الإثنين 20 أكتوبر 2014 / 01:22

العالم العربي، كالمستجير من الرمضاء بالنار..!!



من الفرضيات الشائعة على نطاق واسع، في العالم العربي، أن أيديولوجيا القومية، والاشتراكية، فشلت في التنمية، والعدالة الاجتماعية، ومجابهة التحديات الخارجية، وقد جاء أوان الإسلام السياسي لإنقاذ العالم العربي من استعصاء يكتسب في نظر القائلين به أبعاداً تاريخية ومأساوية في آن.

تُتداول هذه الفرضيات في الحقل الثقافي، ونقاشات "فكرية" في الغالب، وغالباً ما يتم توظيفها في سجالات سياسية. فبين القوميين واليساريين مَنْ يجد فيها تفسيراً لانحسار أيديولوجيته السياسية، والبعض الآخر يجد فيها ما يبرر الانحياز والتحيّز إلى قوى وجماعات الإسلام السياسي القادرة، في نظره، على إخراج العرب من استعصاء بهذا الحجم.

وفي المقابل يستثمر الناطقون باسم الإسلام السياسي، على اختلاف ألوانهم ومشاربهم، وراياتهم، الفرضيات نفسها، للتدليل على حقيقة أنهم البديل الطبيعي، والموضوعي لكل ما سبق من أيديولوجيات لا تنتمي إلى "روح" الأمة، ولا تعبّر عن "ضميرها".

وعلى الرغم من حقيقة أن التنمية، والعدالة الاجتماعية، لم تحتل مكانة يُعتد بها في خطاب الناطقين باسم الإسلام السياسي، على امتداد عقود طويلة، ولم يثبت ما يدل على كونها من مكوناته الرئيسة، إلا أنها أصبحت جزءاً من بضاعته الأيديولوجية في سنوات ما بعد الربيع العربي. وأضيفت، في هذا السياق، إلى ما احتل دائماً مكانة مركزية في الخطاب، أي مجابهة التحديات الخارجية، سواء تمثلت في مجابهة عدو يحتل الأرض، أو مقاومة التبعية لقوّة خارجية، غربية طبعاً.

وحتى سنوات قليلة مضت، بدت تلك الفرضيات وكأنها صحيحة، وأقرب إلى المسلمات النظرية منها إلى فرضيات تحتاج إلى أكثر من دليل وبرهان، على ضوء التجربة التاريخية نفسها. ومع ذلك، في مشهد النيران التي تشتعل في العالم العربي، هذه الأيام، ما يبرر ضرورة إعادة النظر في تلك الفرضيات. وحتى إذا سلمنا، جدلاً بفشل القومية والاشتراكية، فإن ما يُفترض تمثيله للبديل، أي الإسلام السياسي، يتحمل اليوم وزر إشعال النيران، واستثمار الحرائق.

بهذا المعنى، وبقدر ما يتعلّق الأمر بفرضيات الاستعصاء التاريخي، لم يعد من السابق لأوانه الكلام عن ضرورة إضافة الإسلام السياسي، إلى قائمة الأيديولوجيات الفاشلة وحسب، بل والتذكير، أيضاً، بحقيقة أن هذا "البديل" يشعل حرباً أهلية في كل مكان عثر على موطئ قدم فيه.

فإذا كانت أنظمة الاستبداد أعلى مراحل أيديولوجيا القومية واليسارية، باعتبارهما نظاماً للحكم، فإن الحرب الأهلية مقدمة أولى لدخول الإسلام السياسي إلى المشهد، باعتباره بديلاً للوضع القائم، ولعل داعش أعلى مراحله باعتبارها نظاماً في المعارضة والحكم على حد سواء.

اليوم، تشتعل حروب أهلية في اليمن، وليبيا، وسورية، والعراق. وفي هذه البلدان، التي انهارت فيها الدولة، وانقسمت وتفتت مجتمعاتها، يمارس الإسلام السياسي، على اختلاف تسمياته، وتعدد راياته، دور الفاعل الرئيس.

في فلسطين أسهم الإسلام السياسي في انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة. وفي السودان الذي استولى فيه الإخوان على الحكم، وانقلبوا على بعضهم، انفصل الجنوب عن الشمال، وفي لبنان تقترب البلد من الحرب الأهلية، ويعطّل حزب الله وجود الدولة نفسها. وفي اليمن يزعم الحوثيون معارضة الإخوان المسلمين، فتنهار الدولة. وفي مصر، تشن جماعات ترفع راية الإسلام السياسي هجمات إرهابية تستهدف الدولة، ومؤسساتها، ومواطنيها.

ولا يوجد بلد عربي واحد يمكنه التدليل على عدم وجود جماعات تتبنى أيديولوجيا الإسلام السياسي، ويمكنها في لحظة تراخي قبضة الدولة، أن تشكل تهديداً للدولة والمجتمع على حد سواء. ولا يمكن أن ننسى، طبعاً، الحرب على الدولة في الجزائر، التي أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الجزائريين.

وفي سياق ما يدور من سجال حول اقتران العنف بجماعات الإسلام السياسي، غالباً ما تتردد فرضية أن انغلاق الأفق أمام هؤلاء يدفعهم إلى التطرف والإرهاب، بينما يحد الاعتراف بهم، وتمكينهم من السلطة، من ظاهرة العنف.

وفي الواقع ثمة ما يبرر إعادة النظر في فرضية كهذه. ففي مصر، مثلاً، وقعت عمليات قتل للجنود المصريين في سيناء، في ظل حكم الإخوان. وفي تونس وقعت أعمال إرهابية بعد وصول جماعة النهضة إلى الحكم.

ولعل أهم النماذج التي لم تُدرس على نحو كاف حتى الآن يتمثل في التجربة الأفغانية، فبعد إسقاط النظام المدعوم من السوفيات، واستيلاء "المجاهدين" على السلطة والبلاد، معاً، نشبت حرب أهلية بين فصائلهم وأحزابهم، أكلت الأخضر واليابس. وهي الحرب التي حسمها الطالبان في مناطق واسعة من البلاد، لتتحول على أيديهم إلى مصدر للإرهاب في بلدان مختلفة، كان أبرز ضحاياها الشيشان، التي تعرّضت للدمار، وصولاً إلى هجمات القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر، التي غيّرت العالم.

الخلاصة: هناك، دائماً، جماعات "جهادية" تقاتل جماعات "جهادية" أخرى. ولا يوّحد هؤلاء سوى العداء للدولة القائمة، والثقافة السائدة. جدث هذا في أفغانستان، والصومال، ويحدث الآن في سورية، والعراق، ولبنان، واليمن، وليبيا، ويمكن أن يحدث في كل مكان آخر.

وثمة، في ظل واقع كهذا ما يبرر القول: إن فرضية البديل الإسلامي ليست أفضل حالاً، ولعل فيها على سبيل الإيجاز ما يعيد التذكير بالمستجير من الرمضاء بالنار.