الأحد 21 سبتمبر 2014 / 09:47

تخريب برمجة الروح المصرية



ما الذي حدث لـ"برمجة" روح المواطن المصري في الشهور الأخيرة؟! كيف تم العبثُ بها حتى تخرّبتْ وصار المصريُّ قاسيًا منزوع القلب يذبح القطط ويسلخ فروتها عن جسدها وهي حيّة تقطر دمًا، فيما عيونُها المرتعبة تنظر في عمق عينيه بوهنِ الاحتضار كأنما تسأله: "بأي حقٍّ تعذّبني، سوى حق استقواء القويّ على الضعيف إن كان حقًّا، فبئس الحق!" كيف استطاع شابٌّ يافع أن يجرَّ كلبًا من ذيله على سطح إحدى البنايات، والكلبُ ينبح في دهشة، ثم يرفعُ الشابُّ التافه الأخرقُ كلبَه المسكين من ذيله وساقيه ليلقي به من حالق ليسقط صارخًا وهو يتلوى في الهواء قبل أن تخمد روحُه، دون أن يفهم لماذا قتله صاحبه! أقول "صاحبه" لأن الكلب رفض أن ينهش الشابَّ الآثمَ، حين سحله من ذيله، وكان بوسعه أن يفعل إن أراد، لكنه فيما يبدو كان يظن أن "صاحبه" الإنسانَ يلاعبه، ولم يفطن إلى أنه سيرمي به بعد برهة من الدور الرابع ليلقى حتفه، دون جريرة سوى أن الكلب الوفيَّ أساء اختيار “صاحبه” الإنسان، ولم يدافع عن حقّه في الحياة بمعاقبة المعتدي الآدمي بعضّه ونهشه والإجهاز عليه، والبادي أظلم! أما المحزن، فهو مرح القاتل الوغد ومزاحه السخيف مع صديقه وضحكاتهما الجهور وهما يراقبان عذاب الكلب في لحظاته الأخيرة، قبل انفجارات الدماء من جسده الذي لا حول له ولا قوة؟!

ماذا يحدث لو فعل تلك الفعلة الخسيسة مواطنٌ في دولة متحضرة من دول الغرب "الكافر"؟! الكلب في تلك الدول يُكتب على اسم صاحبه ويأخذ بطاقةً تحمل لقب العائلة المستضيفة: مستر آدمز، مسز سميث، الخ. ويُراقَب من قِبل المجتمع، فإن أساء الإنسانُ معاملة حيوانه يُغرَّم ويُحرم من اقتناء حيوان بأمر القانون.

هل يعلم هذا الوحشُ الآدميُّ الذي أنجبته الأرض "بالخطأ" في الألفية الثالثة أن رجلاً عظيماً اسمه "فيثاغورث" فكرّ في الحيوان ودافع عن حقوقه في القرن الخامس قبل الميلاد؟ وأن طالباً محترماً اسمه "ثيوڤراستس" عارض أستاذه العظيم "أرسطو" حين قال إن الحيوان لا حقوق له لأن لا واجباتٍ اجتماعيةً عليه، ولهذا فهي في مرتبة أقل من الإنسان، فجادله تلميذُه بأن للحيوان عقلاً وبالتالي يستحق الاحترام، ثم نادى بالامتناع عن أكل الحيوانات لأن في هذا تعذيبًا لها؟!

أين هذا الوحشُ من أولئك الأجلّاء الذين سبقوه في الحياة بخمسة وعشرين قرنًا، ومع هذا سبقوه على سُلّم التحضر بقرون وقرون؟!

متى تعلّم المصريُّ أن يكون "داعشيَّ" القلب مثل أولئك الوحوش التي تنحر الرقاب وتقطف الجماجم من أجسادها؟! كيف سمح المصريُّ، كريمُ العنصرين، أن تخترقه فظاظة الدواعش الذين أثاروا اشمئزاز العالمين في الدنيا، وعليهم من الله ما يستحقون في الآخرة؟! مَن يتجاسر على قتل حيوان بريء يبكي ولا يكاد يُبين ولا يقدر على التعبير عن ألمه، سوف لا يجد أي بأس أو عُسر في أن يقتل غدًا طفلا وامرأة وشيخًا. فإزهاقُ الروح، بالنسبة للطبيعة، يتساوى فيها روحُ القطة مع روح الإنسان. ليس لدي شكٌّ في أن أولئك الرعاع الذين اعتدوا على قرية "جبل الطير" في صعيد مصر بالأمس، وأشبعوا أطفالها وشيوخها ونساءها ضربًا وتنكيلاً وإهانة، كانوا في طفولتهم يعذّبون الطيرَ ويخنقون العصافير.

وأعود إلى دهشتي: هل هذا هو المصريُّ المشهور، بين أشقائه أبناء العرب، بالطيبة والشهامة والمروءة ورقّة القلب ودِعة المشاعر؟!! كأنني أشاهد بشرًا لا أعرفهم ولا أنتمي إليهم ولم أعش معهم عمري كلّه منذ مولدي ولم أنشأ في ديارهم وألهو بين أترابهم في طفولتي وأتعلم من نُبهائهم في مدارسهم وأمرح مع غيدهم في صباي وأدرس على يد علمائهم في جامعاتهم! وحين غدوت أُمًّا أسلمتهم أطفالي ليدوروا دورتي بين ظهرانيهم، إلى أن أُسلم روحي إلى خالقي في خبائهم حين يحين الأجل، راضيةً مرضية حيث عشتُ عمري بين قوم يحترمون حق الحياة لكل كائن قال له اللهُ: كن، فكان، وكل روح أمرها الله أن تحيا حتى يستردها خالقُها بأمره وحده لا شريك له!