الأربعاء 21 سبتمبر 2016 / 09:14

قراءة في زيارة محمد بن زايد للفاتيكان

محمد خلفان الصوافي - الاتحاد

ليس من باب المبالغة القول بأن الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى دولة الفاتيكان الأسبوع الماضي، خففت عبئاً أخلاقياً كبيراً على العديد من القادة العرب والمسلمين في إثبات جديتهم نحو مسألة محاربة الإرهاب المتأسلم، وأنها بينت نية زعيم عربي مسلم غيور على دينه ويعمل على أن يعيد الوجه المشرق له في التعايش بين الأديان.

ومع أن الزيارة أثارت أصداء إعلامية في كل أنحاء العالم، وهو أمر طبيعي، خاصة من الذين تعودوا وضع أنفسهم في قوالب عقائدية لا تريد استرجاع، ولو نظرياً، بعض الصور الإيجابية للتعايش بين الأديان في عهد الإشراق العربي والإسلامي، محاولين أن يكون رنينهم الأقوى، فالذي لا شك فيه هو أن هذه الزيارة تبعث برسالة سياسية شجاعة يمكن أن تمهد الطريق لإحداث نقلة نوعية في تقريب وجهات النظر بين الأديان.

ومن الناحية النظرية، هي مثل أي زيارة يقوم بها أي سياسي إلى دولة الفاتيكان، الدولة الكنسية، من أجل تبادل وجهات النظر مع المسؤولين المسيحيين هناك، غير أن ما تتفرد به هذه الزيارة أنها قد تهيئ فرصة لتحقيق مردود إيجابي في تقليل حالة الصدام الحضاري بين المسلمين والمسيحيين أو ما يعرف بصراع الحضارات، لو نجح الطرفان، الإسلامي والمسيحي، في تحويلها من زيارة برتوكولية إلى زيارة عمل لتحقيق المصالح العليا للحضارتين الإنسانيتين.

زيارة الفاتيكان تحديداً تعكس إدراك الشيخ محمد بن زايد أهمية هذه الدولة وتأثير مكانتها الدينية في صناعة القرار السياسي في الغرب وفي التأثير في الرأي العام هناك، لهذا فإن الزيارة تاريخية بكل المقاييس، فالكنيسة، وهي القوة الروحية لعدد كبير من الناس العاديين والسياسيين في العالم، تستحق انفتاحاً حقيقياً من جانب المسلمين والعرب من أجل العمل بعضهم مع بعض في مجابهة التحديات المشتركة، وإذا تطلع العرب والمسلمون إلى تحسين الصورة التي شوهتها بعض التنظيمات، مثل "القاعدة" و"داعش"، وبعض السلوكيات الفردية، فإن الفاتيكان يمثل محطة مهمة في هذا المسار، بل سيفتح الحوار معه باباً واسعاً للمسلمين لإقناع الرأي العام المسيحي بوقف "اتهام الدين الإسلامي" بالإرهاب.

إن قائمة المصالح المتوقعة من هذه الزيارة تتجاوز حدود دولة الإمارات، وإن تلك المصالح ستشمل كل المسلمين، بمن فيهم الذين يعيشون في المجتمعات الغربية. وحتى إن اعتبرنا أن الزيارة تأتي في باب المجاملة السياسية، فإنه سيكون لها مردود إيجابي معتبر، وهو ما يعطي أملاً في تقليل الشحن السياسي الذي تسببت به العمليات التفجيرية التي يقوم بها البعض، وكان آخرها تفجير منهاتن بنيويورك قبل يومين.

إن الذي يعرف آراء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في مجال التعايش الإنساني والتسامح بين الأديان، يدرك أن هذه الزيارة ليست سوى "عينة" من الأعمال الكثيرة التي يقوم بها سموه وانشغاله بالأعمال التاريخية الخالدة من الزمن العربي والإسلامي الجميل، ومن تلك الأعمال السماح لأصحاب الأديان الأخرى بإقامة طقوسهم الدينية في الدولة وبناء الأماكن الخاصة لممارسة عباداتهم، مثل الكنائس والمعابد، وبالتالي فينبغي ألا نتفاجأ بتلك الزيارة التي تؤكد إيمان سموه بأن هذه البقعة من العالم (الإقليم العربي) كانت يوماً مناراً للبشرية وليست وكراً لقوى الظلام.

لم يخطر ببال الكثيرين أن يأتي زعيم فخور بدينه الإسلامي ليؤكد أن هناك من يؤمن بأن التقارب بين الديانات هو الأصل. أما ما ينقله البعض عن هذا الدين من تشدد وإقصاء، فهو الصورة المشوهة والمزيفة وغير الحقيقية. وربما لم يخطر ببالهم أيضاً أن ثمة عربياً غيوراً على أمته يسعى لدمج الإنسانية في مجتمع "عالمي واحد" يعمل على تلاقح الثقافات بين الشعوب بدلاً من محاربة الآخر وتصفيته.

الزيارة ستعمل على تذويب الجليد السياسي بين المسلمين والغرب المسيحي، وهي خطوة مهمة في ردم الشكوك والهواجس، وبالتالي بناء الثقة مع الآخر، لهذا يتوقع أن تحقق الزيارة تكريساً للسمعة الإيجابية ليس لدولة الإمارات فقط، ولكن لكل الدول العربية والإسلامية.

هذه الزيارة تثبت أن هناك سياسيين مسلمين وعرباً يعملون جاهدين منذ سنوات لصناعة نموذج فكري يؤهل للتعايش والتسامح والتعدد والمواطنة، وفي طليعة هذا التيار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.