الجمعة 1 أغسطس 2014 / 00:27

إماء موسكو

24- إعداد أحمد الشافعي

في الثلاثين من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2012، استطاعت جماعة من نشطاء المجتمع المدني في موسكو أن تحرر اثنتي عشر أمة من بقالية برودكتي يمتلكها الكازاخانيان زانسولو إستانبيكوفا وزوجها ساكن موداباييف. تقريباً كان جميع من تحرروا نساء من مدينة شايمكنت في كازاخستان، وهي مدينة إستانبيكوفا أيضاً. وكانت استانبيكوفا قد دعتهن على مراحل عديدة للعمل في متجرها بموسكو. وما كانت إحداهن تصل إلا وتجرد من جواز سفرها وترغم على العمل لعشرين ساعة في اليوم دونما أجر. كن يتغذين على الخضروات العفنة ويتعرضن للضرب والاغتصا

"بوتين في خطبة له قال إن حجم الأموال المتداولة في تجارة العبيد يصل إلى 200 مليون دولار سنوياً. وبحسب الأمم المتحدة فإن في روسيا ما بين خمسمائة ألف إلى مليوني عبد".

ظلت تازينار آشيروفا ـ والدة إحدى الإماء وتدعى زارينا ـ تحاول تحرير ابنتها لسنين عديدة، ولكنها عجزت عن إقناع الشرطة بفتح تحقيق جنائي في بلدها كازاخستان، فلجأت إلى إدارة الشرطة في منطقة جوليانوفو بموسكو. وكانت الشرطة على علم بما يجري في المتجر ودأبت على التردد على إستانبيكوفا لتلقى الرشاوى منها بحسب ما تروى الإماء السابقات، بل وكانت الشرطة تعيد الآبقات منهن إلى سيدتهن. ولما أدركت تازينار أنها لن تستعيد ابنتها بالطرق القانونية، لجأت إلى النشطاء في حركة البديل Alternativa الذين نجحوا في تحرير الإماء من خلال غارة مفاجئة على المتجر.

وعلاوة على زانسولو، من المعتقد أن شقيقتيها أيضاً كانتا متورطتين في ذلك الاسترقاق، فلقد كان لكل منهن عدد من متاجر البقالة التي ازدهر فيها الاسترقاق على مدار ربع القرن الأخير أو نحو ذلك. كما أن شقيقة زانسولو الكبرى، وتدعى شولبان، أدينت في عام 2002 بالتعذيب. ولكن الرئيس بوتين أصدر عفوا عنها في عام 2003 لاعتبارات "إنسانية".

في نوفمبر 2012، ووجهت إستانبيكوفا ومزدايباييف بتهمة احتجاز أشخاص دون وجه حق، ولكن القضية المرفوعة ضدهما ألغيت باعتبارها "لا تستند إلى أساس قانوني"، فأعادا فتح متجر برودكتي في مطلع السنة الجديدة واستأجرا أخريات للعمل هناك.
***

مقدمة
الاستعباد الحديث يثير اهتمامي منذ زمن بعيد. وبعد أن قرأت على الإنترنت مقالة عن تحرير إماء برودكتي اتصلت بلجنة المساعدة المدنية وعرضت خدماتي كفنانة في القضية المقامة ضد المستعبدين لدى زانسولو إستانبيكوفا وزوجها ساكن مزدايباييف. وأطلعتني عضو اللجنة أناستاسيا دينيسوفا على أحدث الأخبار. كان ينبغي إجراء مواجهات بين الإماء وسيديهن السابقين في إدارة التحقيق بقسم شرطة بريوبرازنسكوي، ولكن الشرطة حاولت بدلاً من ذلك أن تلفق للضحايا تهمة تستوجب العقاب ـ هي الإقامة غير الشرعية ـ للإسراع بترحيلهن إلى كازاخستان وأوزباكستان. وأوشكت إحداهن في تلك الفترة على فقدان جنينها الذي كان في شهره الخامس. فأمكن للنشطاء والمحامين إخراجهن جميعاً من إدارة التحقيقات ونقلهن إلى المستشفى.

بعدما سمعت القصة اتجهت إلى المستشفى، وهناك التقيت بـ ليلى وموتابار.

ليلى، من أوزباكستان، في السادسة والعشرين من العمر. ست سنين منها ضاعت في العبودية.

كان متطوع هو الذي يحرس الشابات، الإماء السابقات، اللاتي نقلن من المستشفى إلى مكتبة لجنة المساعدة المدنية. كانت الريح في الخارج تعصف بشدة على الرغم من سترتي الجلدية، ولكن ليلى الحبلى خطت إلى الرصيف المغطى بالصقيع مرتدية معطف ريح، بلا قبعة، ولا قفاز. تشبثت بي خشية السقوط، وطلباً للدفء بطريقة ما. تناولت النسوة الجائعات وجبة سريعة في مترو إكسبريس.

باكيا
باكيا في الرابعة والثلاثين، لكنها تبدو كما لو كانت في الأربعين. قضت في العبودية عشر سنين تعرضت فيها كل يوم للضرب على الرأس والكليتين. انخلعت سنتها الأمامية، وانكسرت أصابعها، وانقطعت أذناها.

ابنها باورزان في الخامسة من عمره، لكن يبدو وكأنه ابن سنتين. يعاني من صعوبة في المشي، وقفصه الصدري مشوه. لم ير باورزان العالم إلا بعد إطلاق سراح النساء: كان لا يزال يوضع على القصرية، وأرجع الأطباء ذلك إلى تقييده طوال حياته. يتكلم باروزان كثيراً، لكن لا أحد يعرف اللغة، فلعله اخترعها بنفسه. كانت أمه تراه مرة كل ستة أشهر لمدة نصف ساعة. وأنجبت باكيا ابنة أيضاً وهي في الأسر كانت لتبلغ السابعة من عمرها الآن. قالت لها زانسولو إستانبيكوفا إن الفتاة ماتت. لكن باكيا تظن أن الفتاة حية وأنها بيعت في كازاخستان.

قالت باكيا إن برودكتي كان فيه ما لا يقل عن ثلاثين كاميرا مراقبة ولم يكن مسموحا للإماء بالتجول خارج نطاق الكاميرات. كن ممنوعات من الحديث معا. وكان يوم العمل يبدأ في السادسة صباحا ويمتد إلى وقت متأخر من الليل.

كن كثيرا ما يتعرضن للضرب حتى يفقدن الوعي، وأحيانا كان الضرب يستمر حتى بعد ذلك. كانت الرئيسة تقول "لن أهدأ حتى أرى دما". كان للمالكين أربعة أبناء غالبا ما كانوا يحضرون الضرب. وبدأ أولئك المراهقون يضربون "ممتلكاتهم" فيلقون تشجيع أبويهم على ذلك. وكان الملاك يجعلون الإماء يشين ببعضهن البعض. تقول باكيا إنها كانت ترفض لعب دور العصفورة، وتغلق فمها أثناء الضرب، وتحاول المقاومة.

وكان بالمتجر نظام للاستدراج ـ حيث الإماء يجرجرن أرجل قريباتهن إلى العبودية ـ نظير تيسير عيشهن. ولكن باكيا لم تدع أحدا إلى "كسب نقود جيدة".

تمكنت باكيا مرة من الهرب. نامت في بئر السلم لمدة ثلاثة أيام قبل أن تخرج، تصادفها إحدى زبائن برودكتي المنتظمات. حكت باكيا للمرأة حكايتها واستجدت منها المساعدة. فاصطحبتها المرأة إلى بيتها واستمهلتها بعض الوقت. وبعد قليل رجعت ومعها زانسولو إستانبيكوفا. أقسمت زانسولو أنها ستعوض باكيا عن عملها العبودي وأنها سوف تشتري لها سيارة. لا أعرف إن كانت باكيا صدقتها أم لا، ولكنها تذكرت ابنها المرتهن عندهم فرجعت إلى المتجر. وفي المتجر طبعاً، عوقبت على هروبها، واستؤنف كل شيء مثلما كان.

اكتشف النشطاء المنخرطون في القضية أن لإستانبيكوفا وضعاً اجتماعياً رفيعاً إلى حد ما، وأن لها علاقات بمسؤولين في الحكومة والشرطة. فحينما نجحت أمة قبل سنوات عديدة في الفرار والهروب بعيدا إلى مقر شرطة موسكو في شارع بتروفكا، أعيدت من هناك إلى مالكيها.

تنتمي باكيا إلى أسرة كازاخية فقيرة وكبيرة تعيش في أوزباكستان. وقبل سنوات عديدة، اتصلت إحدى إماء إستانبيكوفا الهاربات وأبلغت تومار، والدة باكيا، أن ابنتها مستعبدة. اتصلت تومار بالشرطة، لكنهم رفضوا إجراء تحقيق. وفي تلك المرة عجزت أن تدبر المال اللازم لتذكرة إلى موسكو.

موتابار
موتابار مسلمة، وتعلق في بعض الأحيان سلسلة بعلبة فيها مصحف، تخرجت في باكستان من مدرسة للمسرح، وكذلك في معهد ديني درست اللغة العربية.

موتابار تخشى أن تخطفها الشرطة وتعيدها إلى "مالكيها".

في لجنة المساعدة المدنية، تتعرف موتابار على أقارب إستانبيكوفا المتورطين في قضية الاستعباد.

تختلف قصة موتابار عن بلايا بقية الإماء المحررات.

فموتابار مغنية ناشئة من أوزباكستان. وزانسولو إستانبيكوفا وجهت لها دعوة شخصية للمجيء إلى موسكو لـ "الظهور في فيديو"، فابتهجت موتابار وقبلت العرض على الفور. ووصلت موسكو وهي لا تعرف الروسية، ولا تعرف موطئ خطواتها في المدينة.

عندما وصلت إلى برودكتي، قيل لها إنه لا فيديو هناك ولا يحزنون، وصودر كل ما كان بحوزتها، بما في ذلك جواز سفرها، وهاتفها، والكمبيوتر الشخصي.

سرَّبت زانسولو إستانبيكوفا لبقية الإماء أنها تخطط لبيع موتابار أمةً جنسية للعرب مقابل نقود جيدة. ولم تتعطل الصفقة إلا بعد أن تدخل النشطاء اللذين حرروا النساء. رأيت صوراً التقطت في شقة والدة إستانبيكوفا. شقة مجددة لكنها ليست شديدة الفخامة. وكان للزوجين إستانبيكوفا كثير من مثل هذه الشقة في موسكو وشايمكنت، كما أن لزانسولو قصراً في حي راق بشايمكنت.

إستانبيكوفا العجوز تبلغ من العمر مائة عام، وكانوا يرسلون إليها بعض من يولدون للإماء فيعملون خدما لديها.

عائلة ليلى
هذا هو بخيت، ابن ليلى، الذي ولد في الأسر. اسمه يعني "السعادة" [happiness]. عمره ست سنين. أخذت إستانبيكوفا أخته، المولودة أيضا في الأسر، إلى كازاخستان، وقالت لليلى بعد فترة إن البنت قتلت.

قالت إن "بقرة نطحتها فماتت".

ترك بخيت الحياة في متجر برودكتي. صار أشبه بلعبة لابن الملاك الذي كان في مثل سنه. وفي الأوقات التي لا يسلي فيها الولد كان عليه أن يعمل في تعبئة الأكياس أو حمل البضائع، أو نقل الرسائل للرئيسة. وحينما كان يخطئ كانت زانسولو إستانبيكوفا تضرب رأسه هي أو زوجها في الجدار أو في الخزينة الحديدية. فكانت في رأس الصبي ندوب من أثر الضرب على يد سيديه. وكان بخيت يرى أمه ليلى كل ليلة لكن كان محظوراً عليه أن يكلمها.

وعند تحرير النساء اختطفت إستانبيكوفا بخيت وغيره من أولاد الإماء، لكنها خوفاً من الصحافة تركتهم في محطة القطار. بخيت الآن لا يريد شيئاً إلا أن يشاهد الكارتون طول اليوم. تقول ليلى إن الولد بدأ يبتسم، وبدأ يلعب في بعض الأحيان.

في 2011 تزوجت ليلى من سيلخام. كان قد جاء من كازاخستان ليعمل لبعض أقرباء إستانبيكوفا وتصادف أن قابل ليلى. ولما لاحظت إستانبيكوفا أن ليلى معجبة فعلاً بسيلخام دعته أن يكون سائقاً للمتجر ويقيم في القبو مع ليلى وغيرها من الإماء. وقبل سيلخام العرض. وخلافاً لبقية العمال، كان يحصل على مرتب ولا يتعرض للضرب، فقد كان بحكم مهنته قادراً على الهرب.

ليلى الآن حامل في الشهر السابع. وتبين من الكشف بالأشعة أن الحمل لا يزال بخير، على الرغم مما تعرضت له ليلى من ضرب مستمر. تعتقد ليلى أن إستانبيكوفا كانت تخطط لبقائها هي وزوجها في المتجر حتى شيخوختهما أو موتهما ثم استعباد أبنائهما من بعد. ولم تفكر ليلى مطلقا في الهرب، خوفاً على ولدها، وعجزاً عن مفارقته.

قالت ليلى إن زانسولو إستانبيكوفا أصلاً من أسرة فقيرة. وقالت أخريات من الإماء المحررات إنها بدأت مسيرتها الإجرامية بإدارة بيوت للدعارة في كازاخستان. سلطنة Saltanat فقط، وهي قريبة لزوج زانسولو إستانبيكوفا استعبدتها الأخيرة سبعة عشر عاماً، وهي التي كانت تعرف عنها كل كبيرة وصغيرة. تخلت سلطنة عن ولدين أنجبتهما في العبودية وهربت قبيل تحرير من عُرفن بإماء جولايانوفو. وقالت بقية الإماء المحررات إنها وعدت بإنقاذهن والبقاء على اتصال بهن.

لكن ذلك لم يحدث، وتصورت الإماء أنهم أمسكوا سلطنة وقتلوها باعتبارها شاهدة شديدة الخطورة. علاوة على أنها لم تكن ذات نفع يذكر في المتجر. يصف سيلخام وليلى وضعها: شعرها تساقط، ساقها محمرتان دوماً من أثر الضرب ("ظننا في البداية أنها ترتدي بنطالاً وردياً ضيقاً")، وفي ساقيها أيضا تكتلات كثيراً ما ينبجس الدم منها.

لم تتلق أسيل، ابنة سلطنة، أي قدر من التعليم. وعملت خادمة في بيت والدة إستانبيكوفا منذ طفولتها، مما يعني أنها كانت تمثل الجيل الثاني من الإماء ولم تكن تتخيل كيف يمكن أن تكون الحياة بدون سيدة.

زارينا وتازينار
زارينا ابنة أخت ليلى. كانت ليلى من أوليات من استعبدهن آل إستانبيكوف. وبعد أربع سنوات أرغمتها زانسولو على دعوة قريبة إلى موسكو عبر مزيج من المكر والضرب والتهديد ـ وهو الأهم ـ بالتفريق بينها وبين ولدها الرضيع بخيت. قيل لزارينا ذات الأربع عشرة سنة إنها سوف تعمل في برودكتي في إجازة الصيف فقط، ثم انتهى الحال بالفتاة إلى ست سنين من العبودية.


ولدت زارين في أوزباكستان لأسرة كازاخية. بعد وفاة زوجها، انتقلت تازينار، والدة زارينا، بأبنائها الأربعة إلى شايمكنت ضمن برنامج لإعادة الكازاخ إلى كازاخستان، ولم يكن ذلك سهلا عليها، فقد كان عليها أن تستأجر شقة، وأن تعمل في المعمار. لم يكن هناك نقود مطلقاً، وزارينا كانت الابنة الكبرى فأرادت أن تساعد أمها، فبجانب الإيجار كانت هناك شقيقات لا بد من إطعامهن.

استطاعت تازينار أن تعرف موقع المتجر. فأوكلت محامياً في كازاخستان تبين أنه سمع بزانسولو إستانبيكوفا، فقد هربت إماء كثيرات وحاولن بلا جدوى أن يوجهن اتهامات إليها. وفشلت تازينار مثلهن في إدانة زانسولو إستانبيكوفا. وتعتقد هي ومحاميها ومدعون آخرون أن عشيق زانسولو وراعيها بالباييف خيرت، المدعي العام السابق والرئيس الحالي لإدارة الجمارك في كازخستان هو الذي ساعد في إماتة القضايا.

حينما أدركت زانسولو إستانبيكوفا أن تازينار لن يوقفها شيء عن استرداد ابنتها قررت أن تقيم مصاهرة بين الأسرتين. فأرغمت زارينا على الزواج من ابن أختها (الذي هجر زوجته وابنيه في كازاخستان). ولد نورسلطان Nursultan من هذه الزيجة. وخوفاً من الحملة الإعلامية التي أعقبت قضية إماء برودكتي، لاذ الزوج بالفرار. رفضت زارينا أن تتكلم عن وقائع العنف في حضور الأخريات. والأخريات أيضاً لم يحكين عن ذلك للمحامية إلا على انفراد.

قالت النساء إن أفراداً من الشرطة كانوا يزورون المتجر بانتظام، وكانوا يحصلون بأوامر من إستانبيكوفا على نقود: كان شرطياً يدعى ناصف يحصل على 10000 روبل في كل مرة، وشرطية اسمها ديما تحصل على 15000 روبل (قرابة 300 و450 دولار على الترتيب).

النظام
في الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) سنة 2012 أقيم مؤتمر صحفي عنوانه "قضية الإماء المحررات: تطورات قضية ضحايا ملاك العبيد الجدد" وذلك في مركز الصحافة المستقلة بموسكو.

خلال المؤتمر الصحفي، أكدت سفيتلانا جانوشكينا رئيسة لجنة المساعدة المدنية مراراً على حقيقة أن الإماء اللاتي كان يمتلكهن آل إستانبيكوف يمثلن قضية عادية في نظام فاعل لملكية العبيد والاتجار فيهم في روسيا: "نظام كامل قائم، وفاعل، والتحقيق فيه يمكن أن يمضي بنا إلى بعيد".

في تلك اللحظة، لم يكن منخرطا في تلك التحقيقات الخطرة إلا نشطاء لجنة المساعدة المدنية وبعض الصحفيين. أما مكتب المدعي العام فرفض اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد زانسولو إستانبيكوفا وزوجها ساكن موزدايباييف معتبراً كل الاتهامات "مفتقرة إلى السند القانوني".

وقالت سفيتلانا جانوشكينا للصحفيين "إن العاملين في اللجنة تعرضوا لتهديد من مكتب المدعي العام: قيل لنا ابتعدوا عن هذه القضية".
كان من الجوانب المثيرة في المؤتمر الصحفي حوار عبر سكايب مع إماء زانار إستانبيكوفا السابقات. زانار هي الأخت الوسطى، وهي لا تختلف في شيء عن شولبان وزانسولو. حررت الإماء الهاربات شكوى مكتوبة ضد زانار، وسرعان ما فهمن أن عائلة إستانبيكوف ذات سلطة مطلقة في شايمكنت، وأنه لا جدوى من مقاومتها.

تلقى النساء حالياً مساعدة منظمة "سنا سيزيم" لحقوق الإنسان في كازاخستان.

مارست زانسولو إستانبيكوفا ضغوطاً هائلة على الضحايا وأقاربهن، مراوحة بين الوعيد والوعد بنقود وشقق وسيارات ويخوت وغيرها. وفي الوقت نفسه ظهرت في حوار مع القناة 31 في التليفزيون الكازاخي قالت فيه إن ليلى وباكيا وغيرهما من الموظفات السابقات في المتجر يحاولن ابتزاز أموالها.

تكلمت قليلا مع ليلى وباكيا بعد المؤتمر الصحفي. سألتهما إن كانت أمورهن تسير على ما يرام في موسكو. قالت ليلى "نعم. نذهب إلى المستشفى كل يوم".

في الرابع والعشرين من نوفمبر، قدم Theater.doc شهادة مسرحية عنوانها "تحرير الإماء العاملات المهاجرات من متجر برودكتي" ضمن فعالية عنوانها "يوم المهاجرين". وفي الفعالية تكلم دانيلا ميدفيديف الناشط في حركة ترانسهيوامنيست الحقوقية كثيراً. لفت انتباه الجمهور إلى حقيقة أنه من السهل للغاية أن يقع المرء في شرك العبودية لا في آسيا الوسطى فقط، بل وفي روسيا أيضاً. وتكلم بالأرقام: "بوتين في خطبة له قال إن حجم الأموال المتداولة في تجارة العبيد يصل إلى 200 مليون دولار سنوياً. وبحسب الأمم المتحدة فإن في روسيا ما بين خمسمائة ألف إلى مليوني عبد". يعتقد دانيلا أنه في حال مقاضاة إستانبيكوفا واستمرار الضجة الإعلامية فإن هناك فرصة لتوسيع نطاق مكافحة تجارة العبيد في روسيا".

كان أوليج ميلنكوف هو المنظم الأساسي لعملية تحرير الإماء. يعتبر نفسه قومياً مدنياً، بمعنى أنه يعتقد أن جميع مواطني الاتحاد الروسي، وليس المنتمين فقط إلى العرق الروسي، ينبغي أن يحصلوا على قدر من حقوق الإنسان يفوق الأجانب. ويقول ميلنكوف إن أصدقاءه القوميين الذين يلومونه لأنه أنقذ الإماء غير الروسيات من برودكتي ينبغي أن يسافروا معه لإنقاذ العبيد الروس من داغستان. يقول أوليج "وحتى الآن لم يذهب أحد. الناس يبحثون عن مبرر لئلا يفعلوا أي شيء".

سألت أوليج كيف جاءت علاقته بالعمال المهاجرين في روسيا. فأجابني: "ثمة إفراط في حالات القتل بين المهاجرين في روسيا"، ويضيف مازحا "وبفضلي رجع قرابة عشرة من العمال المحررين إلى أوطانهم".

قبل الإجازات
لبدء الإجراءات الجنائية ضد ملاك العبيد، كان على بعض الضحايا أن يبقين مقيمات في موسكو. أقامت ليلى وأسرتها في شقة مستأجرة. وباكيا وباورزان في نزل صغير.

عشية ليلة إجازات رأس السنة، قررت أنا وبعض الأصدقاء أن نصطحب باكيا وباورزان إلى مطعم بيتزا، لأنهما كانا لا يكادان يخرجان ولا يتواصلان مع الناس إلا لماماً. وعلى مدار شهرين لها في الحرية لم تر باكيا إلا الساحة الحمراء، ولم تستكشف أكثر من الطريق من مخبئها إلى المستشفى الذي يجرون فيه الاختبارات لباورزان. فما دامت إستانبيكوفا حرة، يبقى الخطر طليقاً.

باورزان لا يشرب غير الشاي. لا يزال يرفض الطعام إلا منتجات الألبان. وبعد النظر في جميع أباريق الشاي على المنضدة ولمس الشاي في فنجانه بأصابعه، مضى الولد يستشكف الفضاء الجديد، والآن وبعدما انفك قيده الدائم بات من المستحيل حمله على الهدوء. فتنته كذلك زينة السنة الجديدة، وسمحت له إحدى النادلات بخلع مصباح بلاستكي أحمر من شجرة عيد الميلاد. ومضى الولد على الفور يلعب كرة القدم للمرة الأولى في حياته بين الموائد.

كان كثير من رواد المطعم يختلسون النظر إلى الولد المهاجر الذي كان في لعبه "الكرة" شيء من الغرابة. كان باورزان يضحك فيعلو ضحكه ثم بلا سبب ظاهر يتغير تعبير وجهه فيعبس ويوشك الدمع أن ينهمر من عينيه فيلتفت إلى أمه ويتشبث بها. وعند لحظة وقع المصباح على السلم فزحف الولد نازلا السلم. المشي يؤلمه، ويؤلمه أكثر السلم، فقد انكسرت ساقاه وهو في العبودية ثم لم تلتئم عظامهما بطريقة سليمة.

واضح تماماً أن وزن باكيا ازداد قليلا وأن وجهها يبدو أكثر نضارة. لا تكاد تشبه الذابلة المنهكة التي رأيتها في أول نوفمبر. تمزح، وتضحك، غير خجلة من فمها ذي السنة المخلوعة.

وباكيا تحلم: "سأعمل كثيراً. وسوف أرسل باورزان إلى أمي في أوزباكستان، وسأرسل إليهما النقود. وأريد أن أرى العالم، أن أذهب إلى باريس، وأمريكا. لا بد أن ترى الواحدة كل شيء في الدنيا!".

كنا نبتسم في خجل ونحن ننصت إلى باكيا. ففي ظل النظام القائم، لا مصير للعمال المهاجرين إلا العبودية في أحد أشكالها، وليس السفر إلى باريس.

بعد سويعات، كان عليَّ أنا وأصحابي أن نسارع إلى لقاءات أخرى. لم تشأ باكيا أن تذهب. أرادت أن تذهب لترقص، أو إلى أي مكان آخر. لبس باورزان الشقي السترة التي تبرع له بها بعض النشطاء. وقام الحارس المتطوع الذي يرافق الأم وابنها كلما خرجا من المخبأ فحمل الصبي ليمضي به. وقلنا إلى اللقاء.

*نشرت فكتوريا لوماسكو هذا الريبورتاج بعنوان "إماء متجر برودكتي للبقالة في موسكو" عبر حلقات عديدة في نوفمبر وديسمبر 2012 عبر مدونتها. والنسخة المحررة والمنقحة المترجمة هنا نشرت في صحيفة فوليا الروسية في 19 يناير 2013.

الترجمة العربية مأخوذة عن ترجمة توماس كامبر إلى اللغة الإنجليزية المنشورة في وردز ويذاوت بوردرز [كلمات بلا حدود] في عدد يونيو 2014.