الأحد 12 أكتوبر 2014 / 14:58

كوباني: غيرنيكا المنطقة وكابوس أردوغان

تحولت معركة كوباني أو عين عرب بالعربية، إلى القلعة المحاصرة الأشهر في المنطقة بعد تكالب داعش عليها، واستماتة الأكراد، بـ"إسناد" جوي غربي لا يملك من مقومات الإسناد إلا الشكل، وسط حياد تركي مُربك، وفي انتظار سقوط تفاحة كوباني على رأس أردوغان فيعيد اكتشاف "نظرية الجاذبية" التي تستقطب داعش نحو عرشه شخصياً، ستكون كوباني بمثابة غيرنيكا الشرق الأوسط الجديدة، في انتظار بيكاسو جديد يرسمها.

غداة الحرب الأهلية الإسبانية بين الجمهوريين وقوات فرانكو، تحولت غيرنيكا، القرية الباسكية الوادعة الهادئة إلى رمز للوحشية والرعب والحيوانية الإنسانية بعد أن دكتها طائرات الجنرال فرانكو في 1937 المدعومة من قبل ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، لترويع سكان القرية ومن ورائها الإقليم الباسكي وكلّ الجمهوريين والمناهضين لديكتاتورية الجنرال فرانكو، فإذا ببيكاسو"يسطو" على الفاجعة في لوحته الشهيرة ويحولها إلى أقوى إدانة فنية ورمزية للوحشية والخراب، حتى لكأن صهيل الجياد المربّعة في اللوحة الشهيرة لا يزال اليوم بعد حوالي 80 سنة من وقوع الفاجعة يتردد في مسامعنا ويهزّ ضمائرنا.

وفي انتظار بيكاسو الجديد، تبقى كوباني لمصيرها المظلم، في انتظار صهيل خيول داعش ودخول هولاكو البغدادي المدينة الشهيدة، وكما خسر المغول والصليبيون قديماً وكما خسرت النازية والفاشية حديثاً، سيخسر البغدادي ودواعشه حرب كوباني وإن كسبوا معركة عين العرب ظرفياً.

فالمجزرة القائمة بين شوارع المدينة المفجوعة، والدائرة تحت أنظار جنود أردوغان وانكشارييه الجُدد، ستجد طريقها رغم الحصار المضروب على كوباني إلى ضمير العالم بلا شكّ، لتوثق إلى العودة إلى النقطة الصفر التي عرفها في النصف الأول من القرن الماضي، فداعش وبنوه وأحفاده من التنظيمات التي تناسلت تحت عباءة البغدادي وقبله بن لادن وأمثالهما، لاتختلف كثيراً عن التنظيمات الفاشية والنازية والعنصرية التي ظهرت بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، تعبيراً عن الأزمة الكونية التي شهدتها البشرية آنذاك، بسبب ضغط الانهيار الاقتصادي في عدد من الدول الأوروبية، وظهور الإيديولوجيات الفاشية والعنصرية والإرهابية.

ورغم أن التاريخ كما يقول العلم لا يعيد نفسه، إلا أن نفس العلم يقول أيضاً أن الظاهرة كلما تكررت وأفضت إلى نفس النتائج بسبب توفر نفس الشروط التي أظهرتها في البداية، يمكن القول إن التاريخ بصدد مراجعة نفسه، والخروج عن القاعدة، بإعادة إفراز نفس الظواهر السياسية والعقائدية كلما توفرت نفس الأزمات وكلما زادت درجة الاحتقان.

من رايخ هتلر إلى خلافة البغدادي
واليوم يُعيد التاريخ نفسه في حلقة معروفة النتائج والمسار، إلا لمن رفض "النظر والتحقيق" كما يقول ابن خلدون، فداعش المدفوع بمكاسبه ليس سوى صورة أخرى لا تقلّ بشاعة عما عرفه العالم مع النازية التي بدأت بمعاداة الأجانب ثم معاداة غير المسيحيين الكاثوليك ثم الشيوعيين فاليهود وصولاً إلى المعاقين والعجز وانتهاءً بنصب المحارق والمشانق والاغتيالات والإعدامات، بهدف الوصول إلى تحقيق هيمنة العرق الآري النقي الخالص في دولة "الرايخ" التي تهيمن على العالم وتدوم ألف سنة.

وفي المقابل يطالعنا البغدادي بذقنه الثقيلة بنفس المنهج والطريقة والهمجية ضدّ المسيحيين والإيزيديين ثم الأكراد والمسلمين المخالفين فالعالم أجمع، ليكونوا ضحايا وقرابين نظير تحقيق حلمه في خلافة تدوم أبد الدهر.

وعليه فإن كوباني التي استعصت على البغدادي رغم حشده الهائل والعتاد الضخم والسلاسل البشرية التي لا تنتهي من المقاتلين الذين تدفقوا عليها من كل حدب وصوب، ورغم الدعاية البريئة أو المشبوهة التي تقوم بها أطراف كثيرة عن بطولة داعش في تحقيق مكاسب ميدانية هائلة رغم غارات الصليبيين اليومية، خرجت بعد من حسابات الربح والخسارة ، وحتى إن وقعت المدينة في يد البغدادي وهو الاحتمال الأقرب فإنها لم ولن تسقط، بعد أن طارت من يده وحلقت إلى أبعاد أخرى رمزية لا تتسع لها أدمغة العرق الداعشي.

ولكن كوباني ليست مسألة داعشية فقط، هي أيضاً كابوس أردوغاني بامتياز، فـ"الطيب" رئيس تركيا الجديد وسلطانها القادم، لا يختلف في شيء عن ستالين كما قالت عنه بعض الصحف الغربية، في لعبه"الروليت" الروسية، ومثل ستالين يقف أردوغان على تخوم كوباني كما وقف "أب الشعوب الصغير" سابقاً متفرجاً على افتراس النازية بولنداً وشاهد زور على مذبحة وارسو الشهيرة، طمعاً في بعض المكاسب وبعض التفاهم مع الشيطان هتلر.

ولأن التاريخ كما يبدو في هذه الحقبة بصدد إعادة صياغة نفس المشاهد رغماً عن المقولة الماركسية، فإن نفس المواقف تؤدي إلى نفس النتائج، فبعد التآمر على وارسو غرق ستالين في مستنقع "ستالين غراد" في واحدة من أفظع المذابح التي عرفتها البشرية، بعد أن تحالف مع الشيطان، فإذا به يُطبق على رقبته ويمتلك روحه كما عند "فاوست".

جلد أردوغاني تحت قناع رجب الإسلامي
إن الحسابات  المريبة لأردوغان  تجعله يذبح الأكرد في سوريا بيد داعش خوفاً من تطويقه جنوباً وغرباً من قبل دولة كردية لا تعلن عن نفسها من كوباني إلى القامشلي وصولاً إلى دياربكر مروراً بأربيل، تكشف في الواقع الجلد الطوراني لوجه أردوغان تحت قناع رجب الإسلامي.
وتماماً كما جاء في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وجد كلّ متآمر وطامع مع إيديولوجيا الموت والدمار سواء كانت نازية أو فاشية أو عنصرية يابانية، نفسه أول ضحايا هذا الوحش المسخ، والقائمة من الطول بما لا يترك المجال لتعداد المتآمرين فمن ستالين إلى شامبرلين البريطاني ودالادييه الفرنسي وغيرهما من الموقعين على معاهدة ميونيخ، جميعهم احترقوا بحبر المعاهدات السرية التي وقعوها هتلر.

ذئب في حظيرة السلطان
وبالنظر إلى ما يجري من وقائع، لن يختلف مصير أردوغان الذي انصرف عن كوباني لغاية في نفس يعقوب، فإذا الذئب يتسلل إلى حظيرة السلطان المشغول بحصار فيينا الجديدة القادم، ليضرب أنصار الله الكردي النسخة المعدلة من داعش والقاعدة في بلاد الأناضول خاصرته من حيث لا يدري في بطمان وديار بكر وغيرها من المدن الكردية في "السلطنة" العلمانية.

ويبدو أردوغان اليوم في حاجة إلى من يذكره بأن من يلعب بالنار لا بد له أن يُحرق أصابعه، لاسيما وأن الحرب على داعش لم تبدأ بعد بالنظر إلى المجريات التي تسير عليها الأحداث، فالتحالف الدولي الذي يكتفي اليوم بقنص عربة مدرعة هنا، وصومعة تموين هناك، لم يبدأ معركته بعد، وفي المقابل ومثل كلّ أعمى بصيرة يسوق البغدادي بنفسه، حسب بعض المصار، قطعانه السوداء حتى وإن كان ذلك على حساب بعض المدن الخاضعة له في العراق، إلى كوباني في تحدّ وإصرار على انتزاع هذه التفاحة من بين أسنان الأكراد ومن فوق رأس أردوغان، ليثبت لنفسه أولاً أنه قدر العالم وأفقه الوحيد الممكن، والواقع أنه يسير نحو أفظع وأكبر مصيدة في التاريخ، بقطف أكبر ما يمكن دواعش وفي الوقت نفسه بتمزيق القناع عن وجه أردوغان الحقيقي.

أقنعة وشخوص وخيالات وأشكال ومكعبات، ألا يذكر الأمر بلوحة بيكاسو الشهيرة من جديد؟