الجمعة 29 أغسطس 2014 / 11:09

حرصاً على إنسانيتنا أولاً



شريط الفيديو الذي نشره تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش سابقاً) حول الاستيلاء على مطار الطبقة العسكري السوري، يستحق توقفاً وتدقيقاً لما يحمله من تكثيف للقيم والأفكار التي تستظل الجماعة هذه بظلها والتي ستنشرها كلما أتيح لها.

الفيديو الذي يحمل عنوان "فشرد بهم من خلفهم" يصور احتلال مسلحي "الدولة" للمطار ويركز على عمليات قتل الجنود الأسرى، بالرصاص وذبحاً ثم دحرجة رؤوسهم وسط الشتائم التي يكيلها المنتصرون للموتى. العنوان مأخوذ من سورة "الأنفال" التي يلجأ الجهاديون كثيراً إليها لأسباب معروفة.

ويظهر في الفيديو مسؤول عسكري يشرح بعربية محطمة خطة التقدم إلى مدخل المطار بعد أن يقتحمها جهاديان. ثم يظهر واحد من هذين في العربة المفخخة يتحدث عن الجنة التي تنتظر المجاهدين قبل أن تظهر صورة انفجار ضخم تبعه تقدم عربات المسلحين الذين يبادرون إلى إطلاق النار على رتل من الجنود الفارين الذين يقعون أرضاً واحداً بعد الآخر.

ويُشاهد جنود سوريون موثوقي الأيدي يقول واحد منهم إنهم سيمحون دولة الإسلام فيعالجه المسلح الداعشي بطلقات عدة. ثم يتنقل المصور بين جثث بعضها مقطوع الرأس ويصل إلى مجموعة تجز عنق أحد الأسرى، فيما يتابع المصور إطلاق الشتائم على "النصيريين". ويوضح مسلح أن بعض الجنود اختبأ بين أكوام من التبن فجرى "دعسهم" بالعربات المدرعة. ويمضي الشريط على هذا المنوال من عرض الفظائع على خلفية من الأناشيد التي تحفز المجاهدين على طلب الشهادة.

للمشاهد المسلم العادي أن يقول إن قتل الاسرى والتمثيل بالجثث على هذا النحو يخالف مخالفة صريحة أبسط التعاليم الاسلامية ومنها الخطبة الشهيرة للخليفة الأول أبي بكر الصديق التي خاطب فيها الجنود المتوجهين إلى الفتوحات. وله أن يرى في الشريط ما يتجاوز في فظاعته بعض مقاطع الفيديو التي نشرها النظام السوري وحليفه "حزب الله" وخصوصاً الشريط الذي يُنزل فيه مسلحو الحزب جرحى المعارضة السورية من سيارة إسعاف ويقتلونهم رمياً بالرصاص أثناء معركة القصير في صيف العام الماضي، إضافة طبعاً إلى عشرات المقاطع عن قتل الجنود السوريين لأسراهم ولمدنيين لا ناقة لهم ولا جمل. وللمشاهد، سواء كان مسلماً أم غير مسلم أن يرى فيه انتهاكاً فظاً لكل المواثيق والأعراف الدولية ومنها القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وخصوصاً الرابعة.

لا كبير معنى للقول إننا أمام همجيتين تتقاتلان بذات الأساليب التي تستبيح كل شيء وخصوصاً الكرامة الانسانية ومعنى الحياة البشرية ذاته. وبتنا أمام درجة من "العادية" في استعراض الوحشية وتعميمها وجعلها من ضمن الممارسات "السياسية" اليومية التي يفترض أن نسلّم بها وبحق مجاهدي كافة الأطراف بارتكابها من دون محاسبة ولا حتى مجرد استنكار.

وغني عن البيان أن الصدمة التي أحدثها الفيديو الذي يجري فيه ذبح الصحافي الأمريكي جيمس فولي في الغرب، لم تشهد المنطقة مثلها حيال أشرطة ذبح الأسرى والتنكيل بالجثث وصور المذابح الرهيبة في داريا والغوطة والحولا والبيضا ودير الزور وغيرها وقتلهم في سوريا من قوات النظام أتباعه وعلى أيدي مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة".

في هذه الجولة من التناحر، يصعب الجزم في أول من عمم مشاهد القتل وعرض الرؤوس وتجميعها ودحرجتها بالأقدام، رغم أنها ممارسة شائعة في كل الحروب منذ فجر التاريخ. لكن المشكلة هو تراجع الحساسية العامة في بلداننا بإزاء هذه المشاهد بل توسل البعض لتبريرات تقوم على إلقاء اللوم على الطرف المقابل في بدء هذه الأعمال واستغلالها إعلامياً لبث الرعب في صفوف الخصوم، من جهة وللتأكيد على لامبالاته بحياة عسكريي ومدنيي الطرف المقابل.

وقد لا يسمح عنف المواجهات التي تدور في المنطقة والتناقضات العميقة التي انفجرت بترف المطالبة بالالتزام بأخلاقيات الحرب واحترام حياة المدنيين والأسرى من العسكريين. فقد خرجت أسوأ الوحوش من أقفاصها وباتت هي سيدة الساحة ولعلها ستظل كذلك ردحاً طويلاً من الزمن.

لكن، في المقابل، يتعين اعتبار الحفاظ على إنسانية الإنسان العربي قيمة عليا ومهمة رئيسة، والتذكير دائما أن الثورات العربية انما بدأت كثورات لاسترجاع الكرامة الإنسانية من أيدي الطغاة وأنظمة الاستبداد، وليس لاستبدال مجرمين بآخرين من صنفهم، سيان رفعوا راية الدين أو العلمانية أو التحرير أو المقاومة وكل ما بين هذه الشعارات التي فقدت مضامينها.