الجمعة 9 سبتمبر 2016 / 09:40

خطبة الجمعة الموحدة في الإمارات: "استثمار يوم عرفة"

نشرت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية عبر موقعها الإلكتروني، خطبة الجمعة الموحدة لليوم 9 سبتمبر(أيلول)، تحت عنوان " استثمار يوم عرفة".

تناولت الخطبة الحديث عن فضل يوم عرفة، وسعة الرحمة والأجر فيه، و كيفية اغتنامه واستثماره في الطاعة والعبادة، وذكرت أنه أفضل أيام السنة للدعاء، فيما أوضحت ماهية يوم النحر، وأيام التشريق.

أيها المؤمنون: إن يوم عرفة يوم عظم الله تعالى أمره، ورفع قدره، وأقسم به؛ فقال سبحانه:( وشاهد ومشهود). والشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة. وهو اليوم الذي أكمل الله عز وجل فيه الدين، وأتم علينا النعمة، وأنزل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في موقف عرفات المشهود قوله تعالى:( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، في يوم جمعة.

سعة الرحمة
وفي يوم عرفة يباهي ربنا تبارك وتعالى بعباده، ويغفر لهم، فما رئي الشيطان في يوم أحقر ولا أدحر، ولا أذل ولا أصغر منه في يوم عرفة؛ لما يرى من سعة رحمة الله سبحانه بعباده وعفوه عنهم، فالشيطان يحرض بين الناس؛ ليوقعهم في الآثام، قال الله تعالى:( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا). وقال عز وجل:( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم).

عباد الله: كيف نتعرض لنفحات الله تعالى في يوم عرفة؟ نغتنم عطايا الله سبحانه في هذا اليوم الكريم؛، بأن نستثمر كل لحظة في طاعته، لننال مغفرته ورحمته، فنتوجه إليه تعالى سائر يوم عرفة بالسؤال والدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم :« خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

أفضل أيام الدعاء

قال أحد العلماء: يوم عرفة أفضل أيام السنة للدعاء. وندعو بقلب خاشع، موقنين بالإجابة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"القلوب أوعية، وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس، فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل".

أيها الذاكرون: وفي يوم عرفة نكثر من قراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، فذلك من أسباب الفوز بجنته، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله عز وجل. وقراءة القرآن الكريم أفضل الذكر، وكذلك نتقرب إلى الله تعالى بالسنن والنوافل حتى ننال محبته ورضاه، وننهل من فيض كرمه وعطاياه.

وإن المرء قد ينشغل ببعض أمور الحياة، فهل من عمل صالح يشمل نهار يوم عرفة كله؟ نعم؛ إن الصيام يحقق لنا ذلك، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم :« يكفر السنة الماضية والباقية». فما أعظمه من أجر، وما أكرمه من عطاء، فهل نغتنم يوم عرفة ونصومه، لننال تكفير السنة الماضية والسنة الباقية؟

جمع الحجيج
أيها المسلمون: إن من أهم مظاهر الخير في عرفات هو اجتماع الحجيج في مكان واحد، في وقت واحد، من شتى بقاع الأرض، فالله تعالى خالق الخلق، يجمع المسلمين في يوم عرفة، ليكون ذلك لهم درسا في تحقيق الوحدة والائتلاف، وإعلاء راية التسامح، وقيمة المودة والتصالح، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف، التي تمنع العفو، وتحجب المغفرة التي يؤخرها الله تعالى عن المتشاحنين، فيقول لملائكته الكرام:"اركوا هذين حتى يصطلحا". أي: أخروهما، فهذا يوم التصافي والتواد، وتوطيد العلاقات مع الله تعالى، ومع الناس؛ باحترام حقوقهم التي أمر الله تعالى بها، وأوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف في نهاية مسيرته، وختام دعوته؛ فألقى خطبة وسأل فيها أصحابه:"أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلد هذا؟ ثم قال:إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".

 فقرر صلى الله عليه وسلم صيانة الدماء أن تسفك، وحفظ الأعراض أن تنتهك، والحفاظ على الأموال أن تستباح، وهذا يظهر المقصد الأسمى من رسالة الإسلام، إنها ترسخ دعائم السلم العالمي، والتعايش الإنساني، لينعم الجميع بالرخاء والاستقرار، فديننا ينشد الأمان للناس كافة، ومقصده الرحمة بالعالمين جميعا.

الخطبة الثانية

أما بعد: فيا أيها المصلون، إن أهم ما نتواصى به تقوى الله عز وجل، وأن نعلم أن يوم عرفة يوم نفرح فيه برحمة ربنا، وتفضله علينا، ومغفرته لنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام". وأما يوم النحر فقد أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم في شأنه قوله:( إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر). والكوثر نهر في الجنة، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم". والمقصود بقوله تعالى:( فصل لربك وانحر) صلاة العيد ونحر الأضاحي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة عيد الأضحى، ثم ينحر أضحيته.