الثلاثاء 21 أكتوبر 2014 / 22:37

دوائر الكراهية



حسام غالي لاعب الأهلي والمنتخب، وحده يعرف الحقيقة. غالي قال إنه لم يصوِّر مضيفة "مصر للطيران"، وليس مسؤولاً عن حملة السخرية الشرسة التي تعرضت لها، على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي أكد فيه كثيرون أنه هو من قام بهذا، فما الذي يمكن قوله الآن؟

هناك شخص ما فعل هذا، وفي كل المرات التي يجري تسريب شيء لمجتمع "فيس بوك" لا يمكنك أبداً أن تتوصل إلى الشخص الأول الذي أطلق الشرارة، فالتقاطعات بين المستخدمين تسير في دوائر، وكل دائرتين تكونان مرتبطتين بمجموعة من الأصدقاء المشتركين، وحينما تصل إلى الدائرة ألف أو مليون، لن تستطيع أبداً ربطهما بالدائرة الأولى، وحُمَّى "الشير" تبدو بلا نهاية، لتكتشف أنك إزاء مجتمع مسعور، لا يعرف عن الأخلاق سوى مسماها، مجتمع عنصري وطائفي، وسطحي، أصبح يجد متعة في قتل الناس بالسخرية من ألوانهم وأشكالهم، فهل من حقنا أن نسخر من مضيفة الطيران لأن وزنها زائد؟ هل تحتاج إلى خفض وزنها لأنه مطلوب منها أن تجري في الطائرة كما يجري اللاعبون في الملعب؟ هل مطلوب منها أن تؤدي عروض باليه أو رقصات؟

معظم التعليقات، حول صورة مضيفة الطيران، كشفت عن الطريقة التي يتم بها النظر إلى المرأة في مصر، وهناك مقارنات غريبة جرت للتأكيد على أن كل مضيفات الطيران في العالم جميلات إلا لدينا نحن، مع سخرية مقيتة من سن وبدانة المضيفة المصرية. وقد تابعت التقارير التي نشرتها المواقع فيما بعد، ومنها تصريحات لابنة المضيفة، تصريحات لا تستوعب أو تصدق ما يحدث، تصريحات لا يمكن أن تقرأها بدون أن تشعر بالعار فعلاً لأنك في هذا المحيط الذي يأكل فيه الناس بعضهم بعضاً، بالتلميح، والتصريح، والمعايرة، وبالطعن، والتخوين، والتلفيق، والوشاية. مجتمع تحكمه الكراهية، وتلويث السمعة.

وكما كتبت عدداً كبيراً من المرات فإن كثيراً من المواقع لا تحكمها معايير مهنة الصحافة، وما يهمها فقط هو خوض السباق على موقع التصنيف "إليكسا" بدون التحقق من المعلومات، بدون أن تكون أخطاء اللغة والصياغة عائقاً، بدون أن يكون الاستئذان منهجاً قبل نشر ما يكتبه المشاهير أو حتى الأشخاص العاديون، وتبدأ المواقع ذاتها إعادة ما أخذته من مواقع التواصل، إلى المواقع ذاتها، وكأنها تعيد تدوير بضاعتها الفاسدة، ثم تبدأ لعبة الشير من جديد، في إعادة "تسخين للكلام"، ومحاولة طبعه بالشكل الصحافي، ولا يهم وسط كل هذا سمعة الأشخاص الذين تطالهم هذه الأخبار، وكما ذكرت فإن أبسط القواعد تقول إنه علىَّ استئذان المصدر، قبل نشر كلامه، ومع هذا فإن الأغلبية لا تستأذن، وقد يجد صاحب الكلام نفسه في ورطة، وهناك أصدقاء لي يكتبون طوال الوقت محذرين من أن "بوستاتهم" غير قابلة للشير، أو النقل في المواقع الإخبارية، ومعهم كل الحق في ذلك.

حسام غالي نفى عن نفسه التهمة، ومرة أخرى هو وحده من يعلم الحقيقة، وهناك مئات سايروه، هو أو من التقط الصورة ونشرها لأول مرة، أشخاص عاديون ومحررون، أصحاب صفحات على فيس بوك، ومواقع إخبارية، ثم انتهت "الهوجة" لأن أحداً من الأشخاص الذين صاروا عنواناً للحياة في مصر الآن، مثل أحمد موسى، أو مرتضى منصور، أو أحمد شوبير، بدأ في "الهلفطة" حول أي شيء. لحظتها يلتفت الكل إليهم، وتبدأ المواقع في نشر سخافاتهم، وحينما تهدأ الأمور.. بالتأكيد يمكن اقتناص ضحية جديدة، لا ذنب لها، ضحية غافلة، وبريئة، لا تنتبه في تلك اللحظة إلى أن موبايل لاعب شهير، أو شخص آخر، يلتقط لها صورة، لتصير "حدوتة" مجتمع مريض.