الحرم المكي في مكة المكرمة (أرشيف)
الحرم المكي في مكة المكرمة (أرشيف)
الثلاثاء 1 نوفمبر 2016 / 08:58

استهداف المقدسات "تكتيك" جديد للانقلابيين

محمود الريماوي - الخليج

جاء استهداف مكة المكرمة بصاروخ باليستي بعيد المدى أطلقه انقلابيو اليمن الجمعة 28 أكتوبر(تشرين الأول) وتم اعتراضه قبل بلوغ هدفه، جاء ليضيف بعداً جديداً للصراع المستعر يتمثل في انتهاك المحرمات والتعدي على المقدسات، بما يمثّل بحق تصعيداً خطيراً في وقت تتجه فيه الأنظار إلى دعم جهود المبعوث الأممي لاستئناف التفاوض بين طرفي الأزمة اليمنية.

السخط العام والعارم الذي أبدته مرجعيات دينية وسياسية عالية المستوى في المنطقة وفي العالم تجاه هذا التصعيد، ينمّ عن إدراك عميق لفداحة هذا الانحراف لدى الانقلابيين، حين يبلغ الأمر درجة استهداف المقدسات وتعريضها للأخطار، ومن طرف يدّعي التديّن ويرفع شعارات إسلامية، وواقع الحال أن الصراعات السياسية العنيفة تكتسب زخماً هائلاً حين تقفز عن المحرمات وتنتهكها، وهو بطبيعة الحال زخمٌ بالغ السلبية.

ومن المفارقات في هذا الاعتداء الجديد أنه قد صدر عن طرف يرفع راية الدين و يدعي الحرص على الأماكن المقدسة، ويحاول التشكيك الأخرق في الرعاية السعودية لهذه الأماكن، فإذا بهذا الطرف نفسه لا يرعوي عن استهداف مكة المكرمة بصاروخٍ من نيرانٍ وضغينة، وذلك في سياق الحقد على الشقيقة السعودية وكل ما تمثله، وما يقع على أراضيها وداخل حدودها حتى لو كان الكعبة المشرفة والحرم المكي الشريف.

والمثير في أمر الاعتداء الجديد أن صاروخ المعتدين قد انطلق من منصة بمسجد في صعدة، وبهذه الطريقة يزج الانقلابيون الأماكن الدينية في الصراع، وبطريقة مشينة، وسبق أن تعرضت هذه الأماكن لتعديات جسيمة من أطراف تدعي بدورها الغيرة على الدين وامتلاك ناصية الدين الصحيح، ولم يلبث التاريخ أن طوى صفحة أولئك المعتدين، فالأماكن المقدسة واجبة الحماية، ويتعين أن تبقى خارج أي صراع أو استهداف شأنها شأن المدنيين العُزّل، وما التجرؤ على هذه الأماكن ومن أبناء الدين نفسه سوى محاولة للعودة إلى الماضي السحيق، حين كانت الصراعات الدينية والسياسية شيئاً واحداً، ومن دواعي الأسف حقاً أن يجد طرف إقليمي في تجديد هذه الصراعات وإذكاء نارها المنطفئة، سبيله شبه الوحيد للنفاد إلى المنطقة والتسلل إلى صفوف أبنائها، والعبث في شؤونها والتحكم بمقدراتها، كما هو الحال في اليمن حيث يجد الانقلابيون المعتدون دعماً غير محدود من هذا الطرف الإقليمي، الذي لا يكتم طموحاته التوسعية ويستخدم وكلاء محليين كأذرعٍ إقليمية له لتنفيذ مخططاته.

وأياً يكن الأمر الآن فقد تم إحباط هذا التعدي، وقبله اعتداءات أخرى طالت مدنيين ومرافق مدنية داخل الأراضي السعودية، فيما يُمنى الانقلابيون بهزائم متلاحقة على أيدي الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، ويجري شل حركتهم إلى حد بعيد داخل اليمن، فيجدون في التعدي على الجار مهرباً لهم ومطمحاً رخيصاً بتسجيل نقاط عسكرية ما في الصراع الدائر، إلى أن بلغ العمى بأصحابه درجة استهداف الأماكن المقدسة وبهدف تحقيق دوي إعلامي يصرف الأنظار عن إخفاقات الانقلابيين وحلفائهم، وعجزهم المتمادي عن التحكم بأقدار اليمنيين.

وكانت آخر الخيبات على هذا الطريق إنشاء مجلسهم السياسي الرئاسي الذي لم يحظَ بأي اعتراف أو اهتمام من دول المنطقة ودول العالم، فيما قوبل إنشاؤه بسخط المنظمة الدولية لما انطوت عليه تلك الخطوة من التفاف مكشوف على القرارات الدولية ذات العلاقة، ومصادرة لنتائج التفاوض.

أما إعلانات الهدنة الإنسانية التي يتوصل إليها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بين أوان وآخر، فإن الانقلابيين يسارعون إلى نقضها وانتهاكها في كل مرة، بأمل تحقيق مكاسب عسكرية من الطرف الآخر الذي يلتزم بالهدنة، وواقع الأمر أن نقض العهود والرجوع عن التعهدات هو بمثابة تكتيك عسكري وسياسي ثابت يعتنقه الانقلابيون، ويلجأون إلى استخدامه، بعد أن أعيتهم الحيلة من الصمود أمام الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والتحالف العربي. غير أن اتباع هذا التكتيك لم يغير شيئاً في موازين القوى، وواصلت قوى الانقلابيين تقهقرها، متخذةً من الجموع السكانية دروعاً لها، ومن المرافق المدنية كالمشافي والمدارس والدوائر الحكومية مراكز عسكرية لها، على طريقة "داعش" الإرهابي في الرقة والموصل.

مع كل ذلك فلا بد من دعم آمال اليمنيين في السلام، ووقف المحنة التي تسبب بها الحوثيون وأنصار الرئيس السابق في انقلابهم على الشرعية، والسبيل إلى ذلك هو مواظبة المجتمع الدولي في الضغط على الانقلابيين لتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة باليمن، ووقف مفاعيل السطو المسلح على السلطة، وأن يتم دعم جهود المبعوث الدولي في هذا الاتجاه الموضوعي السليم، والحرص على أن لا تنحرف الجهود إلى أي اتجاه آخر قد يطيل أمد النزاع، ويسد الطريق أمام الحلول السياسية، بما يحرم الشعب اليمني من بلوغ أهدافه المشروعة.