السبت 18 أكتوبر 2014 / 14:10

الحق في دولة فلسطينية... وتجسيدها



اشياء مهمة تحدث الآن بشأن الفلسطينيين، إلا أن التفسير الساذج والدعائي لها، يفقد هذه الأشياء تأثيرها بل قد يحولها إلى عكسها.. أي من مصدر قوة إلى مصدر إحباط.

وحكاية التأييد الكاسح لمبدأ قيام دولة فلسطينية سواء من خلال التصويت الذي تم في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو من خلال الإعلان السويدي، ثم التصويت الرمزي في مجلس العموم البريطاني، والتصريحات الفرنسية القريبة من ذلك، كل هذا على أهميته، بحاجة كي يُبنى عليه ، اإى معرفة أشياء كثيرة تتصل به.

أولها ... هل هذا التأييد يصلح بديلاً عن المفاوضات لبلوغ هدف تحقيق الدولة الفلسطينية على الأرض؟

وثانيها.. ما هي مواصفات الدولة التي يريدها العالم للفلسطينيين؟ 

وثالثها.. ما هي آليات تحقيقها؟

الذين أيدوا المبدأ أو أبدوا استعداداً للاعتراف، أو اعترفوا بالفعل، لا يخرجون في مواقفهم عن مبدأ أن يتم كل ذلك من خلال المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذه مسلمة أشار اليها الجميع وأعرب عن التزامه بها، فلا أمل بفرض الدولة من خلال تصويت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالذات، مادام الأمريكيون يلتزمون بممارسة حق النقض "الفيتو"، هذا إذا لم يحبطوا العملية وهي في طور التصويت الأولي، إذاً فإن العودة الى المفاوضات امر حتمي في نظر مؤيدي المبدأ.

أما فيما يتصل بمواصفات الدولة.. فإن للعالم شروطاً الزامية يتعين قيام الفلسطينيين بتلبيتها، ليس بالتعهدات وانما بالسلوك العملي، فالدولة العتيدة، ينبغي أن تكون خالية تماماً من أي سلاح غير السلاح الشرعي، ويجب أن تكون ملتزمة كذلك بحماية حقوق الإنسان من خلال التشريع والمؤسسات، ويجب أن تكون دولة ديموقراطية تعددية شفافة، وهذه شروط ملزمة ولا يصح القول إزائها "إننا أحرار فيما نفعل بدولتنا، ولا نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا الداخلية"، ففي هذا الزمن لم يعد هناك شأن داخلي لأي كيان صغير، خصوصا وخصوصا جداً الكيان الفلسطيني، فإن لم يتم الوفاء بهذه الشروط منذ الآن فسوف يبقى العالم مؤيداً للحق في دولة دون تقدم عملي نحو تحقيقها على الأرض.

أما آليات تحقيق الدولة فهي منوطة أولاً بما يتم الاتفاق عليه بين الفلسطينيين أصحاب الدولة الوليدة والإسرائيليين أصحاب الاستيطان والاحتلال وغيره من نقائض الدولة الحقيقية والاستقلال، ولابد من تدخل طرف ثالث مثل الولايات المتحدة او الرباعية الدولية مع بعض الدول التي يجري التوافق عليها لوضع آليات التنفيذ والجداول الزمنية لكل مرحلة، بحيث يعرف أول الطريق وآخره مسبقاً، وليس لكل مرحلة آلياتها واهدافها الجزئية.

من البديهي أن يسعد الفلسطينيون بكل كلمة تتحدث عن حقهم في دولة، أو اظهار استعداد أي دولة صغيرة كانت أم كبيرة في دعم هذا الحق، ولكن الأهم هو ما هي واجباتهم في تمهيد الطريق أمام ولادة الدولة على الأرض حتى الآن.

إن العالم وخصوصاً الدول المؤثرة في صنع القرار الدولي، لم يتطرق تفصيلاً إلى المواصفات ولا الآليات ليس إغماضاً للعيون عنها، وانما تأجيلها إلى وقت اكثر ملائمة والتركيز كله ينصب على الحق في حصول الفلسطينيين على دولة وحول هذا العنوان هنالك إجماع يكاد يكون مطلقا ، أما ما بعده فهنا يكمن الصراع وهنا تظهر الواجبات والقدرات والامكانات.

وعلى الفلسطينيين أن يتحدثوا مع دول العالم في كل هذه الأمور وأن يبرهنوا على الأرض وهم ما زالوا في طور سلطة الحكم الذاتي المحدود أنهم يسيرون على المواصفات الصحيحة للدولة من دورية الانتخابات وشفافية المحاسبة وإنفاق المال وترسيخ المؤسسات وتثبيت سيادة القانون واستقلال ونزاهة القضاء، فإذا ما تأكد العالم من أنهم يبنون دولتهم على هذا الأساس، فإنهم بذلك سوف يختصرون ثلاثة أرباع الطريق إلى تحقيقها بالفعل، وهنا يتعين على الفلسطينيين أن يدققوا في افعالهم وأن يتحسسوا مواطن الضعف والإخفاق في تجربتهم، لأن العالم يراقب وهو بالتأكيد يعرف عنهم اكثر بكثير مما يعّرفون به أنفسهم.