الخميس 8 سبتمبر 2016 / 09:19

منطقة الحظر لا تنهي الحرب السورية

ميكا زينكو- الاتحاد

وسط الصور الفظيعة لمدنيين سوريين يُقتلون في الضربات العشوائية التي تنفذها القوات الجوية السورية والروسية، أخذ السياسيون والمحللون السياسيون الأميركيون يدعون مجدداً إلى تدخل عسكري كبير في الحرب الأهلية السورية. الدعوات تركز على تكتيك عسكري أحادي الجانب: فرض منطقة حظر جوي فوق أجزاء معينة من سوريا لمنع بعض أنواع الطائرات من الطيران فوقها.

وقد بحثتُ وكتبتُ حول مناطق الحظر الجوي منذ 15 سنة، ودرست وحللت بعض المقترحات التي أُعدت لسوريا، وهنا لا أنوي استعراض كل استنتاجاتي. بيد أنني أريدُ لفت نظر القراء إلى بعض التعقيدات التي تنطوي عليها مناطق الحظر الجوي عبر إعادة تحليل حدثين يتعلقان بمنطقة الحظر الجوي في شمال العراق، والتي فُرضت بين أبريل(نيسان) 1991 ومارس(آذار) 2003. فتلك المنطقة تعتبر مثالاً جيداً للدراسة والتحليل فيما بات دعاة التدخل في سوريا يشيرون إليه بشكل مستمر لتعزيز حججهم ودعوتهم لإقامة منطقة حظر فوق أجزاء من سوريا. واللافت هنا أن الأشياء التي يتذكرها معظم الناس من تلك العملية هو أن إدارة بوش الأب فرضتها "لحماية الأكراد".

غير أن ثمة مقدمة مهمة ومنسية لهذه القصة لا يناقشها مؤيدو التدخل في سوريا. ففي 15 فبراير 1991، وقبل وقت طويل من فرض منطقة الحظر الجوي الأولى، كان بوش الأب يدعو "الشعب العراقي إلى الإمساك بزمام الأمور وإرغام صدام حسين الديكتاتور على التنحي"، وكانت المنشورات تُلقى على الجنود والمدنيين العراقيين وتدعوهم لـ"الخروج إلى الشوارع والإطاحة بصدام حسين وأعوانه".

وسرعان ما انتفض المتمردون الأكراد على القوات العراقية ومسؤولي حزب "البعث"، فألقوا القبض على من استطاعوا وقتلوا منهم من قاوم. وباستعمال طائرات الهليوكوبتر والمدفعية والقوات البرية المدرعة، شن الحرس الجمهوري التابع لصدام هجوماً مضاداً وحشياً لإخماد الانتفاضة، فقُتل 20 ألف كردي وتسبب في نزوح مئات الآلاف. ورغم توفره على 500 ألف جندي أميركي وقدرات عسكرية ضخمة في الميدان، فإن بوش لم يقم بشيء لمساعدة الانتفاضة الكردية التي كان قد دعا إليها، بل رفض حتى مد الأكراد بمعدات الجيش العراقي العسكرية التي غنمها. وفي 15 أبريل(نيسان) 1991، بدأ طيارو قوات التحالف تنفيذ دوريات في الجو فوق خط العرض 36 لحماية القوات الأميركية وموظفي المنظمات التي تقدم مساعدات إنسانية للأكراد النازحين. وهكذا، وبعد أن شجّع الأكراد على حمل السلاح، أدار بوش ظهره لهم، ثم التزم لاحقاً بحمايتهم من شكل واحد فقط من أشكال القتل التي يمارسها النظام.

ما الدروس المستخلصة من تاريخ منطقة الحظر الجوي في شمال العراق؟ أولا، لا ينبغي الدعوة لانتفاضات مسلحة ستتخلى عنها الولايات المتحدة إذا نحت الأمور منحى سيئاً. كما على القوى الأجنبية أن لا تحاول توجيه نتائج ميدان المعركة في الحرب الأهلية باستعمال الدعم الاستراتيجي أو التمويل أو الأسلحة دون إدراك أنها مسؤولة أخلاقياً عما يحدث لأولئك المقاتلين الأجانب الذين تدعمهم.

ثانياً، حماية السكان المدنيين من القوة الجوية وحدها قد يدفع بعض الحكومات إلى مهاجمة خصومها بأسلحة أخرى، مثل المدفعية والمدرعات والمشاة، على غرار ما حدث في عملية محاربة التمرد الدموية التي شنها صدام في أوائل التسعينيات ضد مدنيين ومتمردين شيعة في جنوب العراق. وكما سبقت الإشارة، فإن منطقة حظر جوي لا يمكنها التصدي بفعالية لأعمال القتل التي تتم برّاً.

ثالثاً، إن كل منطقة حظر جوي سبق للولايات المتحدة أن فرضتها، سواء في العراق أو البوسنة والهرسك أو كرواتيا أو ليبيا، تم توسيعها لاحقاً لدعم أهداف سياسية وعسكرية لا علاقة لها بالمبررات التي سيقت في البداية لتبرير التدخل. فمنذ أغسطس 1992، كان بعض المسؤولين في إدارة بوش الأب يروّجون لمنطقتي الحظر الجوي الشمالية والجنوبية في العراق باعتبار أن الهدف منهما هو "حرمان (صدام) من (ميزة السيادة)"، وكانوا يرجحون سقوط نظامه بسرعة.

وعليه، فإنه حتى إذا مكّنت منطقة حظر جوي تفرضها الولايات المتحدة على أي جزء من سوريا قوات المعارضة من تنفيذ هدف تغيير النظام، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع التملص من مسؤوليتها المباشرة عن النتيجة وعن المرحلة التالية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس".