الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 / 09:16

جاستا.. ومبدأ المعاملة بالمثل

حمد الكعبي - الاتحاد

هي سابقة في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأميركية أن يتم تعطيل حق "الفيتو" الذي استخدمه الرئيس أوباما لتعطيل العمل بما يسمى "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، واختصاراً "جاستا"، ولعلها تكون المرة الأخيرة أيضاً، فمجلس الشيوخ أراد حينما نقض "فيتو" الرئيس ورفضه بالإجماع تقريباً تأهيل من سيخلف أوباما وإعداده بالطريقة المتناسبة مع مصالح ومزاج وسياسة الكونجرس الأميركي، وبعبارة أخرى فالرسالة في الأساس موجهة للرئيسة، أو الرئيس، المقبل، ووفق توازنات النظام السياسي الأميركي، فلا وقت أفضل من هذا الذي يلعب فيه أوباما في الوقت بدل الضائع، إن صح التعبير، وهو في طور ما يسمى إعلامياً مرحلة "البطة العرجاء"، لتمرير تشريعات مستفزة منافية لكل عقل أو منطق، ولعل القانون الجديد التي بدأت أول دعوى قضائية من "ستيفاني" أرملة ضابط البحرية الأمريكية باتريك دن. يصب في مصلحة العالم أجمع قبل أن يكون في مصلحة ضحايا أحداث 11 سبتمبر الذين لا يتجاوز عددهم 3000 فرد، فهناك دول كثيرة وأمم يمكن أن تسلك منهج التشريع الأميركي الجديد في التعامل مع مبدأ سيادة الدول، والأقرب إلى التصور هو أن تتعامل مع الأميركيين أيضاً بمبدأ "المعاملة بالمثل".

وعلى سبيل المثال فضحايا هيروشيما ونجازاكي يصل عددهم إلى 250 ألف فرد قتلوا في الحال، هذا غير العاهات المستديمة والإعاقات التي حرمت المصابين من الحركة والحياة الطبيعية، وكذلك الأمراض الوراثية والسرطانية التي عانى منها الشعب الياباني الأمرّين طيلة العقود الماضية، وما زال يعاني، وهو ما يجعل المعاناة، بل الجريمة مستمرة وبأفق زمني مفتوح.

ولذا فالأجدر أن تعمل اليابان هي أيضاً على تشريع قانون يعطيها الحق في محاسبة المتسبب والمتورط في الأحداث التي جرت آنذاك، وألحقت بالشعب الياباني ما يفوق كل تصور من ويل وتنكيل، وذات الشيء يصدق أيضاً على فيتنام، وكوريا، وكل من اكتوى بنيران الحروب والتدخلات الأميركية عبر التاريخ.

وفي المنطقة العربية فقد العراق أعداداً هائلة من الضحايا خلال الفترة على خلفية الغزو والتدخل والاحتلال الأميركي المباشر والمعلن ودون أي سند من القانون الدولي أو غطاء من الأمم المتحدة، ومن حق أُسر كل هؤلاء الضحايا وذويهم معاملة الأميركيين بالمثل، وخاصة أن الغزو جرى بعدما اتهم العراق بامتلاك أسلحة دمار شامل، وقد تبين لاحقاً عدم صحة تلك الادعاءات باعترافات من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ومن مسؤولي الإدارة الأميركية أيضاً، ويقتضي القانون الأميركي، والقانون الدولي، وكل قوانين الأرض، أن يعوض ضحايا هذه الأضرار، وأن تتولى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دون غيرهما جبر هذا الضرر ودفع التعويض.

والسؤال هنا هل يستمر العمل بـ"جاستا" بعد تردد وتراجع نصف أعضاء الكونجرس الذين رفعوا مذكرة جديدة بضرورة العودة لمناقشة القانون قبل إقراره وتطبيقه بالفعل؟ لقد اكتشفوا بسرعة حجم الشطط واللغط والأبواب الكارثية التي فتحوها على بلادهم، ومدى الإحراج الذي تسببوا فيه لحكومتهم التي وقفت بقوة رافضة تمرير هذا القانون المريب العجيب، كما لم يفكروا في تداعياته الكثيرة، إذ من يضمن ألا يتجه أميركيون من أعراق وأصول مختلفة لرفع دعاوى ضد حكومات بلادهم الأصلية التي هاجروا منها مطالبين بتعويضات عن بعض «مظالم التاريخ» الإنساني القريبة أو البعيدة! وما الذي يمنع الهنود الحمر مثلاً من رفع دعاوى تعويض عن الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها؟

وبعد كل ذلك ينبغي علينا أيضاً عدم التهويل من هذا القانون وتداعياته على منطقتنا، لأنه ببساطة شديدة لا يوجد أي دليل على تورط المملكة العربية السعودية أو أي دولة عربية أخرى في الضلوع في دعم الإرهاب أو رعايته. والبلدان العربية هي أكثر من عانى من مخاطر وتحديات الإرهاب، وهي أقوى من وقف في وجه بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين.

وينبغي أن يدرك أعضاء الكونجرس الأميركي أن هذا القانون وحد صف العالم ضد أميركا بمختلف مستوياتها، وهناك دول كبرى وأخرى نامية لن تتردد في اتخاذ إجراءات مضادة لهذا القانون، وهذا يدركه الساسة الأميركيون، وهو ما دفع الجهات المعنية في أميركا كوزارة التجارة والخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية لإعلان ما يشبه حالة طوارئ لإلغاء هذا القانون، أو الدفع بإعادة التصويت عليه، حفاظاً على المصالح الوطنية الأميركية.

وأقل ما يمكن أن يؤدي إليه هذا القانون هو انسحاب كثير من الاستثمارات من الأسواق الأميركية، أو العمل على الحد من الاستثمار في الولايات المتحدة، بدافع الشعور بالقلق إزاء تجميد الأرصدة أو التضييق على الاستثمارات، فالعالم يتعامل مع أميركا كقوة عظمى، ولكن أيضاً كدولة واحدة ينبغي أن تتحدث بلغة واحدة، وتعددية واستقطابات المشهد الداخلي الأميركي وصراعاته تعني أميركا وحدها.