الإثنين 29 سبتمبر 2014 / 18:26

غضب أردوغان..!!


يشبه موقف تركيا بعيد اندلاع الثورة السورية، على نظام آل الأسد، موقف باكستان بعيد الانقلاب الشيوعي في كابول، والتدخل السوفياتي، في أواخر سبعينيات القرن الماضي. كان يحكم باكستان، آنذاك، رئيس يتبنى سياسيات إسلاموية، ويسعى لتعزيز مكانة وأهمية باكستان الاستراتيجية إزاء العدو الهندي، ويريد الحصول على مزيد من الأوراق المحلية والإقليمية والدولية الرابحة في الصراع على كشمير.

وعندما اندلعت الثورة السورية كانت، وما تزال، حكومة إسلاموية تتربع على سدة الحكم في أنقرة، وتسعى لتكريس دور تركيا كقوّة إقليمية صاعدة في الشرق الأوسط، في ظل ما تشهده المنطقة من فراغ القوّة، ولتعزيز أوراق تركيا الاستراتيجية في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.

وكما حدث، وتم تدويل "المسألة" الأفغانية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، فتداخلت فيها القوى المحلية والإقليمية والدولية، لتتحوّل أفغانستان إلى ساحة حرب لتصفية الحسابات بين قوى مختلفة، لا تعنيها، بالضرورة، وليس على رأس أولوياتها، مصلحة الأفغان أنفسهم، تحوّلت "المسألة" السورية بعيد الثورة، قبل ثلاث سنوات، إلى ساحة حرب لتصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية مختلفة، على حساب مصلحة السوريين أنفسهم.

في الحالة الأولى: أصبحت باكستان دولة مركزية إزاء كل ما يتعلّق بمصير أفغانستان، سواء من حيث إيواء اللاجئين الأفغان، وإنشاء معسكرات تدريب، وتنظيم تدفق السلاح، والمقاتلين إلى أفغانستان، وقد جاء بعضهم من بلاد بعيدة. وفي هذا الصدد تعزز دور الأجهزة الأمنية الباكستانية، وحصدت الدولة الباكستانية نفسها فوائد مالية، وسياسية، حرصت على ترجمتها بما ينسجم مع سياساتها الإسلاموية في الداخل والخارج. وفي هذا السياق، أيضاً، وُلدت ظاهرة الأفغان العرب، والقاعدة، والطالبان، والأيديولوجيا التي ستهدد في وقت لاحق العالم العربي نفسه.

وفي الحالة الثانية: أصبحت تركيا دولة مركزية إزاء كل ما يتعلّق بمصير سوريا، من حيث إيواء اللاجئين، وتسهيل مرور السلاح، والمساعدات اللوجستية، وتدفق المقاتلين إلى سوريا، وقد جاء بعضهم من بلاد بعيدة.

فعل الأتراك ذلك كله، من خلال أذرعتهم الأمنية والسياسية، وبما ينسجم مع الطموحات التركية في الإقليم، وبما يخدم الإسلاموية السياسية، التي راهنوا على صعودها لا في سورية وحدها، ولكن في العالم العربي بشكل عام. وفي هذا السياق، أيضاً، وُلدت ظاهرة داعش، والنصرة، وغيرها من أطياف القاعدة.

وفي الحالتين الأفغانية، والسورية، (والعراقية، أيضاً) لم يكن ظهور الطالبان، والقاعدة، مشروعاً حصرياً للباكستانيين، أو الأتراك، بل نجم عن تفاعل وتنافس قوى إقليمية ودولية على مركز الصدارة في بلاد تحوّلت إلى ساحة لتصفية الحسابات، ومع ذلك لعب الباكستانيون، والأتراك، دور العامل المساعد، والمؤثر، وربما الحاسم في حالات بعينها.

نعرف، طبعاً، ما انتهى إليه الحال في أفغانستان، وحجم ما لحق بالبلاد والعباد من دمار، لم تتضح معالمه النهائية بعد. ونعرف، بالقدر نفسه، حجم الكارثة التي لحقت بالبلاد والعباد في سورية (والعراق)، ولم تتضح نتائجها النهائية بعد. ولكن ظهور داعش في سوريا والعراق أقنع ما لا يحصى من اللاعبين الإقليميين والدوليين أن العالم العربي كله أصبح مكشوفاً، وعلى شفير الهاوية.

لا يستطيع أحد في الإقليم والعالم التعبير عن تأييده لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية في سورية والعراق. ومع ذلك، يحاول الأتراك، كما فعل الباكستانيون من قبل، الحفاظ على مركزية دورهم، وعلى أوراق القوّة، حتى وإن استدعى الأمر ممارسة سياسة مزدوجة، ووجود بون شاسع بين القول والفعل.

ومع ذلك، لم تجر الرياح، بالفعل، كما اشتهت سفن الإسلاموية التركية. فقد أطاح المصريون بنظام الإخوان المسلمين في القاهرة، وحشدت قوى مختلفة في العالم والإقليم ما لديها من أوراق القوّة لمجابهة الإسلاموية السياسية، التي أصبحت مصدر تهديد يتجلى بصورة فادحة وفاحشة، كما في الحالة الداعشية، أو ينذر بالوصول إلى ما يشبهها في حالات أخرى.

ولعل في هذا كله ما يفسر التوتر غير المنطقي، الذي يتجاوز الأعراف السياسية، والدبلوماسية، الذي وسم سلوك الرئيس التركي أردوغان في الأمم المتحدة، عندما شن، مؤخراً، في الأمم المتحدة حملة تعوزها اللياقة، ناهيك عن الحس السياسي السليم، ضد الدولة والنظام في مصر. وكلمة السر في هذا كله: إحساس بخسارة الرهان على تعميم "النموذج" التركي، وبداية انحسار الإسلاموية السياسية، ومعها تراجع حلم تركيا كقوّة إقليمية بقناعها العثماني الجديد.

لم تفقد تركيا الأردوغانية أوراق القوّة في سورية والعراق بعد، ولكن قدرتها على توظيفها، وعلى المناورة في البلدين، كما في الإقليم، أصبحت في الوقت الحالي أضعف مما كانت عليه قبل عام مضى. ولعل في هذا ما يفسّر لماذا غضب أردوغان، وتوترت أعصابه.