الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 / 15:17

أخطاء جسيمة (1)



مؤخراً طالعت صفحة رائعة على "فيس بوك" بعنوان "جرائم في الديسك"، والديسك مقصود به محرر الصياغة في الجريدة أو الموقع الصحافي، ومن المؤكد أنه يُختارُ بناءً على خبرات عميقة باللغة والصياغة، وأن تكون لديه قدرة على خوض الوحل بقدميه، لكي يلتقط شيئاً ذا قيمة، ويخرج من ذلك الوحل لينظِّف نفسه وينظِّف ما يجده، ويمكن أن يضيف إليه بمهارة حتى يُعلي من قيمته، بحيث يشعر القارئ، أو المتصفح، بالراحة الشديدة أثناء القراءة. "الديس كمان" مسؤول عن وضع عناوين جذابة، ولكن عليه ألا يقع في فخ الكذب والتدليس لكي يبيع بضاعته، عليه ألا يخرج من إطار "الصياغة" إلى "الصياعة".

المشكلة الضخمة بالنسبة لي أن صفحة "جرائم في الديسك" لا تورد الأخطاء التي يرتكبها المحررون في جريدة أو موقع قبل نشرها، ولا أخطاء الديسك التي يكتشفها شخص في موقع المسؤولية، كمدير تحرير أو رئيس تحرير، ولكنها تنشر ما تم نشره بالفعل، وهذا يعني أنها مرَّت على جيش من المسؤولين بدون أن ينتبه أحد إلى ركاكتها ولا معقوليتها، بدون أن ينتبه أحد إلى الأخطاء الإملائية والنحوية، بدون أن ينتبه أحد إلى عناوين الأخبار لا تتفق أبداً مع متنها، بدون أن ينتبه أحد إلى الكوارث في تعليقات الصور، وغيرها الكثير.

والمشكلة الضخمة أن معظم المحررين أصبحوا ناقلين عن مصادرهم، والمصدر يمكنه أن يتحدث كيفما يشاء، ولكن في اللحظة التي أكتب فيها فالمؤكد أن ما يقوله يمر على "الفلتر الصحافي"، وعلى سبيل المثال، صحافيو الحوادث يستمعون إلى أمناء الشرطة والضباط، وهم يتحدثون بالضبط كما يكتبون في محاضرهم، وأيضاً حينما ينقل الصحافي من ذلك المحضر، فإنه ينقله دون أن يغيِّر حرفاً، وحينما يسلمه إلى جهة عمله يبدو كما لو أنه سلمهم المحضر، وستجد كلمات وتعبيرات من هذه العينة "نبات البانجو المخدر"، ما هذا الذكاء الخارق؟ كان يمكن أن نقول نبات البانجو لو أن هناك نوعاً من "جماد البانجو" أو "ماء البانجو"، وعلى حد معلوماتي لا يوجد نوع "غير مخدر" من البانجو، وستجد أيضاً "عُثر بحوزته على قطعة بنية اللون تبين أنها لمخدر الحشيش"، وأيضاً فإن عليك أن تعبر بعينيك على كم هائل من أسماء الضباط بدءاً من الضابط الذي تلقى الخبر، والإفادة التي رفعها إلى رؤسائه، قبل أن يأتي التعبير العظيم "وعلى الفور انتقل فلان وفلان"، وفي الأخبار الخاصة بالاغتصاب يتم استدعاء الموروث الكامل للإكلشيه "ذئاب بشرية، شياطين الإنس، أنشبوا مخالبهم في جسدها الضعيف، حديقة الموالح، أمطرت وأبرقت وأرعدت (من باب المؤثرات الخاصة)"، وفي الأخبار الخاصة بجرائم أفراد الأسرة ضد بعضهم، ستجد "عقوق ابن، الأب الذي تجردت مشاعره، لم يرأف لحالها، الأم التي انسلخت من أمومتها ومشاعرها"، وهكذا تظل حبيساً لعدد معين من الكلمات يتم من خلالها تشكيل أخبار الحوادث، والصحافي لا يتوقف ليسأل نفسه: هل أصبحت لي لغة خاصة بي؟ هل تركت بصمة ما في مجالي؟ لماذا لا أغيِّر ولو قليلاً في تلك اللغة التي يتم استخدامها منذ سنوات تبدو بعيدة الآن؟ ولكنه مثل صحافي الرياضة والفن والسياسة يعمل في أكثر من مكان، والأكثر سهولة بالنسبة له أن "يقلب" الأخبار سريعاً، لأنه مطالب بإنجاز أخبار أخرى هنا وهناك، الاجتهاد يتطلب وقتاً وقراءة ومراجعة، وهذا غير مهم بالنسبة لمعظم الصحافيين حالياً.