الإثنين 1 سبتمبر 2014 / 20:57

نصر أم هزيمة في حرب غزة!



من السابق لأوانه الكلام عن النصر أو الهزيمة في حرب غزة، ما لم يُترجم كلاهما إلى نتائج سياسية ملموسة، وبعيدة المدى. وهذا يحتاج إلى وقت من ناحية، ويعتمد على كفاءة، أو عدم كفاءة، اللاعبين الأساسيين في التعامل مع ما تحقق، أو لم يتحقق، في الميدان، من ناحية ثانية.

مع ذلك، ليس من السابق لأوانه استخلاص انطباعات عامة، يُكرّس بعضها ما كان سائداً قبل القتال. فقد تجلت فيما رافق القتال من حراك ومبادرات في الإقليم والعالم، حقيقة أن حماس لا تملك ما يكفي من الحلفاء، لتكريسها مُخاطِباً ومُخاطَباً، في كل ما يتصل "بالحرب والسلام" حتى في غزة.

ويعود الفضل في هذا لثبات الموقف المصري، في وجه المحاولة التركية ـ القطرية الرامية لتهميش السلطة، ومنظمة التحرير، وتجريد مصر من دور فرضته عليها الجغرافيا، وضرورات أمنها القومي، ومسؤوليتها القومية.

خلقت تداعيات القتال، وصلابة الموقف المصري، علاوة على تمثيل الفلسطينيين في القاهرة بوفد "موّحد"، ما يُمكن إذا ما استُثمر جيداً أن يعيد الاعتبار لفكرة أن مصير غزة لا ينفصل عن مصير الضفة الغربية، وأن كل مشروع لرفع الحصار المفروض على غزة، مع كل ما ينطوي عليه من تفاصيل، لا ينفصل عن ضرورة البحث عن حل للمسألة الفلسطينية نفسها، ولا يمكن تحقيقه دون أو على حساب السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، لأسباب إقليمية ودولية يصعب حصرها.

بيد أن ظروف القتال خلقت، أيضاً، وضعاً يعيد التذكير بالحالة اللبنانية. فبعد المجابهة بين حزب الله وإسرائيل، في جنوب لبنان، في العام 2006، بقدر ما حصد حزب الله من رأس المال السياسي والمعنوي في لبنان وخارجه، إلا أنه جوبه برفض قطاعات واسعة من اللبنانيين لحقه في احتكار قرار الحرب والسلم، الذي يجب أن يكون في يد الدولة التي تمثل اللبنانيين كلهم، لا في يد ميليشيا مسلحة.

وقد عبّرت أوساط فلسطينية مختلفة، شعبية ورسمية، في الآونة الأخيرة، عن موقف كهذا. ومن المرجّح أن يتجلى هذا الأمر بصورة أكثر حدة ووضوحاً في أيام قادمة نشهد فيها اتهامات متبادلة. وفي كل الأحوال، لا تنطوي إعادة إنتاج الحالة اللبنانية، وإن يكن بلغة وألوان محلية، على احتمال أكثر من الشلل السياسي، وتعطيل كل ما يمكن البناء عليه، ويعود بالمصلحة العامة على الفلسطينيين في غزة بالدرجة الأولى.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بالإسرائيليين، الذين أعلنوا صراحة قبل بدء القتال أنهم لا يريدون الإطاحة بحكم حماس في غزة، فإن التوصل إلى وضع يشبه الوضع السائد على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية يمثل نجاحاً لمبدأ الردع، الذي يعني، في نظرهم، التهديد بتدمير البنية التحتية. والواقع أن تسعين في المائة من عملياتهم في قطاع غزة استهدفت البنية التحتية المدنية.

واللافت للنظر، قصفهم في الأيام التي سبقت وقف إطلاق النار للأبراج السكنية العالية بشكل خاص، في رسالة لم يفشل كبار أصحاب العقارات، والتجّار في غزة، ولا قادة حماس هناك، في إدراك معانيها. وإذا وضعنا في الاعتبار أن غزة ستصبح مكاناً لا يصلح للعيش خلال عقود قليلة، إذا استمرت الحال على ما هي عليه، سيتضح الثمن المُرعب لسياسة تدمير البنية التحتية.

وعلى الرغم من الرضوخ، مؤقتاً، لضغوطات إقليمية ودولية سعت في الآونة الأخيرة، وخلال فترة القتال بشكل خاص، لتكريس دور قادم للسلطة الفلسطينية، وحكومة التوافق الوطني في قطاع غزة، إلا أن قبول الإسرائيليين لواقع كهذا يبدو، في أفضل الأحوال، ملتبساً ومحط شكوك كثيرة. فقد كان الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يزال، في قلب استراتيجيتهم السياسية والأمنية.

لذا، يمكن العثور على سر استراتيجيتهم إزاء غزة، وما إذا كانت قد تحوّلت بعد القتال، أو ما تزال عل حالها، في مدى ما يبدونه من مرونة أو تشدد في موضوع عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وإعادة الصلة بينها وبين الضفة الغربية.

استناداً إلى كل ما تقدّم يمكن الكلام عن المعاني السياسية، بعيدة المدى، للنصر أو الهزيمة، فكلاهما لا يحتمل، في السياسة (بالمعنى الكبير للكلمة)، لا البلاغة، ولا كفاءة التعليل والتأويل.