السبت 18 أكتوبر 2014 / 16:46

الفقر الذي يفرش طريق "داعش"



مر اليوم العالمي للفقر بهدوء، ربما لأن الفقراء لا يمتلكون وسائل الإعلام والدعاية التي تثير الضجيج وتجعل من الحبة قبة، وربما لأن فقراء العرب يئسوا من إمكانية خروجهم من حصار الجوع وتصديق الوعود الرسمية الكاذبة التي تضع تواريخ محددة لانهاء الظاهرة المعيبة في بلاد لا مبرر لفقر أهلها.

لكن صمت الفقراء لا يخفي الواقع الموجع ولا يقلل من صدمة الأرقام المخيفة لنسب الفقر في المجتمعات العربية، ففي قطاع غزة تبلغ نسبة الفقراء تسعين بالمائة من عدد السكان، وفي مصر تتجاوز النسبة خمسة وستين بالمائة حسب تقديرات المنظمات المتخصصة، وفي الأردن تزيد نسبة الفقراء عن أربعين بالمائة من المواطنين!

الأرقام مخيفة أيضاً في السودان واليمن ولبنان وسوريا والعراق، لكن الفقراء صامتون تماماً! ويتابعون ما أتيح لهم من حياة في انتظار معجزة تخرجهم من هذا الحصار، لكن المعجزة لا تتحقق، فيزيد اليأس وتذهب أعداد كبيرة من الفقراء إلى التطرف والعنف في تمردها على الواقع، وبذلك تنتعش "داعش" وتنتشر التنظيمات الأصولية الإرهابية ويصبح الهدم بديلاً للبناء والموت بديلاً مريحاً عن الحياة المتعبة!

في بلادنا يزيد الفقر ويزيد التطرف ويزيد العنف ويزيد الإرهاب برعاية أمريكية مستترة أحياناً وبائنة أحايين، فالولايات المتحدة هي التي رعت "داعش" ومن قبلها "القاعدة"، وهي التي تحرك صندوق النقد الدولي ليفرض على الدول العربية خططا تقشفية تزيد فقر الفقراء وتدفعهم للجنوح نحو العنف.

عندما يرتفع سعر الرغيف يقل سعر الرصاصة، هذه معادلة قائمة في بلادنا، وهي معادلة تؤكدها وقائع القتل والدمار وهدم البنى في مجتمعات تتخلف عن كل أهل الأرض في البناء.. وتفاخر حكوماتها بتاريخها المجيد!

لم يعد الناس معنيين بالتاريخ ولا بأمجاد العرب القدماء، ولا أعتقد أن بيننا من يفكر الآن بأمجادنا في الأندلس، وليس بيننا من يفكر بهزيمة إمبراطورية الفرس، لأننا معنيون بالخلاص من التبعية للغرب وباتقاء شر ايران وإقناع حكام أنقرة بعدم امتداد الإمبراطورية العثمانية إلى ترابنا.

في الواقع، ليس بيننا الآن من يفكر حتى بهزيمة إسرائيل وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر حتى وإن كان الشعار ما يزال مطروحاً، لأن مجتمعاً يبلغ متوسط دخل الفرد فيه دولاراً واحداً في اليوم لا يمكن أن يحرر وطناً محتلاً. 

لنعترف بأننا نعزز العنف والتطرف والارهاب بالصمت على تفشي الفقر، ولنعترف بأننا نفرش طريق "داعش" بالتكفيريين الجدد كلما زادت أعداد الجياع في بلادنا، في زمن ينتج الكفار والتكفيريين والكافرين بهذه التبعية المخزية للمشروع الغربي.

ستنتهي "داعش" عندما ينتهي مبرر وجودها، لكن ما بعد "داعش" هو الأخطر لأن ثورات الجياع لا تنتهي بقرار.