الثلاثاء 23 سبتمبر 2014 / 22:16

ناشيونال إنترست: هل ستتعلم أمريكا من أخطائها في الشرق الأوسط؟

24 - طارق عليان

حذر الزميل الأول في معهد "كاتو إنستيتيوت" الأمريكي، تيد غالين كاربنتر، في مقال نشرته مجلة "ناشونال إنترست" في موقعها على الإنترنت، من التدخل الأمريكي الجديد في منطقة الشرق الأوسط.

كانت الطائرات الأمريكية تقصف بالفعل أهدافاً في العراق حتى قبل أن يخاطب الرئيس أوباما شعبه في 10 سبتمبر(أيلول) للإعلان عن استراتيجيته لهزيمة داعش

وقال كاربنتر إنه يجب أن يؤخذ ذلك السجل التاريخي الكئيب جيداً بعين الاعتبار فيما يضخم المشبوهون المعتادون تهديد تنظيم داعش، ويؤكدون أن الولايات المتحدة "لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي لا تفعل شيئاً"، فمنذ عقود من الزمن وواشنطن "تفعل شيئاً" في الشرق
الأوسط، والنتائج التي حققتها مريعة.

ورأى الكاتب أنه، من قبيل انتصار الأمل، على التجربة أن تتوقع أن تكون المحصلة مختلفة هذه المرة، مؤكداً ضرورة أن يطالب الشعب الأمريكي الصقورَ أنصار شن حملة عسكرية صليبية جديدة، بتبرير سجل التطبيقات السابقة لتلك الاستراتيجية، "وإلا فسوف نواجه احتمال بذل مزيد من الدماء والأموال، وفي الوقت نفسه زيادة زعزعة استقرار المنطقة، وخلق المزيد من الأعداء".

التدخل الأمريكي في العراق وسوريا
وأشار الكاتب إلى أن الطائرات الأمريكية كانت تقصف بالفعل أهدافاً في العراق، حتى قبل أن يخاطب الرئيس أوباما شعبه في 10 سبتمبر(أيلول) للإعلان عن استراتيجيته لهزيمة داعش، وسوف تتسع الحرب الجوية التي تقودها الولايات المتحدة على الأرجح لتصل إلى سوريا قريباً، وهناك نداءات متزايدة لإشراك قوات برية أمريكية على الأرض، لتعزيز آفاق نجاح هذا التدخل العسكري الجديد.

ويحذر الصقور بأنواعهم عبر الطيف السياسي من أن داعش يشكّل تهديداً خطيراً لأمن الولايات المتحدة، ولا يمكن تجاهله، حتى على الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تجادل مؤكدة عدم وجود أدلة على وضع هذا التنظيم خططاً لمهاجمة الداخل الأمريكي.

ويقول كاربنتر إن هناك مبرراً قوياً يدعو للتساؤل عمّا إذا كان يجري دفع الكونغرس والشعب الأمريكي في عجلة إلى مساندة حرب جديدة في الشرق الأوسط، دون اعتبار للعواقب السلبية المحتملة، فالاستشهاد بسلوك داعش - الذي نعترف بأنه سلوك بغيض - ليس مبرراً كافياً لشن "حرب صليبية" أخرى، على حد قول الكاتب.

 فلا شك أن تنظيم داعش يرتكب أفعالاً مروعة مثل قطع رؤوس صحافيين أمريكيين وعامل بريطاني في مجال المعونات الإنسانية، لكن الكاتب لا يرى ذلك مبرراً كافياً للحرب.

ووفقاً للكاتب فإن "أهم مبرر لتجنب الاندفاع إلى خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط هو السجل التاريخي الكئيب لتدخلاتنا السابقة، ففي كل مرة أقحمت الولايات المتحدة نفسها في تلك المنطقة المضطربة، يبدو أنها جعلت الوضع أسوأ بعض الشيء (وأحيانا جعلته أسوأ بكثير) مما كان عليه الحال من قبل، ومجرد إلقاء نظرة على المحصلات التي تمخضت عنها الأعمال الأمريكية، منذ بداية الثمانينيات فحسب، يؤكد هذا الاستنتاج الصادم".

التورط في الحرب الأهلية في لبنان

وفي هذا السياق، أشار الكاتب إلى أن سنوات ريغان شهدت إرسال الولايات المتحدة آلاف القوات إلى قلب الحرب الأهلية في لبنان (التي كانت بالدرجة الأولى صراعاً مسيحياً إسلامياً)، والمساندة الضمنية لغزو صدام حسين لإيران، "فلم تخفق المغامرة اللبنانية في حل انقسامات البلد الداخلية المريرة فحسب، بل زادت حدة عداوة المسلمين تجاه الولايات المتحدة هناك وفي أماكن أخرى، وبلغ ذلك التدخل غير الحكيم ذروته في التفجير الانتحاري ضد ثكنات قوات المارينز الأمريكية في بيروت، والذي أسفر عن مقتل 241 عسكرياً أمريكياً، وعلى الأقل كان الرئيس ريغان آنذاك يملك الحكمة، التي واتته متأخراً، لانتشال ما تبقى من قوات أمريكية هناك"، على حد تعبير كاربنتر.

إضعاف صدام لصالح إيران
وأضاف الكاتب: "لسوء الحظ أن واشنطن واصلت سياستها المتمثلة في استخدام صدام حسين لإضعاف ما تفترض أنه عدوى الثورة الإيرانية، حيث وجهت الولايات المتحدة معونات للعراق من خلال أطراف ثالثة - كانت بالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية والكويت - وقد جسدت صورة سيئة السمعة للمبعوث الرئاسي الخاص دونالد رمسفيلد وهو يصافح صدام حسين في بغداد تلك العلاقة الثنائية الدافئة".

وتابع الكاتب "ازداد عمق انخراط الولايات المتحدة، عندما كُلفت البحرية الأمريكية بحماية السفن العراقية في الخليج العربي، التي كان أعيد تسجيلها كسفن كويتية ترفع العلم الكويتي، فلم يسفر ميل واشنطن تجاه العراق في حربه العدوانية الدامية ضد إيران عن تعميق عداء طهران تجاه الولايات المتحدة فحسب، بل لم ينل أي شكر من صدام".

ولفت الكاتب إلى أن تلك النقطة اتضحت في أغسطس (آب) 1990 عندما غزا العراق دولة الكويت – التي كانت حليفه ذات يوم – واحتل أراضيها.

وكان ميل واشنطن المنطقي في البداية هو أن تبقى خارج الصراع، إذ يقال إن وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر نوه ساخراً إلى أنها مجرد محطة وقود (كناية عن الكويت) ولم يتغير فيها غير اسمها، بحسب كاربنتر.

 لكن سرعان ما تغير ذلك المسار تغيراً حاداً، لأسباب من بينها الضغط الذي مارسه الحلفاء الأوروبيون، ومن ضمنهم رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، التي حذرت الرئيس جورج إتش. دبليو. بوش "لئلا يكون متذبذباً".

وسرعان ما عجلت الولايات المتحدة إلى إرسال قوات إلى المنطقة، بزعم "حماية السعودية، حتى على الرغم من عدم وجود أدلة يوثق بها على أن صدام حسين خطط لتوسيع غزوه إلى ما وراء حدود الكويت، وهي المنطقة التي كان العراق قد ادعى تبيعتها له قبل وصول صدام إلى السلطة بزمن طويل".

التخلص من صدام
في نهاية المطاف، شاركت الولايات المتحدة بنحو 500 ألف فرد في حملة عسكرية لطرد القوات العراقية من الكويت، وفيما بعد ذلك شجعت واشنطن أكراد العراق وشيعته على الانتفاض ضد دكتاتورية صدام السُنيّة.

ويقول كاربنتر: "كان أهم أثر للتدخلات التي قادتها الولايات المتحدة هو تمكين الأكراد من إقامة دولة مستقلة بحكم الواقع، وهي الدولة التي حمتها الولايات المتحدة بفرض منطقة حظر طيران على شمال العراق، فحالت بالتالي دون إخماد بغداد هذا التمرد الانفصالي، وأضعفت أفعال واشنطن العراق كثقل استراتيجي موازن لإيران إضعافاً خطيراً، وهو الأمر الذي بدا ذا نتائج عكسية إذا أخذنا في اعتبارنا هوس واشنطن بتقويض النفوذ الإيراني".

وأضح الكاتب "لم تكن الولايات المتحدة قد فرغت من الإضرار بالعراق، فصعّد بوش الثاني ما كان بوش الأول قد بدأه تصعيداً درامياً، حيث شن حرباً طردت نظام صدام حسين البعثي من الحكم، لكن هذا التحرك أدى إلى مزيد من زعزعة استقرار العراق وفتح الباب على مصراعيه أمام القوى الإسلامية الراديكالية".

وقال الكتاب: "لا ريب أن صدام حسين كان حاكماً فاسداً سفاكاً للدماء، لكنه كان علمانياً قوياً لا وقت لديه للمتعصبين الدينيين، وقد أفرزت حرب إدارة بوش الصليبية لتحويل العراق إلى ديمقراطية متحدة موالية للغرب بدلاً من ذلك كياناً فوضوياً محطماً، اتسم بالصراعات السنية الشيعية الدموية، وتمخضت عن طرد ثلث الطائفة المسيحية في العراق، التي كانت ذات يوم مفعمة بالنشاط، وما صعود داعش إلا الحلقة الأخيرة من سلسلة البلايا التي حلت بالعراق بعد خدمات واشنطن المفيدة".

وتابع الكاتب بقوله: "صار واضحاً تماماً أن واضعي السياسات الأمريكيين لم يتعلموا إلا قليلاً من نكبة العراق، أو لم يتعلموا منها شيئاً بالمرة، حيث عملت إدارة أوباما لإطاحة الزعيم الليبي معمر القذافي، وكان هدفها - للمرة الثانية - تحويل البلد إلى ديمقراطية مستقرة، فصارت ليبيا، بدلاً من ذلك، مرتعاً لعشرات الميليشيات المسلحة التي يبدو أن لكثير منها ميول إسلامية راديكالية لا تقبل الجدال، وبات المكان الآن فوضى بمعنى الكلمة".

مصير سوريا

ورأى الكاتب أن "سوريا ربما تواجه مصيراً مؤلماً بالقدر نفسه، حيث كانت واشنطن مصرة على تقديم يد المساعدة لمن يفترض أنهم متمردون معتدلون مؤيدون للديمقراطية على إطاحة القمعيّ بشار الأسد من سدة الحكم، كان ينبغي أن تكون الأدلة المقلقة التي تثبت أن المتمردين يحظون برعاية وتمويل السعودية وقطر إشارة إنذار إلى أن المتمردين ربما لن يكونوا موضع قبول، والحقيقة أن كثيرين منهم صاروا نواة لتنظيم داعش، وانضم إليهم من هم على شاكلتهم من المتطرفين في العراق المجاورة، عندما شن التنظيم هجومه وغزا قطاعات عريضة من الأرض".