الأحد 28 سبتمبر 2014 / 08:52

تسع نصائح للكتابة


شعرتُ اليوم بجلطة كتابية في شرياني التاجي. ومن آثارها فقدان القدرة على ابتكار موضوع يصلح لشق الطريق، بالحروف والكلمات والجُمَل. وجرتْ العادة على إذابة الجلطة، بالتطفل على كتابات الآخرين، وإعادة صوغها باختلافات تسمح لي بوهم الابتكار. في كتاب والتر بنيامين، شارع ذو اتجاه واحد، وربما بفعل جلطة أخرى لدى والتر نفسه، يقدم عدداً من النصائح التقنية للكاتب.

1ـ على مَنْ يعتزم كتابة عمل ضخم ألا يضن على نفسه، فور الشروع في الواجب الكتابي الثقيل، بكل المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام استمرار العمل.

2ـ تحدَّث ما شئت عن ما لم يكتمل، وكأنه اكتمل، ولو طلب منك أحد، قراءة مقطع مما اكتمل، قم بكتابة هذا المقطع لتضليل مَنْ تجرأ، وطلب دليلاً على شروعك في بداية العمل الكبير، وإذا طلب منك أحد آخر، قراءة نفس المقطع، قم بكتابة نفس المقطع، وأضف إليه ما يهدم خبرة القراءة المشتركة بين الاثنين اللذين طلبا دليلاً على ولادة العمل الكبير. ومن هنا، وإلى الأبد، لا تجلس معهما في مكان واحد.

3ـ أثناء كتابة العمل الكبير، ستكون مُطَارَدَاً مثل ذئب البوادي، وشعورك بالمُطَارَدَة سيوقظ داخلك وحش البارانويا الذي يربط نقطة النهاية في كتابة عملك بنهايات لا تبدو من النظرة الأولى أنها تتعلق بالكتابة، كنهاية عمر سلحفاة تعيش في المتوسط قرناً ونيف، وهي الآن على مشارف الخمسين، أي في مثل عمرك.

4ـ حاول أن تتجنب كل ما هو سياسي، وأقصى جرعة سياسية مسموح لك بها، هي من نوعية خبر الضرب النووي الآتي من التليفزيون في فيلم القربان لأندريه تاركوفيسكي، ولأن النصيحة مع الخبر، هي لا جدوى من انتقال الأفراد إلى أماكن آمنة، فلا معنى لاختبار تجريه على شبكة الإنترنت، عبر سؤال وجواب، لتجد نفسك بقفزة التسلية المُعوْلَمَة مُرشَّحَاً للعيش في بلد بعينه.

5ـ اكتب الثلث الأول من الرواية بضمير المتكلم، والثلث الثاني بضمير المُخَاطَب، والثلث الثالث بضمير الغائب، على أن تبدأ في أول استخدام لاسم البطل في الثلث الثاني. وإذا شعرت أن ضمير المُخَاطَب جاف وكاسر للإيهام الدرامي، أعد الرواية كلها مرة ثانية بضمير المتكلم الحميم القريب من النفس، فإذا شعرت أيضاً أنك اقتربت أكثر من اللازم، فلا بديل عن كتابة الرواية للمرة الثالثة والأخيرة بأمير الضمائر، المضبوط بمسافة القُرب والبُعد في آن، ضمير الغائب.

6ـ لا ضير من التفكير في اسم العمل قبل الانتهاء منه أو حتى عندما يكون اسم العمل حاضراً في عقلك لسنوات قبل الكتابة. والاختبار الحقيقي هو أن تستدعي الرواية حضور اسم العمل في جزء منها حتى لو كان الاستدعاء خاطفاً مثل البرق. واعلم أن الخطر الحقيقي لاسم رواية هو الوعد بأشياء لا تستطيع الرواية الوفاء بها، مثل كافكا على الشاطئ أو عزيزي السيد كاواباتا أو اسم الوردة أو إسود وردي. والأفضل أن يكون العنوان غير واعد بشيء مثل لعبة الكريات الزجاجية، فإذا كان متن الرواية أقوى من عنوانها، حفظنا لهيرمان هيسه ظلاله المهيبة على معمار الرواية.

7ـ دع الأفكار تنهب رأسك في الصباح والمساء، ولا تتصيد إحداها، لندرتها، بالكتابة الفورية، واترك لها فرصة الهروب، وادعم غرور موهبتك بثقة عودتها مرة ثانية ذليلة منكسرة.

8ـ الأسلوب فيه نجاتك. انزل قرار النجا. انحت جملتك الخاصة، اظْرُفْها بظروف الزمان والمكان، نقها من كلمات أنهت خدمتها الجمالية. اكتب في الجُمْلة الأساسية ثلاث جُمَل فرعية. غذ الفرع على حساب الأصل حتى تسمع صرخة الظلم من فم الأخير.

9ـ لا تخش من التكرار، فهو مثل الفصول، يعود إلى الكتابة، وكل عودة تحمل اختلافاً شكلياً، على الأقل قوة العدد، فالتكرار الثالث، في الرواية الثالثة، لصفات البطل في الروايتين السابقتين، يحمل القناع الجنائزي لفكرة أصيلة لا سبيل في التعبير عنها. إن التكرار إخفاق لا نهائي، وهو درامي بامتياز، ومُمَسْرَح، ولا شَبَع منه.