عزمي بشارة وقناة الجزيرة (أرشيف)
عزمي بشارة وقناة الجزيرة (أرشيف)
الخميس 23 نوفمبر 2017 / 11:11

معضلة قطر وحالة تضخم الذات

الأيام - بدر عبدالملك

يلهج لسان عزمي بشارة وقناة الجزيرة "بالديمقراطية وثقافتها!" ولكنهم يضيقون ذرعاً من آراء وأصوات وأفكار قد تختلف معهم فعلاً أو لا ترى هوى في عقولهم وقلوبهم.

لم أكن أخال ذلك الانفعال صادراً من المثقف والمفكر والمستشار الحساس ولو كانت جمانة نمور المذيعة اللبنانية شخصية أوروبية لربما رمت الأورق في وجه عزمي بشارة وخرجت من الاستديو، فالمهانة في تعامله معها كان واضحاً نتيجة الشعور بالفوقية، وروح الاستعلاء والنزعة التسلطية على كل من يجده مختلفاً.

لم أكن قادراً على تحمل الإسفاف الذي مارسه بشارة مع جمانة ولا السلوك الفظ القمعي والاستهزاء الواضح لمذيعة ضمن نطاق مسؤوليته في قناة الجزيرة، التي بات من موقع إدارة مركز الأبحاث ووظيفة المستشار، يتصرف مع الآخرين وكأنهم عبيد في مزرعته، بل عبّر انفعاله المشين معها بطبيعة داخلية نزقة.

أحيل القارئ إلى مشاهدة يوتيوب بعنوان "بشارة يضع مذيعة قناة الجزيرة في موقف حرج" ومن يشاهد البرنامج فلن يكتشف أنه يضعها في موقف حرج بل في وضع أسوأ من حالة الإحراج، وبدت هي مرتبكة من وضعها واستطردت في كلام لا معنى له وقد بدا كلامها لا صيغة سؤال ولا استطراد منطقي، إذ لم يكن عزمي دبلوماسياً إطلاقاً حين قال لها "هذا ليس سؤالاً هذا خطاب بتصغيرها" وكل ذلك كما قال: "هذا غير مقبول لهجتك".

ما هكذا يتم معالجة الآراء الخاطئة يا سعادة المستشار المفكر، فمن يحمل على عاتقه مشروعاً تنويرياً وثقافة ديمقراطية عليه السيطرة على انفعاله الصبياني المنفلت، شعر في داخله بشارة مدى ارتباك جمانة وبعد إذلالها بسوط عباراته، لم يفكر الجنتلمان لارتفاع حدة صوته في وجهها ولا في الاعتذار، وإنما كان عليه أن يعود لنبرة الهدوء والتحدث بصوت لائق، فمن لا يقبل أحد أن يرفع صوته في وجهه عليه أن يدرك أن الآخرين لديهم كرامتهم وهم لا يقبلون بالمثل.

ذلك المفكر الذي يتحدث عن الكرامة ومعجب بحالة تلك الانفجارات من أجلها كمعنى ودلالة، نجده لا يمارسها مع من هم يخالفونه أو يخرجون عن مظلته، في هذا البرنامج اكتشفنا أنياب وأظافر الإنسان البدائي الداخلي في المثقف العربي، الذي يناقض قوله في ممارساته البشعة، التي تذهل كل من تأمل تلك اللحظات من "البهدلة".

أشفقت فعلاً على جمانة نمور اللبنانية، وأدرك أنها كم كانت متماسكة وقوية وهادئة دون أن تنجح في إخفاء عثرتها الفعلية في كيفية أن تطرح لاحقاً أسئلتها، واتفهم بعدها لماذا مثلها كان عليه أن يغادر قناة الجزيرة بعد تراكم حالة التدخل والتعسف الإداري والمهني في القناة، التي مع قدوم عزمي بشارة لقطر باتت مستوطنة داخل مستوطنة، ولكنها هذه المرأة مستوطنة عربية الطابع والملامح والمواصفات.

ستدخل قناة الجزيرة في مآزق جديدة الواحدة بعد الأخرى بعد عام 2011، تخللتها استقالات عديدة أشرنا إليها، غير أن القناة كانت قبل تلك السنة قد راكمت لسنوات في داخلها الكثير من المساوئ، لم تنجح كل الإدارات تذليلها، فقد باتت الشللية والمحسوبية والبيروقراطية سرطان تلك المؤسسة، غير أن الربيع العربي لم يهز أنظمة سياسية وحسب، بل وعبرت رياحه لداخل استوديوهات قناة الجزيرة، فهي لن تكون بمعزل عن طوفان نوح، ولن تكون سفينته قادرة على البقاء في مكان قصي من الطوفان.

فماذا جلبت رياح الربيع لبيت العنكبوت وشبكات قناة الجزيرة؟ فقد تكشفت كل الأوراق عن توجهات ودور القناة الفعلية، وتحولت نظرة العالم نحوها مختلفة عن بداياتها البراقة المخادعة، نتيجة محدودية وعي وفكر الرأي العام البسيط، بل وخدعت نفر من المثقفين وجد فيها هوى في نفسه ولغاية في نفس يعقوب، حيث اعتلى منصة شاشتها كل طرف لديه خلاف وخصومة مع نظام بلده أو مع مجموعات معينة، فجاء ليفرّغ ما في جعبته، على شكل حوارات وبرامج يتم هندستها في مطبخ بيت العنكبوت.

في تلك اللحظة التاريخية من انعطاف الريح داخل ربيع تائه، أدرك عزمي بشارة أن مركز الأبحاث بحاجة لتنوع مشاريعه، وأن دولة قطر الصغيرة بقناة الجزيرة معرضة للغرق كسفينة نوح، وعليها أن تجد مستقراً جديداً لها وأدوات ووسائل تستكمل بقية ما يملك من مؤثرات سياسية وإعلامية، فكان عليها أن تعلن عن صدور جريدة يومية "العربي الجديد" وقناة تلفازية باسم "العربي"
 يتقدمها برنامج هام هو "العربي اليوم"، ليصبح عزمي بشارة الضيف الدائم والرفيق الطليعي لبث تجريبي للمحطة من بلد الضباب.

كان يدرك بشارة الانتهازي في داخله أن الضغوط التي تواجهها قطر منذ عام 2014 من دول مجلس التعاون، لن تتيح لها مستقبلاً التحدث بحرية حول كل المشاريع المتبقية في الأدراج، وفي أدراج غرفة بيت المستشار، ويدرك أن الضمانات الفعلية والعملية للمشروع النصف معلن لم تعد قناة الجزيرة قادرة على استكماله بمفردها، وإنما الحمل بات ثقيلاً وعليها بعد أن توحلت في الربيع العربي، وتعرت ملامحها بعد ضرورة إزالة المكياج الإعلامي الحقيقي عن وجهها.

ولكي يواصل الحاوي ألعابه فهو بحاجة لمسرح جديد مختلف واستمرار لقناة الجزيرة، فجاءت قناة العربي كجزء من مرحلة جديدة اقتضتها الظروف والتحولات الجديدة في الإقليم والعالم العربي، ولم يكن اختيار وتوقيت 25 يناير(كانون الثاني) عام 2015 كبداية لبث تلك القناة، خالياً من المعنى ففي منظور بشارة أن للثورة المصرية و25 يناير(كانون الثاني) دلالة على منعطف تاريخي عربي جديد.