الخميس 14 سبتمبر 2017 / 08:43

وحوش آدمية تغتال الإنسانية

كمال بالهادي- الخليج

لا فرق بين ما تقوم به القوات البورمية والمتطرفون البوذيون من انتهاكات فظيعة ضد الإنسانية، وبين ما تقوم به الحركات الإرهابية مثل "داعش" و"بوكو حرام" وقبلهما "القاعدة" و"جيش الرب" الأوغندي، وكل الحركات التي تتخذ من الدين أو العرق مطية لتنفيذ جرائم حرب ضد الإنسانية.

ما يحدث لأقلية الروهينجا المسلمة في دولة ميانمار (بورما)، ليس جديداً من الزاوية التاريخية. ذلك أن قصة الاضطهاد على أساس ديني بدأت منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، وتفاقمت بعد سنة 1982، حينما تم سن قانون الجنسية البورمي والذي تم من خلاله منع أقلية الروهينجا من الحصول على الجنسية البورمية، باعتبارهم عرقية تنتمي إلى بنجلاديش، بحسب السلطات هناك.

ومنذ تلك الفترة لم تتوقف عمليات الاضطهاد ضدهم، ولكنها استعرت في العام 2012، ليتم تهجير عشرات الآلاف من الروهينجا إلى دولة بنجلاديش ويتم قتل المئات فيما ظل الآلاف في عداد المفقودين. ومنذ نهاية أغسطس"آب" المنقضي تجددت أعمال الاضطهاد، فيما يقف الجيش البورمي وراء الأغلبية البوذية، ويتهم أقلية الروهينجا بأنها تمارس أعمال العنف ويتهمها بالتشدد الديني.

الأمم المتحدة قالت إن شعب الروهينجا هو أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، وهذا يفهم في إطار حجم العنف العرقي والديني المسلط على هذا الشعب، ويفهم كذلك في إطار طول المدة الزمنية، حيث يعاني هذا الشعب لنحو أربعة عقود من الاضطهاد، فيما يفيدنا تاريخ الحروب العرقية، بأنها حروب قصيرة المدى، نظراً لوحشيتها ونظراً لحجم الجرائم التي ترتكب فيها ولكثرة أعداد القتلى، التي تدفع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية إلى التحرك السريع، لوقف حد لتلك الحروب. فالحرب الرواندية دامت نحو أربع سنوات، من 1990 إلى 1994، ولكن من أبريل"نيسان" إلى يوليو"تموز" 1994، قتل نحو 800 ألف شخص، واغتصبت مئات الآلاف من النساء والفتيات.

 ولكن في حالة ميانمار فإن الأمر يختلف، فالعقود الأربعة من الاضطهاد، لم تحرك ساكناً. حيث اقتصر جهد الأمم المتحدة على تكوين لجنة تقصي للحقائق يقودها الأمين العام السابق كوفي عنان، والتي قدمت تقريراً قالت فيه إنه لم يعد هناك وقت نخسره أكثر في محنة شعب الروهينجا. وتكلم الأمين العام جوتيريس عن ضرورة وضع خطة لوقف القتال، فيما صمتت القوى العظمى أو تكلمت بصوت خافت لا يخيف قادة ميانمار ولا يمنعهم منعاً جدياً من إيقاف عمليات الإبادة الجماعية.

شعب الروهينجا، يقدر بنحو ثلاثة ملايين نسمة، منهم نحو مليوني نسمة يعيشون خارج إقليم أراكان، الذي تستوطنه هذه الأقلية، وخارج دولة ميانمار. وبالرغم من أن هذه الدولة، هي دولة فقيرة وتقع بين دولتين عظميين هما الهند والصين، إلا أنها لا تعيش ضغطاً قوياً عليها يجعلها تخشى من عواقب وخيمة لارتكابها جرائم ضد الإنسانية. والسبب في نظرنا، يعود إلى أن منطقة جنوب شرق آسيا برمتها تعيش على وقع هذه النزاعات الطائفية والعرقية والدينية.

من حق الدول أن تدافع عن أمنها، ودول جنوب شرق آسيا تتميز بالتنوع الكثيف للعرقيات والذي يجعل التجانس بينها، أمراً يكاد يكون مستحيلاً، خاصة أن أغلب هذه الدول ترتفع فيها نسب الفقر والأمية، وهي البيئة الخصبة لنشأة التطرف. وتدرك هذه الدول أن انتشار العنف المتأتي من خلفية عرقية أو دينية، هو بمثابة انفجار «جحر الضب»، حيث تكون نتائجه شديدة التدمير. وقد عايشت تلك الدول تجارب في دول قريبة منها جغرافياً، مثل باكستان وأفغانستان. ولكن السكوت عن الجرائم التي ترتكب الآن في بورما، لن تكون نتائجه إلا سلبية على دول مثل الهند والصين وبنجلاديش المجاورة. فلا أحد قادر على إغلاق عش الدبابير لو انفتح على مصراعيه. ومسؤولية الصين والهند كقوى عظمى في المنطقة هي مسؤوليات كبرى أخلاقياً وسياسياً. فليس من مصلحة الصين التي تتقدم لزعامة العالم أن تفتتح عهدها بالسكوت عن هذه الجرائم، ومن الناحية الأمنية والاستراتيجية فإن اضطهاد أقلية الروهينجا، وهي جريمة ضد الإنسانية متكاملة الأركان، تمثل وقوداً حيوياً للإرهاب والتطرف لإشعال منطقة تتوفر فيها كل عناصر الحريق العظيم.

إن الإرهاب صناعة، ومهندسوه لا يتورعون عن ابتكار آليات إشعال الحرائق في أي منطقة من العالم. ولكنّ منفذيه ليسوا بالضرورة تنظيمات مارقة وخلايا نائمة وذئاباً منفردة، بل أحياناً تكون حكومات وجيوشاً نظامية، وحتى فائزين بجوائز نوبل للسلام. وما يحدث في بورما يؤكد أن هناك مخططات لإشعال هذه المنطقة، مثلما تم تخريب مناطق أخرى، وحطب هذه المعارك، هم المسلمون دائماً، وأياً كانت عرقياتهم.