظة الأولى عن علاقة المبادرة بقرار مجلس الأمن 2216، الذي يُعتبر مع المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار اليمني هو الأساس المتعارف عليه لحل الصراع الحالي في اليمن، وللأمانة فليست هناك علاقة بين هذا القرار والمبادرة، فالأول قاطع في إدانة "الحوثيين" وفرض العقوبات عليهم ومنع توريد السلاح لهم وسحب قواتهم وتسليم أسلحتهم دون إشارة من قريب أو بعيد لحكومة وحدة وطنية وعندما تحدث القرار عن ترتيبات سياسية، فإنه أشار إلى صياغة دستور جديد يُستفتى عليه، وإصلاح النظام الانتخابي، وتنظيم انتخابات عامة في موعد قريب، أما مبادرة كيري فهي تخلق شراكة بين الانقلابيين والشرعية كأنها تكافئهم، وصحيح أن ثمة نصاً عاماً حول تسليم السلاح، وسحب القوات من صنعاء ومدن أخرى، ولكن هذا ينقلنا إلى الملاحظة الثانية.

يُلاحظ ثانياً أن الغموض يمتد إلى آلية التنفيذ بمعنى أيُّ العنصرين -أي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من ناحية وانسحاب «الحوثيين» وصالح وتسليم أسلحتهم من ناحية أخرى- يسبق الآخر؟ يقول "الحوثيون" إن الحكومة تأتي أولاً، وهذا يعني أنهم سيكونون أصحاب قرار في شروط الانسحاب وتسليم السلاح، وممثلوهم يقولون في المنابر الإعلامية إن تسليم السلاح يجب أن يكون من الطرفين وهو ما يعنى للمرة الثانية المساواة بين الشرعية ومن انقلب عليها، وينتصر المبعوث الأممى بالمناسبة للشرعية بمعنى أن انسحاب القوات وتسليم السلاح يأتي أولاً وبعدها يأتي تشكيل الحكومة، ويقول البعض كيف تتوقعون أن يقبل الانقلابيون هذا وهم لم يُهزموا بعد في ميدان القتال؟ وهي مقولة منطقية يجب أن يرد عليها أنصار الشرعية وحلفاؤهم وقد أفادت تصريحاتهم بقرب الإطباق على صنعاء.

أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بافتراض أن هذه الحكومة قد تشكلت، وفي هذه الحالة لا يوجد أدنى ضمان لعدم تكرار التجربة اللبنانية بما انطوت عليه من بنية معروفة للحكومات أدت إلى عجز مزمن لها من خلال آليات كالثلث المعرقل، وهي آليات تفرحنا لأننا نتخيل أن التحدي في تشكيل الحكومة بينما التحدي الحقيقى يتمثل في أن تعمل وتواجه التحديات، وتنجز وليس مجرد أن تبقى أسماءً على الورق، وهنا يجب أن لا ننسى أن المكون "الحوثي" في السياسة اليمنية هو مكون مماثل لـ"حزب الله" في السياسة اللبنانية، فكلاهما منتمٍ إلى إيران معتزٌّ بهذا الانتماء، ويعني ما سبق أن الحكومة حتى إذا شُكلت سوف تكون بداية لمشاكل جديدة وليست نهاية للصراع.

ويؤكد هذا رد الفعل "الحوثي" لإطلاق المبادرة، فهم يحاولون أن يُظهروا أنهم غير متلهفين على المبادرة، وهم بانتظار توضيحات ويضعون شروطاً مثل أن يكون الانسحاب وتسليم الأسلحة متبادلاً أو المطالبة بأن يكون اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذى وقع تحت وطأة الانقلاب واحداً من مرجعيات التسوية.

وتشير الملاحظة الرابعة إلى صاحب المبادرة، أي الإدارة الأميركية، ولنا عليها عدد من الملاحظات أولاها أنها تأتي في سياق نختلف معها فيه جذرياً في ما يتعلق بالخطر الإيراني، فالسوابق القريبة كلها تفيد بأنها تقلل كثيراً من شأن هذا الخطر وقد لا تراه أصلاً، ولا نريد أن نعيد الجدل حول الاتفاق النووي مع إيران ودلالاته غير أنه يتعين علينا أن نُذكر بعقيدة أوباما ونصائحه المسمومة لنا بالتعايش مع إيران وهو هدف نبيل نسعى إليه بكل السبل، ولكن أوباما يبدو بنصيحته هذه غير واعٍ بخطورة المشروع الإيراني- على الأقل علينا ولهذا فليدَعنا وشأننا في علاقتنا بها نحددها وفق مصالحنا وليس حسب نصائحه. ومن ناحية أخرى فإن توقيت إطلاق المبادرة لا بد أن يأخذ حظه من اهتمامنا، فهي تسبق نهاية ولاية أوباما بأربعة أشهر، وهو ما يدل على عدم إدراكه درجة تعقّد الصراع في اليمن.

ويقول مراقبون إن أوباما يريد أن يكتب شيئاً على صفحته قبل أن يغادر موقعه، ويبدو أن هذه قد أصبحت عادة عند الرؤساء الأميركيين، ونذكّر بأوهام جورج بوش الابن عنما تخيل أن مؤتمر "أنابوليس" الذي عقده خريف 2007 قادر على تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي الذي تجاوز عمره القرن في سنة كانت هي كل ما تبقى لبوش في السلطة.

يتحمس كل عربي مخلص لإنهاء الصراع في اليمن، لكن هذا لا يعني تجاهل الحقائق والمصالح الحقيقية فيه. وفي إطار الظروف الراهنة يبدو للأسف أن الحل السياسي في اليمن ما زال يرهف السمع لأصوات السلاح.