السبت 15 أكتوبر 2016 / 09:06

معركة تحرير الموصل تكشف خرائط الصراعات

د. محمد السعيد إدريس - الخليج

تفتح معركة تحرير الموصل التي باتت محتملة قريباً، أبواب الصراع بين كل الأطراف الداخلية والخارجية على مصاريعها، ومعها بالطبع مستقبل العراق كله. لم تكن أطماع كل هذه الأطراف مكشوفة كما هي الآن، ومن دون أية تحسبات أو تحفظات، والكل يأخذ من الموصل، ومعركة تحريرها مدخلاً لتمرير، أو حتى لفرض تلك الأطماع والمصالح التي ترسم في مجملها صورة، أو خريطة شديدة القتامة للتحالفات الانتهازية العارية عن الحد الأدنى من المبادئ والقيم.

صراعات نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق (رئيس تحالف دولة القانون - أكبر كتلة في البرلمان العراقي)، مع حيدر العبادي رئيس الحكومة الحالية الذي ينتمي إلى حزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي، تتفاقم وتتسارع، وكل منهما يحاول توظيف معركة تحرير الموصل لمصلحته.

مخطط نوري المالكي لإزاحة حيدر العبادي عن رئاسة الحكومة يحقق نجاحات ملحوظة، كان آخرها موافقة المحكمة العليا يوم الاثنين الماضي (9/10/2016) على عدم شرعية القرار الذي سبق أن استصدره العبادي بإلغاء منصب نواب الرئيس، ما يعني أن المالكي سيعود مرة ثانية نائباً للرئيس، ليقود بقوة معركة إسقاط العبادي وحكومته التي بدأها بإسقاط عضوية كل من وزيري الدفاع والمالية، وسط معلومات تقول إن المالكي يستعد للعودة إلى رئاسة الحكومة العراقية بخطة إيرانية في شكل انقلابي على حكومة العبادي، بسحب الثقة من وزراء العبادي الواحد تلو الآخر، ثم من العبادي شخصياً، اعتماداً على كتلة كبيرة موالية من النواب داخل البرلمان، بإشراف مباشر من طهران مع أغلبية السياسيين الشيعة، وعدد من السياسيين السنة المشاركين في العملية السياسية، ومع الجناح المتنفذ داخل الاتحاد الوطني الكردستاني.

خطة نوري المالكي للعودة إلى رئاسة الحكومة تتضمن ممارسة ضغوط مكثفة للحيلولة دون حدوث معركة تحرير الموصل، والسعي إلى تأجيلها لحين إسقاط حكومة العبادي وعودته إلى رئاسة الحكومة، أملاً في أن يكون تحرير الموصل على أيدي حكومته.

وفي مواجهة هذا المخطط يحرص العبادي على الإمساك بخيوط القوة، وقيادة معركة تحرير الموصل بالتحالف مع الولايات المتحدة، وبالتنسيق مع مسعود برزاني، حتى لو كلفه هذا التنسيق تقديم تنازلات خطرة للأكراد في الموصل، بل وإعطاء ضوء آخر لمسعى البرزاني تمكين الأكراد من حق تقرير المصير والاستقلال عن العراق.

زيارة البرزاني لبغداد، مصحوباً بوفد سياسي كردي عالي المستوى، يضم قيادات من الأحزاب والكتل الكردية الحليفة، كانت شديدة الدلالة على تحالفه مع العبادي ضد المالكي.

أعطى البرزاني والوفد الكردي المرافق أهمية قصوى لما أسموه ب«حق الكرد كقومية في تقرير المصير باعتباره حقاً مشروعاً لكل قومية في العالم». وخرج بتعهد من العبادي مفاده أن «بغداد مستعدة لبحث أي قرار صادر عن الكرد، سواء كان في جانب العيش، والعمل معاً، أو الاستقلال». أما بخصوص الموصل ومعركة تحريرها، فقد تركزت النقاشات بين الطرفين حول إجابة عن السؤال المهم وهو: كيف ستدار المدينة بعد تحريرها؟ وتم التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن إدارة الموصل. في حين تحدثت معلومات كردية أخرى عن وجود مقترح كردي عرضه البرزاني، يقضي بتقسيم المحافظة إلى ثلاث محافظات جديدة، وإجراء استفتاء يقرر فيه سكان هذه المحافظات الانضمام إلى إقليم كردستان، أم لا.. لكن البرلمان رفض هذا الأمر، وأصدر قراراً بإبقاء محافظة نينوى محافظة واحدة.

هذه الصراعات والأطماع بين القوى الداخلية في الموصل لم تنافسها غير الأطماع الخارجية، أمريكية كانت، أم تركية، أم إيرانية.
وإذا كانت إيران تركز على أدوار تقوم بها ميليشيات الحشد الشعبي لتأمين مصالحها في الموصل، سواء من خلال حكومة العبادي، أو أي حكومة أخرى بديلة، فإن الأمريكيين عبروا عن أطماعهم هم أيضاً في تثبيت وجودهم في عمق العراق، وبالذات في قاعدة «القيارة» العسكرية التي تم تحريرها قبل عدة أشهر، والتي تبعد 58 كيلو متراً جنوبي الموصل، وهي موقع استراتيجي شديد الأهمية لمواجهة أية طموحات إيرانية في العراق، على حساب النفوذ والمصالح الأمريكية، التي يسعى الأمريكيون مجدداً إلى تثبيتها من خلال مشاركتهم وإشرافهم على معركة تحرير الموصل، وتبني دعوة إبعاد الحشد الشعبي عن المشاركة في هذه المعركة.

أما تركيا، فقد شاءت أن تتحدى الجميع بالإعلان صراحة عن إصرارها على إبقاء وجودها العسكري في «معسكر بعشيقة» شمالي الموصل، والمشاركة في معركة تحريرها. فقد أكدت أنقرة وعلى لسان نعمان كورتولمويش، نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة، أن «تركيا لن تسمح بجعل مسألة معسكر بعشيقة مثار نقاش، وأن الجميع يعلم بأن الإدارة المحلية في شمال العراق وحكومة مسعود البرزاني طلبت من الوحدات التركية تأهيل وتدريب القوات المحلية بهدف تحرير الموصل»، وزاد بقوله: «لا يحق لأحد الاعتراض على وجود القوات التركية في بعشيقة، والعراق مقسم من الأساس». أما الرئيس التركي، ورئيس حكومته بن علي يلدريم، فكانا أكثر صراحة في الكشف عن النوايا التركية في الموصل، ففي حين اكتفى بن علي يلدريم بالتحذير من مخاطر اندلاع حرب طائفية - عرقية إذا شاركت ميليشيات الحشد الشعبي في تحرير المدينة، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر صراحة عندما حمل شخصياً على العبادي ودعاه للوقوف «عند حده»، مصراً على تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية ومشاركتها في معركة تحرير الموصل، رافضاً مشاركة الحشد الشعبي.

وهكذا باتت المواجهة التركية مع إيران في العراق مكشوفة، وهي حتماً ستلقي بظلالها على آفاق التعاون، أو الصراع المستقبلي بين تركيا وإيران في سوريا.