الأربعاء 12 أكتوبر 2016 / 09:19

جرائم حرب في حلب

سامر عطّار - الاتحاد

حلب مدينة قوية وصامدة. وهي ذات تاريخ غني وعريق، فهي أقدم من نيويورك أو باريس أو لندن. إنها ليست مدينة للإرهابيين، بل مدينة يعيش فيها أناس عاديون يرغبون في توفير الطعام لعائلاتهم، وإرسال أطفالهم إلى المدارس، والحفاظ على أمن وسلامة عائلاتهم، تماماً مثلما يريد أي شخص آخر في العالم لعائلته. ولكن شوارعها استحالت أنهاراً تجري فيها الدماء هذه الأيام.

فكيف يمكن للعالم أن يقف متفرجاً بينما ترتكب الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران، هذه الفظاعات في حق سكان حلب؟

لقد رأيتُ المذبحة بأمّ عيني عندما تطوعت للعمل بمستشفى ميداني في حلب في يوليو الماضي. وكنت آخر أميركي يغادر قبل أن تحيط قوات الحكومة السورية بالمدينة وتحاصرها. وخلال اليوم الأول لي هناك، رأيت أمّاً شابة أصيبت بالشلل حديثاً جراء سقوط برميل متفجر على منزلها. أفراد عائلتها سحبوها من تحت الأنقاض ونقلوها إلى المستشفى. وكانوا مضرجين بالدماء والغبار. وفي محاولة يائسة، حاول جرّاح الأعصاب الوحيد في حلب فتح قناتها الشوكية لتخفيف الضغط على حبلها الشوكي، ولكن العملية لم تنجح. ونتيجة لذلك، لن تستطيع المشي مرة أخرى.

إلى جانبها كانت ترقد أمّ شابة أخرى موصولة بأجهزة التنفس الاصطناعي. كان برميل متفجر قد ضرب منزلها أيضاً، فقتل ابنها وابنتها. وقد كانت حاملاً، فقتل التفجير جنينها أيضاً. وكان زوجها في دكانه في الجانب المقابل من الشارع. وعندما هرع إلى المنزل بعد القصف الأول، ألقت طائرة هيليكوبتر قنبلة ثانية أصابت شظاياها رأسه. الأب والأم نجيا، ولكنهما خرجا من الهجوم بندوب وأطفال موتى.

وهناك قصص مماثلة كثيرة؛ غير أن الأسبوعين التاليين كانا أفظع وأكثر وحشية. فقد رأيتُ أشلاء بشرية متناثرة، وجثثاً محروقة، ومسحوقة، ومفتوحة، ومقسومة إلى نصفين.

وفي اليوم الأخير من فترة تطوعي صرتُ أقوم بعملية جراحية واحدة في الساعة. وبعد ذلك، جازف سائق بحياته لنقلنا إلى خارج المدينة على طريق كاستيلو، وهو آخر طريق إمدادات إلى حلب. ولاحقاً، قطعت الحكومة السورية الطريق بشكل دائم وحاصرت شرق حلب.

ولكن منذ ذلك الوقت زادت الأمور سوءاً على نحو لا يصدَّق؛ حيث استُهدفت حلب بالبراميل المتفجرة، وقنابل غاز الكلورين، والقنابل العنقودية، والصواريخ المدمِّرة للملاجئ تحت الأرض، بل وحتى بالنابالم. كما دمِّر المستشفى الذي كنت أعمل به جراء القصف الأسبوع الماضي وأصبح خارج الخدمة.

القوات الجوية الأميركية والبريطانية والفرنسية موجودة منذ مدة في الأجواء السورية. فلماذا لا تفعل شيئاً لوقف هجمات الحكومة على المنازل والمدارس والمستشفيات؟ الواقع أنه بجمودها وبعدم تحركها فإنها تعطي عملياً إشارة الضوء الأخضر لجرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة السورية وحلفاؤها. والحال أنه مع كل جريمة حرب جديدة، تزداد حكومة الأسد جرأة للقيام بما هو أسوأ. ثم إن الأعمال التي تقوم بها الحكومة السورية تمثل تهديداً للأمن والسلام العالميين لا يقل عن تهديد "داعش". كما أن القنابل التي تُلقى تقتل المدنيين الأبرياء وتدفع قوات الثوار إلى التطرف.

الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري يتحدثان عن المناشدات والدبلوماسية. ولكن لماذا من الصعب عليهما أن يفهما أنهما يتفاوضان مع مجرمين يضحكون على ضعفهما وترددهما؟ ثم منذ متى أصبحت الولايات المتحدة تناشد مجرمي الحرب؟ هذه ليست دعوة لغزو سوريا بقيادة الولايات المتحدة، وإنما مجرد دعوة لحماية المدنيين والطواقم الطبية التي تحاول إنقاذهم من القوة الجوية لبشار الأسد. فمع روسيا أو من دونها، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يفرضوا احترام قرارات مجلس الأمن الدولي عبر منع طائرات القوات الجوية السورية من التحليق، وتدمير المدارج والمطارات إن اقتضى الأمر، وإنهاء الحصارات الإنسانية، وتنفيذ رد عالمي في حال رفضت الحكومة السورية ذلك. إذ لا يمكن أن يكون ثمة أي وقف لإطلاق النار أو حل سياسي حقيقي ما دامت الطائرات والمروحيات السورية تمطر المدنيين بنيرانها.