جامع الشيخ زايد الكبير(من الأرشيف)
جامع الشيخ زايد الكبير(من الأرشيف)
الجمعة 16 سبتمبر 2016 / 09:55

خطبة الجمعة الموحدة في الإمارات: "السلوك الحضاري"

نشرت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية عبر موقعها الإلكتروني، خطبة الجمعة الموحدة لليوم 16سبتمبر(أيلول)الحالي، تحت عنوان "لسلوك الحضاري".

تناولت الخطبة الحديث عن أهمية أن يتحلى المسلم بسلوك حضاري أينما حل، كما ناقشت الخطبة أثر التزام المسلمون بسلوك حضاري على تماسك المجتمعات، مؤكدة أن السلوك المتحضر تشمل مظاهره نواحي الحياة وجوانبها كلها، فحسن المظهر، وجمال الهندام والنظافة.

الخطبة
أيها المسلمون: إن من أهم أسس الحضارة الأخلاق، فهي سبب التماسك والقوة في المجتمعات، وقد لخص ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فعلى الأخلاق ترتكز الحضارات، وبالقيم ترتقي الأمم، وإن بقاء المجتمعات مرتبط بما يحمله أفرادها من سلوك حضاري قويم، وتطبيق له سليم، وقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن يبقى الصالح النافع، قال سبحانه : (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).

فما هو السلوك الحضاري؟ إن السلوك الحضاري للإنسان هو ثمرة أخلاقه الراقية المتمثلة في الأقوال والتصرفات المثالية التي تصدر عن حميد القيم، ونبيل الشيم، وتتوافق مع عادات المجتمع وأعرافه وتقاليده، ونظمه وقوانينه، وتكون منضبطة وفق المعايير التي تحقق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، ومن أبرزها القول الحسن، والتعامل بلطف مع الجميع، وهذه من مبادئ ديننا الحنيف، قال الله تعالى: ( وقولوا للناس حسنا(. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خالق الناس بخلق حسن".

ثقافة الإعتذار
ونبه القرآن الكريم على ذلك، قال الله سبحانه: (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك( ،فإذا أخطأ الإنسان فعليه أن يعتذر، ويتلمس لذلك أفضل العبارات، وينتقي أعذب الكلمات، مستخدماً عبارات الشكر والامتنان، وفي المقابل علينا قبول اعتذار من أخطأ، والتماس العذر له، فثقافة الاعتذار تعزز الحوار الحضاري البناء الذي يثمر التقارب والمودة.

ومن تلك الأسس التعاون على الخير والمبرات، والتآزر في الملمات والمسرات، وقد دعانا ربنا سبحانه إلى هذه القيمة النبيلة بقوله عز وجل: (وتعاونوا على البر والتقوى)،(وإن هذا التعاون مبني على أساس الرحمة والإحسان، والتعارف بين بني الإنسان، قال الله تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

عباد الله: ما هي نماذج السلوك الحضاري؟ إن السلوك المتحضر تشمل مظاهره نواحي الحياة وجوانبها كلها، فحسن المظهر، وجمال الهندام والنظافة من أولويات السلوكيات الحضارية التي نبه القرآن الكريم إليها، قال الله سبحانه:(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)،.وحض النبي صلى الله عليه وسلم على تأصيلها في أصحابه رضي الله عنهم، حتى يكونوا كأنهم شامة في الناس.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إهمال المظهر والهيئة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره، فقال:" أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟ "، "ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة، فقال" أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟".

احترام الطرقات
وقد دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى احترام الطريق بقوله:" أعطوا الطريق حقه"، هذا سلوك حضاري يظهر فيه مراعاة حقوق مستخدمي الطريق، وإن احترام القوانين واللوائح التي تنظم استخدام الشوارع والمرافق العامة؛ له أثره في إبراز التصرفات الراقية، والسلوكيات المتحضرة، وفيه حفاظ على حياة الناس، وعدم إزعاجهم، وهو سلوك حضاري متكرر يومياً لكل من يستخدم الشوارع والطرق.

الوفاء بالوعود
والإنسان المتحضر المتمدن الراقي يسعى دائماً للإتقان في العمل بأمانة، والارتقاء بمستواه المعرفي والمهني؛ لينتج بجودة، ويبدع في أدائه، ويحرص على الاستثمار الأمثل لوقته، وتقدير وقت الآخرين، ويحافظ على مواعيده، ويفي بعهده، قال الله سبحانه:( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون)، أي وصاكم الله تعالى بالوفاء بالعهد، وأكد عليكم فيه؛ لعلكم تتعظون، والعهد: هو الوعد الموثق، وأما الوفاء بالعهد فمعناه: أن يحقق المرء ما عاهد على أن يعمله، والالتزام بالوعود سلوك حضاري سديد، ينبئ عن رزانة صاحبه، وقوة شخصيته، واحترامه لكلمته، وقد أثنى الله عز وجل على نبيه إسماعيل عليه السلام بصدق وفائه بوعوده، فقال:( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا).

وذكر الله عز وجل صفات أولي الألباب، وأصحاب العقول الراجحة، وجعل الوفاء بالعهد والالتزام به أولى صفاتهم، فقال تعالى:( إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق).

أيها المصلون: من أين يكتسب الإنسان سلوكه الحضاري؟
يكتسبه المرء من بيته وأسرته، فإن الطفل يولد صفحة بيضاء، يسطر فيها الأبوان ما يريدان، حيث يتعهدانه بالتربية منذ طفولته الأولى، ويتوليان تثقيفه وتوجيهه، وتنشئته على مكارم الأخلاق، وطلب المعالي، والهمة العالية، لذلك كانا مسؤولين أمام الله تعالى عن أبنائهما، ثم المدرسة التي ترسخ القيم النبيلة، والسلوكيات الإنسانية القويمة؛ ليسهم الطالب في رعاية النتاج الحضاري لدولته، ثم يصقل خبراته وتصرفاته من خلال التفاعل الإيجابي مع الآخرين.

الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، وداوموا على طاعته، واعلموا أن للسلوك الحضاري أثره الإيجابي على الفرد، حيث يحظى بالخير العظيم في دنياه وآخرته، فيرضى عنه ربه سبحانه، وتحسن بين الناس سيرته، ويوضع له القبول في قلوبهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض، كما يكون ناجحاً في عمله، متميزاً في حياته، متسامحاً متفاعلاً مع الواقع، يعكس صورة مشرفة لوطنه، فإذا عم السلوك المتحضر بين أفراد المجتمع، فإنه ينعم بالتقدم والرقي، والنضج الحضاري، والقوة والبقاء والنماء.