الشاعر المصري سيد حجاب (المصدر)
الشاعر المصري سيد حجاب (المصدر)
الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 / 16:33

الشاعر سيد حجاب لـ 24: نحن على أعتاب ثورة ثقافية إبداعية جديدة

24 - القاهرة - محمد حبيب

أكد الشاعر المصري سيد حجاب أن الخطاب الشعري والأدبي ينبغي أن يواكب مستجدات الواقع العربي ويوجه مساراتها بما يخدم بناء الأوطان ويضبط مدارات التحول فيها.

"الخطاب الإبداعي يجب أن يُواكب مستجدات الواقع ويضبط مدارات التحول"

"مرارة الستينيات لم تُنسنا حُب الوطن"

وأضاف في حواره مع 24 أنه لا توجد ثورة دون "نظرية ثورية" والنظرية الثورية يجب أن تتأسس من خلال معرفة الواقع وتجاوز الخيال، متنبئاً بثورة شعرية ضد هيمنة العولمة، كما لفت إلى أن نشأته في جيل الستينيات أصقلjه بالوهج الثوري، وأنه رغم معاناته لم ينس حب الوطن في أوج معاناته وأبناء جيله. 

ظهرت موهبتك الشعرية في مرحلة تاريخية حاسمة.. فماذا تحمل ذاكرتك منها؟
أؤمن دوماً بأن البشر جميعهم بلا استثناء نوعان لا ثالث لهما، نوع اسمه "عبد الحق"، ونوع آخر اسمه "عبد لنفسه" وبالطبع ولدنا جميعاً عبيداً لأنفسنا تحركنا غرائزنا ورغباتنا من أجل البقاء وحفظ النوع، لكننا كلما ارتقينا بدوافعنا الإنسانية نحو عظمة الوجود ونحو البحث عن القيمة الحقيقية، لن نتردد في التخلي عن مصالحنا الشخصية وتحقيق ذواتنا، ومن هنا تتجلى روعة "أن تصبح عبداً للحق" حتى لو على حساب ذاتك ورغباتك، لأنك وكأن الحق يقول لك "إنك جزء من هذه الإنسانية، فعليك أن تعيش من أجلها لا لأن تعيش من أجل نفسك فحسب"، فلقد عانينا كثيراً أنا وأبناء جيلي من أبناء الستينيات والجيل الذي سبقنا الخمسينيات، وكم اعتقلنا وتجرعنا مرارة الحرمان وكبت الحريات، وعلى الرغم من كل ذلك لم تثننا تلك التجارب المفجعة عن حب الوطن التعلق بمآسيه قبل أفراحه، فأصحاب الكلمة الحرة الصادقة المبنية على عمق إيماني بمفاهيم التحرر والجمال لا يمكن أن تؤثر فيهم هذه التجارب بأية جوانب سلبية. ولا أحب التباكي أبداً أو إظهار بشاعة هذه المعاناة ما دمت قد اعتقلت مراراً من أجل سبب أنا مقتنع به.

بمن تأثرت من الشعراء وأحسست أنه صاغ موهبتك وصقلها؟
أنا ابن كل من هم قبلي من الشعراء، تعلمت كثيراً من المتنبي والمعري وابن الرومي، حتى من "صعاليك الشعراء العرب" ثم بعد ذلك تعلمت من الشعراء: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وصلاح عبدالصبور، وفي دمي عشق دفين لبيرم التونسي، صلاح جاهين وفؤاد حداد.

إلقاء الشعر أم كتابته.. أيهما أفضل للشاعر ولبقاء الشعر؟
الشعر خلق لينطق ويسمع وأعتقد أن ارتباط المتلقي بالشعر يصبح أفضل من مجرد قراءته وهذا ليس تقليلاً من كتابة الشعر بقدر ما هو تعظيم لأهمية أن يقوم الشاعر بتلاوته على المتلقين لأن هذا الإلقاء يحمل الأحاسيس الصادقة التي دفعت الشاعر لكتابتها أو تأليفها فضلاً عن أن الارتباط الوجداني للقصيدة يصبح في أوج تفرده، لأن الأذن تلتقط نبض الإحساس كما هو، وتترجمه لمتعة وقيمة، ثم إن كتابة الشعر مهمة لحفظه وتدوينه لكن المعاني الصادقة تظل أسيرة لمتعة إلقائه ومدى اندماج وتفاعل المتلقي مع الفكرة وما يطرح بها.

إذا تحدثنا عن الشعر العربي.. فكيف تقيّمه؟ ونظرتك للخطاب الشعري فيه؟
لابد من أن نعترف أنه يتعين علينا جميعاً وضع أطر محددة سلفاً لبعض الجدليات التي يواجهها الشعر في مراحله المختلفة، بدءاً من تحديد العديد من العوامل المتعلقة بوجوده واستمراريته وتطوره، خاصة فيما يتصل بالمفهوم الشعري والخصائص التي تخدم تطور التجربة العربية بما تستهدفه من مخاطبة وجدان الملتقي، والتأثير أو التعرض لمناحي حياته المتنوعة.

والشعر العربي الحديث ينبغي أن يرتبط بمدى حداثة ومستجدات الواقع التي تطرأ على مجتمعاته خاصة بعد تنامي المفهوم الثوري بشكل مُعلن واجتياح مجتمعاتنا العربية بواكير الرغبة في الانطلاق نحو حريات منشودة، وهنا تكمن أهمية الخطاب الشعري والأدبي في كيفية توجيه مسارات هذه الرغبات نحو التحول الحرياتي بما يخدم بناء الأوطان ويضبط مدارات هذا التحول، بمنأى عن أية مخاطر أو مؤامرات قد تصاحبه.

وهنا تتجلى أيضاً مكامن قوة الارتباط الوجداني البنَّاء لدى المثقف بكل تكويناته على تأثيراته على الفرد المتلقي والمجتمع بشكل عام، حبذا لو كان هذا يعبر بصدق عن جراحات المواطن ويلمس احتياجاته المادية قبل المعنوية، لأن الواقع في هذه اللحظة يكون أكثر اتساقاً مع هذا التحديد فتعم الفائدة على الجميع ويصبح الشعر أو الأدب بمثابة الأداء المثلي نحو التعبير عن الفرد العربي ومتطلباته، وفقاً لأولوياته المادية والمعنوية.

أشرت إلى ضرورة مواكبة الشعر للثورة والتغيير.. فأي منهما أكثر عمقاً وتأثيراً في الآخر؟
لقد كتبت على المستوى الشخصي ديواناً في 2009 يسمى "قبل الطوفان الجاي" قلت في مدلوله الشعري بأن العالم مقبل على تغيير كبير وأننا بصدد بزوغ فجر إنسانية جديدة وأن هذه الإنسانية ستهبط عندنا في الشرق لإزاحة أصحاب الهيمنة والسلطة بغير وجه حق، وأن عمادا هذه الثورة هما "الشباب والمعلوماتية"، وأن هذه الثورة بالقطع ستمتد لـ"وول ستريت" بأمريكا، وبشكلٍ عام فإن كلاهما ثورة في حد ذاته على المستوى اللفظي العملي، أي القول والعمل.

لنا أن نقول أن أي تجاوز إنساني هو مبنى على المعرفة والثورة، فالشعر هو تجاوز لـ"الأنا" ولـ"الآن" والمستمدة من "جدلية المسمَّى" وربما يكون هذا هو المبدأ والمبلغ الكائن للشعر، كما الثورة. وكما يقولون لا توجد ثورة دون "نظرية ثورية" والنظرية الثورية إنما تتأسس من خلال معرفة الواقع وتجاوز الخيال، لذا فكلاهما إبداع له مشتركاته الخاصة المنبنية على التغيير، والأعظم لنا في هذا الشأن أن نلاحظ أن عظماء وقادة الثورات عبر التاريخ الإنساني على الأقل الحديث منه، كانوا قد بدأوا حياتهم بكتابة الشعر.

أي الحقب التاريخية كان للشعر فيها أهمية بالنسبة للثورة؟
أبناء جيلي من الخمسينيات والستينيات جميعهم ربما ولدوا في آتون الحرب العالمية الثانية أو بعدها بقليل، لما وصلوا إلى سن العشرين هو سن العمل اكتشفوا أن المنظومة التي أسفرت عن الحرب العالمية الثانية سواء نظام الستار الحديدي أو الاشتراكي أو الرأسمالي غير مشبعة لأحلام هذا الجيل فتفجرت ثورة الستينيات الشهيرة في كل العالم فكل الشباب في كل عالم رفضوا هذه الأنظمة المستحدثة، الشباب في الغرب رفضوا المجتمع الاستهلاكي، وفي الشرق رفض شبابه سلطة المركزية على الحكم، ونشدوا غياب الخصوصية الوطنية في تلك البلدان التي كانت تحكمها نظرية السيادة للوطن الأم، إلى أن وصلنا إلى ظروف العولمة التي نحيا فيها الآن.

ماذا عن العولمة والشعر؟
العولمة هي قدر الإنسانية قدر الإنسان في هذا الكوكب فحياته مشتركة ومصلحته وفق مشتركات عديدة، وعليه أن يدنو من طريق الحقيقة والعدل نحو عالم إنساني حقيقي والابتعاد عن الضدية في ذلك كالتناحر والتنافر بين الشرق والغرب أو التناقض في النمو غير المتكافئ في الأفكار الوجودية المختلفة، فهناك بلدان لم تبدأ ثورتها الوطنية لاستقلالها في ظل قوة عظمى وحيدة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤسس للهيمنة تحت شعار العولمة، بينما العولمة في مفهومها الأصيل التي تطمح إليها الإنسانية هي تلك التي تحترم الخصوصية لكل جماعة إنسانية وأن هذه الخصوصية التي تكفل الغنى الفكري والثقافي للإنسانية بشكل عام هي ما نود أن يتحقق، فالثورة الشعرية والإبداعية والسياسية في أجزاء كثيرة منها هي ثورة ضد هذا النماذج من العولمة الذي يفرض على العالم سياقات بغيضة تسعى للهيمنة عليه وتبعد مفهوم العولمة المنشود عن التحقق، خاصة رفض ثورات ما يسمى بالربيع العربي لهذا النموذج لذلك أتصور أن المعركة التي يقبل عليها العالم مستقبلاً تكمن في التوصل للإجابة على "كيف يمكن أن نصبح عالماً واحداً يحكمه إنسانية على أساس من الحق والعدل.

هل ترى أن ثمة ثقافة بعد الثورة مستحدثة قد ظهرت طاردة ثقافة ذات قيمة؟
لا بالعكس، إذا كان هذا من الممكن أن يحدث أن تطرد تلك الثقافة التي لم تعبر بشكل كامل عن أو تشبع رغبات الناس أو المجتمع وتعبر عن طموحاتهم وأحلامهم ويعالج آلامهم الحقيقية، فهذا النوع من الثقافة المتناهي عن الواقع قد بدأ الواقع المصري وربما العربي يرفضه فكان الناس يحتاجون لمزاج روحي جديد يجدون بعضاً منه في أغاني اليوتيوب وتلك الأشعار التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك بالعكس حالة من الإرهاصات لمخاض ميلاد فنون جديدة مستحدثة تعبر عن واقع لا تنفصل عنه بل هو خالقها ومبدعها وصحيح أنها لم تسفر بعد عن فن كبير بحجم الماضي إلا أن تلك هي طبيعة حالات الثورات أنها بالكاد ما تصنع أو تؤسس لفنون ذات طابع تحريضي أو تكنيكي كما حدث مثلاً لدى الثورات الفرنسية عبر تاريخها.

ولعل 25 يناير (كانون الثاني) قد صاحبها بشكل عام تغيير في المزاج العام كسقوط الموجات الغنائية الشبابية التي كان آخرها موجة أغاني الميكروباص، وسقوط سينما "المضحكاتية" التي كانت تكسب إيرادات خرافية في البداية ثم تختفي في النهاية كأنها لم تكن، وميلاد سينما جديدة بدأت بـ"سهر الليالي"، "ليلة سقوط بغداد"، ثم بعد ذلك ظهرت سينما ما بعد الثورة وهي السينما التسجيلية، فضلا ًعن ظهور موجات من حركة المسرح خارج أطر الدولة، وتهاوت نوبات الغناء القديمة وولدت نوبات جديدة على مسارح الميادين من ميدان التحرير، وكأننا على أعتاب ثورة ثقافية إبداعية جديدة نستشرف عيناتها رويداً رويداً لتصنع ملمحاً ثقافياً فريداً ومتنوعاً.