السبت 26 يوليو 2014 / 00:01

كتب الهوانم في مكتبة روسيا الوطنية

إعداد: أحمد شافعي

في أعماق المكتبة الوطنية الروسية، تستقل مارينا تسنايخ المصعد المتداعي إلى الطابق التاسع. تسير مارة بأكوام تلو أكوام من الكتب الموضوعة في أقفاص معدنية، والرفوف لا تكاد ترى في الضوء الآتي خافتاً عبر شبابيك الزجاج المغبشة. يسمى هذا المكان بالـ سبتسخران spetskhran أو المجموعة المخزنية الخاصة، وهي مقبرة للكتب التي اعتبرت الدولة السوفييتية أنها "منطوية على ضرر أيديولوجي" فمنع الوصول عليها.

قبل الثورة كان من الصرعات الرائجة في أوساط الطبقة العليا جمع ما يعرف بـ "كتب الهوانم"، وهي نوعية من الكتب الفاجرة التي تكون مغلفة بالجلد وتنقش عليها العناوين بالذهبي البارز وتفتح على رسم بالحرير الصيني لاثنين متعانقين.

وتحمل الكتب أختاما قرمزية من الرقيب، هي عبارة عن أرقام مثل (170 و230) لا تزال معانيها خفية حتى على أمناء المكتبة.

تصل تسنايخ إلى قفص في ركن خلفي من الطابق، تدير المفتاح في قفل فينفتح الباب كاشفاً عن آلاف الكتب والرسومات واللوحات والصور والأفلام، وكلها بطريقة أو بأخرى تتناول موضوعاً واحداً: الجنس.

تلك الغرفة كانت من أسرار الاتحاد السوفييتي، ففي هذه المساحة من المكتبة الأساسية في البلد، المواجهة لمبنى الكرملين، ثمة كنز بورنوغرافي. أسسها البلاشفة مستودعاً لمقتنيات الأرستقراطيين الإيروتيكية، التي ظلت تزداد إلى أن احتوت اثني عشر ألف مادة من مختلف أنحاء العالم، تتراوح ما بين منحوتات يابانية من القرن الثامن عشر وروايات رومنتيكية من عهد [الرئيس الأمريكي] نيكسون.

وبرغم ابتعادها عن متناول الجمهور، بقيت المجموعة متاحة طول الوقت لكبار مسؤولي الحزب الذين قيل إن بعضهم تردد عليها. واليوم لم يعد الـ سبتسخران مفعلاً، ولكن المجموعة لم تزل سرية بطريقة ما؛ فليس هناك ثبت كامل بمحتوياتها، علاوة على أن كثيراً من موادها غير مدرج في كتالوغ المكتبة العام. تقول مارينا تسنايخ: "إننا رأينا أن نبقي عليها كما هي، ذكرى للزمن الذي أنشئت فيه".

مارينا تسنايخ التي تمر بين الأكوام في معطف وردي هي المشرفة الأساسية على المجموعة. التحقت بالعمل في المكتبة في الثمانينيات ولم تعرف بوجود المجموعة إلا في التسعينيات عندما كلفت بالمساعدة في نقلها إلى إدارة أخرى. فهل فوجئت بمحتواها؟ "نعم ولا"، تقول مارينا تسنايخ مضيفة أنها "كانت مجموعة خاصة. فعلمت أنه لا بد من شيء خاص محتفظ به هناك".

تبدأ قصة المجموعة في عشرينيات القرن العشرين، عندما قام البلاشفة بتحويل ما عرف يوما بمتحف رومايانستيف للفنون إلى المكتبة الوطنية. وما كادت "مكتبة لينين" تبدأ في جمع الآداب الجديدة، حتى أقامت أيضاً إدارة للكتب النادرة لتحتوي بالدرجة الأساسية ما تجري مصادرته من كتب من مكتبات النبلاء.

ومن أكثر المواد إدهاشا كتاب صودر من مالك مجهول عنوانه "الخطايا السبع القاتلة"، وهو كتاب ضخم الحجم نشره على نفقته الخاصة سنة 1918 فاسيلاف ماسايوتن الذي كان ينفذ رسومات كتب بوشكين وتشيخوف.

قبل الثورة كان من الصرعات الرائجة في أوساط الطبقة العليا جمع ما يعرف بـ "كتب الهوانم"، وهي نوعية من الكتب الفاجرة التي تكون مغلفة بالجلد وتنقش عليها العناوين بالذهبي البارز وتفتح على رسم بالحرير الصيني لاثنين متعانقين.

ولم تكن الإيروتيكا مقصورة على الطبقة العليا وحدها، بل امتد مستهلكوها إلى عامة الشعب، بحسب ما يتبين من كتيبات ترجع إلى العقد الثاني من القرن العشرين. أحد هذه الكتيبات يحمل عنوان "المكتبة الشقية" ويضم قصة من الديكاميرون الكلاسيكية الإيطالية التي ترجع إلى القرن الرابع عشر، وقصة أخرى عنوانها "استشارة" وسعرها خمسون كوبيك.

في الثلاثينيات، ازدادت السيطرة على الكتب مما أدى إلى إضافة آلاف الكتب الجديدة. فاتسعت الكتب التي تعد غير لائقة لتشمل كتباً سوفييتية في الجنس من عقود سابقة، عندما أبيح الإجهاض، ونادت ألكساندرا كولونتاي ـ أشهر النساء في حكومة البلاشفة، بتدمير الشكل التقليدي للأسرة ضمن حركة كانت تخضع لإشراف ستالين.

ولذلك ثمة إصدار من عام 1927 فيه استعراض للبحث العلمي المتعلق بآليات تنظيم النسل. وثمة عنوان آخر من السنة نفسها هو "جنح العلاقات الجنسية" محتوياً مخططات بمواضيع من قبيل "التركيبة الاجتماعية للمجرمين الجنسيين".

أكبر زيادة شهدتها المجموعة هي التي أضافها نيقولاي سكورودوموف الذي بدأ جمع الكتب وهو في المدرسة، ثم أصبح نائب مدير مكتبة جامعة موسكو. عاش الرجل حياة هادئة على المستوى الشخصي، متخذاً من خادمته زوجة، ولكن شهوته إلى الكتب كانت جارفة، واهتمامه كان كبيراً بالكتب الروسية النادرة والمقتنيات الأجنبية من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة. بل وأبعد من ذلك، ظل سكورودوموف يقتني الكتب حتى وفاته سنة 1947.

من كنوز سكورودوموف حقيبة تخطيطات ورسومات بالألوان المائية للفنان الطليعي العظيم ميخائيل لاريونوف رسمها في العقد الثاني من القرن العشرين ولا تزال صادمة إلى اليوم.

ولكن كيف أمكن لسكورودوموف أن يقتني مثل هذه المجموعة في زمن كان اقتناء عنوان أجنبي واحد فيه كفيل بإلقاء مقتنيه في السجن؟

أولا، كان حريصاً على أن يؤطر ذلك في سياق أيديولوجي شيوعي، فكان يتلقى وثائق من منظمات كثيرة تشهد بالقيمة العلمية لجهوده. وكان إيفان ييرماكوف مدير معهد التحليل النفسي أحد من أرسلوا إليه هذه الرسائل سنة 1926 قبيل فترة وجيزة من تفكيك معهده هو نفسه.

كتب ييرماكوف الذي كان أول من نشر كثيراً من أعمال فرويد في الروسية يقول إن "الجنسية تستوجب درساً علمياً جاداً وصارماً، لا سيما وأنها تلعب دوراً كبيراً في تطور الثقافة والحياة اليومية"، وأضاف أن من المهم الحفاظ على المجموعة بوصفها عملاً قيماً من الناحية الاجتماعية". وبمثل هذه الشهادات أمكن لسكورودوموف البقاء بمجموعته.

غير أن هناك نظرية أخرى. إذ يقال إن رئيس شرطة ستالين السرية غنريخ ياكودا كان مولعاً بالبورنوغرافيا، ويقال إنه كان يحتفظ بشقة مليئة بالدمى الجنسية، ويقال إنه كان يستمتع بمطالعة مجموعة سكورودوموف، وهو الذي كان يوفر له الحماية.

بعد وفاة سكورودوموف أغارت الكي جي بي على مجموعته. وبحسب رسالة مبعوثة من مدير المكتبة فاسيلي أوليشيف إلى مجلس الوزراء فإن الفحص كشف في شقة المتوفي عن قرابة أربعين ألف مادة من بينها 1763 كتاباً "ذا طبيعة إيروتيكية" وخمسة آلاف مجلة وكتيب "بورنوغرافي سوقي".

استولت الدولة السوفييتية على المجموعة في مقابل 14000 روبل دفعتها لأرملة سكورودوموف، وكان في وقته مبلغاً محترما من المال. ولاحظ أوليشيف أن المبلغ لم يشتمل على الإيروتيكا، بل كان ثمنا للكتب العادية فقط.

إذ أنه "لم يبد لائقاً أن تخصص المكتبة مبلغاً تدفعه لمواطنة [هي أرملة سكورودوموف] في مقابل أدب إيروتيكي، ومنشورات ومجلات، فهذا الأدب غير ذي قيمة علمية أو تاريخية لقراء المكتبة، كما أنه أثر مؤذ من آثار الأيديولوجية البورجوازية".

غير أنه لهذا السبب نفسه كان ضرورياً أن ترى المكتبة "من غير اللائق أن ترد أدباً له هذه الطبيعة المؤذية للمواطنة بوروفايا، إذ أن وجود هذه المجموعة في بيت مواطن يمثل خطراً غير هين".

أحدث ما أضيف إلى المجموعة كان في الستينيات والثمانينيات، وأغلبه عبارة عن كتب بالإنجليزية صودرت في الجمارك. تقول مارينا تسنايخ إنه "لم تكن هناك قواعد واضحة للمصادرة. فكانوا يصادرون كل ما يبدو لهم غير لائق".

وتحمل الكتب أختاما قرمزية من الرقيب، هي عبارة عن أرقام مثل (170 و230) لا تزال معانيها خفية حتى على أمناء المكتبة.

والنتيجة مجموعة عشوائية فيها صور للبيتلز، وكتاب مناهض للمثلية الجنسية، ونسخ إنجليزية مختلفة من الكاماسوترا، وكتاب لأعمال بيكاسو، وغير ذلك.

جوي نويمير

عن موسكو تايمز