الرئيس الأمريكي بارك أوباما (أرشيف)
الرئيس الأمريكي بارك أوباما (أرشيف)
الإثنين 19 سبتمبر 2016 / 09:08

مجدداً.. أمريكا تتنكر لحلفائها!

د. عبدالله خليفة الشايجي - الاتحاد

تشهد العلاقة المرتبكة بين إدارة الرئيس أوباما ومجلس التعاون الخليجي المزيد من المطبات والمواجهات. ولم تعد المواجهة والخلافات مقتصرة على الإدارة لتحقيق ذلك، بل امتدت بشكل مستفز إلى الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام الأمريكية لتكتمل دائرة المواجهة والتصعيد بين الحليفين اللذين لا يتفقان على الكثير من القضايا، خصوصاً مقاربة واشنطن لقضايا الشرق الأوسط، من العلاقة مع إيران إلى أمن الخليج والصراع العربي- الإسرائيلي وملفات أخرى كسوريا واليمن.

وقد وصلنا اليوم إلى ما يشبه التنافس على من يزايد أكثر، البيت الأبيض أم الكونغرس؟ ومن يتنكر أكثر ويستفز الحلفاء الخليجيين خصوصاً المملكة العربية السعودية! ويتزامن ذلك مع حالة رفع اليد والانكفاء الأمريكية في عهد أوباما، ومزايدة الكونجرس في حملة الاستهداف لحليف موثوق كالمملكة العربية السعودية. وكل هذا يزيد من هامش غياب الثقة ويعقّد العلاقة المرتبكة مع واشنطن، ويمنع تحولها إلى علاقة استراتيجية كما ترغب دول مجلس التعاون الخليجي وتدّعي واشنطن أيضاً سعيها لتحقيق ذلك. كأن هناك حملة منسقة لاستهداف دول مجلس التعاون!

وآخر فصول الاستهداف مطالبة أربعة أعضاء من مجلس الشيوخ بتأجيل مناقشة صفقة أسلحة دبابات وأسلحة ثقيلة بقيمة 1,3 مليار دولار للسعودية لمناقشتها بعد العطلة! ولكن ما يثير الاستهجان، في تسييس واضح في عام انتخابات مهمة وتزلف النواب للناخبين، هو تمرير الكونجغس بمجلسيه وبأغلبية كبيرة وصلت في مجلس النواب إلى الإجماع "الاقتراح بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف اختصاراً بـ"جاستا" JASTA الذي ‬تزامن ‬مع ‬الذكرى الـ‬15 ‬لاعتداءات ‬11 ‬سبتمبر ‬2001.

ويسمح ‬القانون ‬إذا ‬أُقر، ‬على رغم ‬تهديد ‬أوباما ‬بـ"الفيتو" لأهالي ‬المتضررين ‬من ‬اعتداءات ‬11 ‬سبتمبر ‬بمقاضاة ‬الدول ‬التي قد ‬يزعم أنها ترعى ‬الإرهاب ‬ضد ‬أمريكا ‬ومصالحها، وفي ‬هذه ‬الحالة ‬السعودية، على رغم ‬تبرئة ‬السعودية ‬كنظام ‬وحكومة ‬من ‬أي ‬دور ‬في ‬تلك العملية ‬الإرهابية ‬الخطيرة ‬وغير ال‬مسبوقة ‬في ‬تاريخ ‬الولايات ‬المتحدة.

‬وأخطر ‬ما ‬في ‬القانون ‬هو ‬تعديه ‬على ‬ما ‬يُعرف ‬ب‬الحصانة ‬السيادية ‬بمقاضاة ‬دول ‬وشخصيات ‬رسمية ‬من ‬أفراد ‬وحكومات! في ‬مخالفة ‬صريحة ‬لمبادئ ‬القانون ‬الدولي، ‬ما ‬قد ‬يُحدث ‬فوضى ‬في ‬العلاقات ‬الدولية، ويستعدي ‬حليفاً ‬رئيسياً ‬للولايات ‬المتحدة، ‬وتداعيات ذلك ‬المحتملة ‬على ‬مناخ ‬استثمار ‬الدول، والإضرار ‬بالتجارة ‬العالمية ‬حسب ‬بيان ‬مجلس ‬التعاون ‬لدول ‬الخليج ‬العربية.

‬وكذلك ‬التأثير ‬على ‬الاستثمار ‬في ‬السوق الأمريكية، والخشية ‬من ‬تشريع ‬دول ‬قوانين ‬تحاكم ‬وتحاسب أمريكا لسجلها ‬الدموي ‬بسبب القتل ‬والدمار ‬الذي ‬أحدثته ‬سياساتها ‬وتدخلاتها ‬وحروبها ‬ضد ‬العديد ‬من ‬الدول ‬والشعوب ‬في ‬العالم!

وواضح تسييس الملف وتزلف الكونغرس لأهالي ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر في عام انتخابات، كل شيء مقبول فيه بمنطق الانتهازية السياسية! ولو على حساب سمعة ومكانة البلاد والتشكيك في نجاعة الاستثمارات في الأسواق الأمريكية قلقاً من المقاضاة.

وقد لقي تمرير الكونغرس للاقتراح بالقانون رداً عاصفاً وتضامناً لافتاً مع المملكة العربية السعودية، خصوصاً من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل فردي وجماعي ومن جامعة الدولة العربية ومن منظمة التعاون الإسلامي، استنكاراً لهذا الاقتراح الذي يخالف مبدأ السيادة في العلاقات الدولية، ولا يعزز العلاقة الاستراتيجية بين السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة والحليف الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. وقد حذر الشيخ عبدالله بن زايد من أن مثل هذه القوانين ستؤثر سلباً على الجهود الدولية والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وتحدث فوضى في العلاقات الدولية.

وتتخوف إدارة أوباما من أن مقترح هذا القانون، الذي توعد الرئيس الأمريكية بنقضه، من شأنه أن يدفع دولاً حول العالم لتشريع قوانين لمقاضاة الولايات المتحدة بسبب حروبها، وجراء القتل والدمار والضحايا التي تسببت فيها في العراق وأفغانستان وغيرهما عبر العالم خصوصاً في الدول العربية والمسلمة التي شنت عليها حروباً، ولا تزال!

ولكن الخطر يكمن في قدرة الكونجرس على التغلب على "فيتو" الرئيس، وإذا حدث ذلك ستكون المرة الأولى، إن نجح مجلسا النواب والشيوخ في رفض "فيتو" الرئيس وحشد ثلثي الأصوات في كل مجلس! وهذا ممكن بالنظر إلى الجو العام الداعم للتحرك والتسييس وسنة الانتخابات هذه ومزاعم الوقوف مع أسر الضحايا! لتكتمل بذلك حملة العداء ضد السعودية.

وهذه الحالة ضد السعودية اليوم قابلة لأن تتكرر في المستقبل ضد الحلفاء الخليجيين وغيرهم. وهذا دليل آخر على الكيفية التي يعمل بها الكونغرس للتشويش على السياسة الخارجية الأمريكية، وكيف يسيّس القضايا ويسيء في بعض قراراته وتشريعاته حتى إلى حلفاء الولايات المتحدة الموثوقين.

إن هذا الواقع يحتّم على دول مجلس التعاون العمل على تكثيف الحضور والوجود السياسي والاستثماري في أمريكا والدوائر الانتخابية الرئيسية التي يمثلها نواب وأعضاء مجلس شيوخ متنفذون ومؤثرون في صنع القرار في واشنطن، ما يسمح لحضور خليجي في عاصمة صنع القرار الأمريكية بالدفاع عن المواقف والسياسات الخليجية في واشنطن، حتى لا يتم في المستقبل التعامل مع القضايا الخليجية بهذا الاستخفاف والفوقية وتسييس قضايانا بالطريقة التي نشهدها اليوم،وعدم التمكن حتى من تليين مواقف صناع القرار في واشنطن.

وهناك حاجة أيضاً إلى بلورة لوبي فعال مستقبلاً في واشنطن، من أمريكيين يتبنون مواقفنا ويدافعون عن قضايانا، كما تفعل العديد من الدول وآخرها إيران.