الإثنين 20 أكتوبر 2014 / 22:14

الإخوان المسلمون".. ملائكة أم شياطين!



لم تكن كمية الكليشيهات التي أطلقتها السفيرة الأمريكية السابقة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة السيدة مارسيل وهبة، هي مثار دهشتي؛ فليس من الغريب أن يطبع العمل في المجال الدبلوماسي الأشخاص بطبيعة تجعلهم أحياناً أشبه بالدمى الناطقة؛ عندما تلمسها من الأماكن المحددة فإنها تصدر صوتاً تم برمجتها عليه، ومهما تكرر الضغط فإن الصوت لا يتغير. وهكذا كانت ملامح الحوار الذي استمر لساعتين معها تحت عنوان عريض هو (مستقبل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط).

لكن مثار دهشتي الحقيقي، نبع من ذلك التناقض الكبير الذي شاب موقف السيدة السفيرة السابقة بشأن جماعة الإخوان المسلمين؛ فرغم تقريرها الواضح بأن "الإخوان المسلمين" في مصر قد فتحوا الباب لكثير من الإسلاميين لكي يستخدموا العنف، وهو ما مثّل نموذجاً احتذت به التيارات الإسلامية الأخرى في المنطقة، واعتبارها العنف المتصاعد الذي تشهده المنطقة حالياً رد فعل لفشل تجربة الإخوان المسلمين في مصر، وربطها الواضح بين ذلك وبين ظهور منظمة داعش الإرهابية، تعترف السيدة السفيرة كذلك بأن نجاح الإخوان المسلمين في الوصول إلى السلطة في مصر كان نتيجة مباشرة لفشل إدارة مبارك، الذي لم يدع مجالاً لتنظيمات مدنية لكي يكون لها وجود حقيقي منظم على الأرض، مما مهد لها فرص نجاح - ربما لا تستحقه- في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

رغم كل ما سبق- فإن السيدة السفيرة ما زالت ترى في ما حدث في مصر انقضاضاً على سلطة الإخوان المسلمين وانفراداً بالسلطة! وهو في الحقيقة أمر يستدعي الدهشة من مكامنها، لأنه بدايةً يمثل تناقضاً واضحاً مع ما أقرته بنفسها في الجلسة ذاتها، فإذا كانت ترى أن الإخوان المسلمين هم أصل العنف (هم من فتح الباب لعنف الجماعات الإسلامية في المنطقة) وترى أن حركة داعش رد فعل لسحب بساط السلطة من تحت أقدام الإخوان في مصر، فكيف يصح لها -مع ذلك- وصف ما حدث في مصر بأنه انقضاض وانفراد بالسلطة!

الحقيقة، قد يكون في ما أدلت به السيدة السفيرة في الجلسة نفسها من تصريحات، ما يلقي بعض الضوء على أسباب ذلك التضارب غير المبرر؛ تقول في معرض وصفها لشكل تطور العلاقات الأمريكية مع مصر منذ مبارك إلى السيسي "إن الإدارة الأمريكية فوجئت بالتغيرات السريعة في الأوضاع في مصر في أعقاب الخامس والعشرين من يناير، بعد أن اعتادت على وجود حسني مبارك في الحكم لسنوات طويلة" وهو الأمر الذي لم يكن ضمن سيناريوهاتها للتعامل مع المنطقة، والذي تسبب في وقوع الولايات المتحدة الأمريكية في (حيص بيص) أسفر عن العديد من الأخطاء، اعترفت ببعضها في الجلسة ذاتها حين قالت "إن السياسة الأمريكية قد تكون أخطأت في نواحي عدة في التعامل مع الرئيس الأسبق محمد مرسي".

والسؤال الآن إذا كانت السفيرة الأمريكية ترى أن جماعة الإخوان المسلمين هي من (فتحت باب العنف للجماعات الإسلامية في المنطقة) وتربط بوضوح بين سحب بساط السلطة من تحت أقدامها في مصر وبين تصاعد العنف الذي تشهده المنطقة متمثلاً في تنظيم داعش، ألا يكون منطقياً حينئذ أن يقوم الجيش المصري بدوره في التصدي لمثل تلك الجماعة غير الوطنية ودرء هذا الخطر البين عن أرض مصر وشعبها؟

الإخوان المسلمون.. ملائكة إم شياطين! يظل هذا التناقض في الحكم من مسؤولة أمريكية بمستوى مارسيل وهبة مثيراً للدهشة، وتزداد مساحة الدهشة اتساعاً عندما تصر على تجاهل أن ما تم في مصر لم يكن انفراداً من الجيش بل كان مطلباً شعبياً دعمه الجيش، وطرحه في البداية وفقاً لقواعد الديمقراطية حين عرض على الرئيس الأسبق محمد مرسي -وهو في سدة الحكم- إجراء انتخابات مبكرة أو الاستفتاء على رئاسته تنفيذاً لمطالب الشعب.

هل كان الحل الذي ترتضيه أمريكا هو بقاء جماعة الإخوان المسلمين (التي وصفتها السفيرة بفاتحة باب العنف في المنطقة) في سدة حكم أهم دولة عربية لمجرد أن ذلك سوف يعفي أمريكا من المزيد من (التغيرات السريعة في الأحداث) على حد وصف السفيرة، حتى يتسنى لها ترتيب سيناريوهاتها تجاه المنطقة بهدوء ومن دون مقاطعة .. مثل زمان أول!