الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 / 18:52

الظواهري ونادي المعادي



في كتابه الحائز على "بوليتزر" كتب "لورانس رايت" عن حي المعادي، مسقط رأس أيمن الظواهري كضاحية أرستقراطية أسسها اليهود في القاهرة، وقال إن الرجل لم يكن من شريحته العليا، وظلت أسرته بعيدة عن النفوذ والمكانة الرفيعة، رغم عراقة جذورها سواء من ناحية الأب، المنحدر من "هوليوبوليس" حفيد شيخ الأزهر، أو من ناحية الأم حيث عائلة عزام الذي ينتمي إليها أول رئيس لجامعة الدول العربية، عبد الرحمن عزام.

ودليل "رايت" على تهميش عائلة الظواهري وسط الأثرياء، أن أياً من أفراد أسرته لم ينضم لعضوية نادي المعادي، محور مجتمع الحي الراقي وقتها، "فكان مجتمع المعادي بالكامل يدور حول هذا النادي".

وتهميش الظواهري وحرمانه من هوية الثراء والنفوذ، في نادي النخبة الراقي، بعراقة أسرته، وجد تعويضاً له في ناد افتراضي آخر منحه التأثير في أولئك المشتاقين لعودة الخلافة، و إقامة "يوتوبيا الشريعة"، بدأت منذ الصغر، بتأثير خاله محفوظ عزام المعجب بأفكار سيد قطب، فتجرأ مثلاً ذات مرة و رفض استقلال سيارة حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية في العهد الناصري، وقال له: "لن أركب مع أولئك الذين يقتلون المسلمين".

بتراكم الحوادث الأصولية تعززت مكانة الظواهري وسط التكفيريين، وابتعد تدريجياً عن سياق المعادي بأثريائه ونفوذه، وبدخوله متهماً في قضية الجهاد الكبرى، عقب مقتل السادات، تم تعميده رسمياً في "نادي الأصوليين".

و"النادي" مقاربة نظرية وضعها ديفيد لاين وزميل له في جامعة ستانفورد، اعتبر لاين فيها أن الجماعات الأصولية ناد اجتماعي تمنح أعضاءها وذويهم مميزات للعضوية ومكانة اجتماعية داخل الوسط الجهادي، كما تمنحهم تراتبية ناتجة عن تضحياتهم لصالح الجماعة.

وبتوسيع المقاربة يمكنها أن تفسر ظواهر عديدة؛ منها مثلاً أسباب انضمام الجيل الثاني و الثالث من المهاجرين العرب في أوربا ممن يحظون بفرص تعليم جيدة ويكسبون دخلاً جيداً، للتنظيمات الإرهاب ومنها داعش، فالضغط الاجتماعي من قبل تيارات غربية تراهم ليسوا سكاناً أصليين، وعدم حفاظ الآباء على نمط المعيشة لبلدانهم الأصلية، دفعهم للتمرد على النمطين، الغربي الرافض لهم، والشرقي غير المكتمل، عبر نسخة سلفية جهادية، تقدم نسقاً متكاملاً لتغيير العالم، بأفكار عنيفة، وهو ما ظهر في اعترافات امرأتين سلفيتين، انضمتا لجماعات تكفيرية مسلحة بعد فترة عدم ممارسة حقيقية لشعائر الدين في هولندا، وقصة الفتاتين مذكورة تفصيلاً في كتاب "رول مير" الشهير (السلفية العالمية).

وبالعودة للظواهري، فبعد وفاة بن لادن أصبح وحده زعيما للنادي الجهادي، يعتبره التكفيريون أميراً مجاهداً ينتظرون منه مجرد إيماءة لتتفجر بعدها الدماء، وتنطلق شظايا الانتقام، لكن لأسباب متعددة، ظهر منافسون جدد، ونواد أكثر احترافية، مثل داعش، قفزت على أسلحة الردع والمفخخات، لتمتلك مساحات وتخرج من الكهوف تؤسس دولة، تجذب الشباب من أقطاب شتى، وتقاتل من تعتبرهم كفاراً في الشرق والغرب، وبات الظواهري في ظل هذه الظروف قاب قوسين من فقدان "التاج" لصالح البغدادي.

وهنا كان الظواهري مضطراً لرفع رصيده على وجه السرعة بمجموعة عمليات سريعة، كتبني إطلاق صواريخ بالقرب من سفارة أمريكا باليمن، أو الإعلان عن فرع جديد في الهند.

الظواهري في طريقه أن يصبح مجرد عضو ضعيف في نادٍ تتسع نشاطاته ويدخل منافسات دموية بأجيال جديدة.

قديماً فشل الظواهري في الالتحاق بنادي المعادي فافتقد نفوذه واهتزت صورته كعضو في مجتمع مخملي مؤثر، وها هو نادي الجهادين يمنحه إنذاراً مفخخاً بالطرد.