سيف بن زايد مصافحاً جيفري ساكس
سيف بن زايد مصافحاً جيفري ساكس
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 / 23:38

سيف بن زايد يشهد محاضرة عن "عصر التنمية المستدامة وتحديات التعاون الدولي"

شهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان مساء اليوم، في مجلس محمد بن زايد محاضرة بعنوان "عصر التنمية المستدامة وتحديات التعاون الدولي".

كما حضر وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وعدد من كبار المسئولين المحاضرة التي ألقاها مدير معهد الأرض استاذ التنمية المستدامة والسياسات والإدارة الصحية في جامعة كولومبيا البروفيسور جيفري ساكس.

البروفيسور ساكس
وبدأ البروفيسور ساكس المحاضرة بالتأكيد على وجود فرص كبيرة ونادرة أمام دول العالم لمواجهة التحديات التي تعيشها على المستوى الاقتصادي والبيئي والسكاني والاجتماعي والتعليمي والصحي.

ولفت إلى أن الإمارات وخاصة أبوظبي تأتي في المقدمة على صعيد التطلع نحو المستقبل المستدام، فهي تضع الخطط وتعمل على تنفيذها، الأمر الذي يميزها في المنطقة وتحتاجه دول العالم ككل ويجعلها ملتقى لهذه الدول.

وقال: "على العالم ان يتعلم من أبوظبي ريادتها في مجال البناء للمستقبل المستدام " مشيراً إلى أن مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، كانت له رؤية في هذا الاتجاه وقد نجح في تثبيتها وتنفيذها وأن القيادة الحكيمة تواصل هذا النهج دون انقطاع".

وأضاف أن صحارى الإمارات وبقية دول المنطقة مصادر جيدة للعالم وتمويل أوروبا على سبيل المثال بالطاقة الشمسية وليس النفط فقط، مشيراً إلى أن ذلك سيتم من خلال التقدم التقني والرؤية السياسية الحكيمة.

وأكد أهمية التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والشراكة بينهما في مجال الطاقة لافتا الى أنه يمكن للامارات كونها مركزا للطاقة الهيدروكربونية أن تسهم بشكل كبير في هذا المجال لأنها تطمح لكي تكون متقدمة فيه.

كما أكد ضرورة الاعتماد على الطاقة الشمسية والطاقات البديلة، مشيراً إلى أن السلام في المنطقة ضروري لتحقيق الاستدامة المطلوبة وأن الإمارات يمكن أن تبادر عربياً لإيجاد شبكة حلول مبتكرة للتنمية المستدامة.

وتحدث البروفسور ساكس عن النظام الاقتصادي الدولي الراهن، مشيراً إلى أنه يتسم بخمس خصائص رئيسية هي نظم إنتاج على نطاق عالمي تخضع لهيمنة الشركات - المؤسسات المتعددة الجنسيات والتغير التكنولوجي السريع، لا سيما القائم على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتغير السكاني المتسارع بما فيه النمو السكاني السريع والتفاوتات العالية في الدخل، "أو عدم المساواة في توزيع الدخل" سواء داخل الدول أو بينها والأزمات البيئية الشديدة وأهمها التغير المناخي وفقدان التنوع الحيوي.

وأضاف أن التنمية المستدامة تشير إلى نهج كلي ومتكامل للسياسة الاقتصادية التي تسعى معاً إلى تحقيق ثلاثة أهداف هي التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي والاستدامة البيئية.

وقال ساكس إنه يمكن وصف هذه الحقبة بـ"عصر التنمية المستدامة" نظراً للتحديات التي يواجهها العالم والمتمثلة في مكافحة الفقر المدقع والحد من التفاوتات الكبيرة في الدخل والثروة وحماية البيئة.

النظام العالمي الجديد يجب أن يقوم على مبادئ أربع
وأكد ساكس أن العصر الحالي متعدد المخاطر كالمخاطر السياسية والاجتماعية وعدم الاستقرار الجيو-سياسي، حيث أن أغلب المناطق في العالم أصبحت أكثر ثراء وأكثر تواصلاً عبر تقنية المعلومات، بينما الأمر ليس كذلك في مناطق أخرى.

وأوضح أن الأزمات الناجمة عن التفاوت الاقتصادي والتهميش الاجتماعي وصراع الهويات الاجتماعية والهجرة الواسعة النطاق التي نجم كثير منها عن أعمال العنف أو كارثة بيئية والأزمات البيئية الشديدة تقع على نطاق عالمي وتعطل حوكمتها وحسن إدارتها في معظم أجزاء العالم.

وأضاف أن النظام الجيو-سياسي العالمي يشهد تحولاً سريعاً من الثنائية القطبية " الحرب الباردة حتى العام 1991 " إلى فترة وجيزة من الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة بعد 1991 ثم إلى التعددية القطبية المعقدة الحالية مع نشوء البرازيل والصين والهند كقوى إقليمية.

ونوه إلى أن العالم يبحث اليوم عن نظام اقتصادي وجيو-سياسي جديد يمكنه أن يستغل القوى الفعالة فيه بطرق سلمية وبناءة من أجل الحد من الفقر ومكافحة التفاوتات والبطالة المتزايدة وحماية البيئة الطبيعية.

وأعرب عن اعتقاده بأن النظام العالمي الجديد يجب أن يقوم على مبادئ أربعة هي التنمية المستدامة كما دعت إليها "قمة ريو قمة الأرض ومؤتمر ريو + 20" ومبدأ عدل التدخل السلمي كما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان كما ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و التكامل الإقليمي لتسهيل تحقيق مكتسبات التعاون الإقليمي.

و دعا إلى تكريس هذه المبادئ في ثلاث مفاوضات عالمية بالغة الأهمية ستجرى في عام 2015.. أولها في شهر يوليو 2015 حيث ستلتقي حكومات العالم في أديس أبابا في المؤتمر المعني بتمويل التنمية أو ما يسمى عملية تمويل التنمية.. أما الثانية والتي ستتم في شهر سبتمبر 2015 فسوف يتبنى قادة العالم أهدافا جديدة للتنمية المستدامة بينما ستكون الثالثة في شهر ديسمبر 2015 حيث سيجتمع قادة العالم مرة ثانية في باريس في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من أجل تبني إطار عالمي لمكافحة تلوث المناخ الناجم عن فعل الإنسان.

وأكد أن مفاوضات العام المقبل ستكون في غاية الأهمية لجميع الأطراف في العالم .. مشيراً إلى أن الأهداف الرئيسية لتلك المفاوضات يجب أن تحقق أولاً التمويل " يوليو" يجب أن تكون الغاية من المؤتمر المعني بتمويل التنمية وضع نظام مستقر وقابل للتنبؤ به وفعال لعملية تمويل التنمية العالمية بما في ذلك تنمية الدول الأكثر فقرا.. وأن يعمل هذا النظام على إصلاح عملية توصيل المساعدات الإنمائية الرسمية وخلق قنوات جديدة لتمويل عملية التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدة تأثيراته وتحسين الفعالية والعدالة والشفافية والاستقرار في تدفقات رؤوس الأموال الدولية.

وقال : " ثانياً الأهداف الجديدة للتنمية المستدامة " سبتمبر" والغاية هي تبني مجموعة مختصرة ومتوافقة وطموحة من أهداف التنمية المستدامة تعمل على توجيه التفكير الإنمائي وخطة العمل العالمية للفترة من 2015-2030.

وأشار ساكس إلى أنه بناء على أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى الآن تم تحديد 17 هدفا للتنمية المستدامة يجب العمل على بلورتها في شكل 10 أهداف واضحة وإلزامية للتنمية المستدامة لاعتمادها في سبتمبر المقبل.

وثالثاً التغير المناخي " ديسمبر" ويكمن الحل في الاتفاق على وضع إطار عالمي جديد يستطيع التحكم في الاحتباس الحراري الناجم عن فعل الإنسان دون حاجز الدرجتين المئويتين ..كما اتفقت حكومات العالم في عام 2010.

مخاطر المنطقة العربية كبيرة جداً
و أوضح أن هدف الدرجتين المئويتين بشأن الاحتباس الحراري يتضمن "إزالة الكربون" في نظام الطاقة العالمي بحلول عام 2050 بما في ذلك التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون مثل الطاقة الشمسية والهوائية والكهرومائية والنووية والأرضية الحرارية وطاقة المد والجزر وطاقة الوقود الحيوي المتطورة وغيرها من المصادر المحتملة.

ولاحظ البروفسور ساكس أن المخاطر المترتبة عن خطة العمل الإنمائية الدولية الجديدة على المنطقة العربية تبدو كبيرة جداً فهي بحد ذاتها معرضة بشدة لخطر التغير المناخي مثلا الجفاف الشديد الذي أصاب دول الشرق الأوسط خلال العقد الماضي.

وقال إنها المنطقة الأغنى بين دول العالم في المواد البترولية إلا أنها تمتلك موارد ومصادر متجددة ضخمة أيضاً كما أن معظم دول المنطقة تعاني عدم استقرار بسبب العوامل الراهنة كالتغير السريع في التركيبة السكانية والصراعات الاجتماعية والوضع الجيو - سياسي والهجرة الواسعة النطاق والأزمات البيئية الشديدة.

وشدد على ضرورة أن تبحث المنطقة العربية عن دور قيادي فعال في المفاوضات المقبلة من أجل ضمان الحصول على أفضل الإمكانات، القدرات الكامنة للتنمية المستدامة فيها.

واعتبر المحاضر أن العام القادم عام استثنائي بل من اهم الأعوام لتحديد توجهات العالم لتحقيق الفائدة القصوى لكوكب الأرض الذي يواجه كل هذه المخاطر مشيرا إلى أنها فرصة لابد من التمسك بها لأنها لن تتكرر.

العصر الحالي أهم من عصر أديسون
وأضاف أن على سكان الكوكب الأرضي التعايش مع مفهوم الاستدامة أي النظرة المتكاملة للمجتمعات والاستدامة البيئية .. مشيراً إلى التطورات المتسارعة في الثورة التقنية التي تربك الأنماط التقليدية في مجالات الصحة والتعليم والتصنيع.

وأشار ساكس إلى أن عدد سكان العالم يبلغ حالياً 7.3 مليار نسمة ويزداد بمعدل 80 مليون نسمة كل عام .. منوها إلى توقعات الأمم المتحدة بوصول الزيادة إلى أربعة مليارات نسمة في نهاية القرن الحالي ودعا الدول الإفريقية إلى دراسة هذا الأمر لأنه يؤثر في زيادة نسبة الفقر والجوع.

وقال إنه مع هذا التزايد الكبير لن يكون هناك متسع من الأرض للجميع كما أن لا أحد يحب من يأتي الى بلده مهاجرا وهو أمر محزن اذا لم يتم استقبال هؤلاء المهاجرين بالآلاف بسبب العنف أو الحروب أو الجفاف أو غير ذلك من العوامل الأخرى.

وأضاف أن العصر الحالي أكثر أهمية من عصر أديسون مخترع الكهرباء والاكتشافات والاختراعات الآخرى ما يجعله فرصة ثمينة بالنسبة لنا لو تم استخدام امكاناته على الوجه الصحيح بحيث يختفي الفقر عام 2030 حسب تقديرات الامم المتحدة.

وأكد ساكس أن عدم تحقيق التنمية الاقتصادية للناس في كل المناطق بتشارك متساو أو ما يسمى الادماج الاجتماعي سيؤدي الى عدم الاستقرار الذي يمثل تحديا رئيسا للمجتمع العالمي.

ولفت ساكس إلى تحد ثان هو ان السياسة في يد الاغنياء فقط وليس في يد كل أفراد المجتمع مشيرا في هذا الخصوص الى الانفاق الكبير على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة على سبيل المثال وزيارة الرئيس الأمريكي للأغنياء دون الاهتمام بالفقراء في حي هارلم وغيره من الأحياء الفقيرة الأخرى.

واستعرض المحاضر تحديا آخر هو الوقود الإحفوري مشيرا إلى أنه مشكلة حقيقية وخطيرة فالأرض تدمر بفعل زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30 في المائة وحتى المحيطات تتأكسد أيضا وتموت الأعشاب المرجانية والحياة البحرية والنظام الايكولوجي بشكل عام .. ودعا الى الوصول الى ما اسماه اقتصاد الانبعاثات الصفرية عبر استخدام الوقود الاحفوري بطريقة صحيحة.

وجزم بأن حل مشكلة النمو يتم في الأساس بالتنمية المستدامة والتنظيم والتكامل بين الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية مشيرا في ذلك الى عدد من الدول كالبرازيل وإندونيسيا وغيرها من الدول الآخرى التي تعمل على تطوير أوضاعها.. وتطرق إلى الامراض والاوبئة الفتاكة خاصة مرض ايبولا ومرض السارس .. مشيرا الى أهمية التعاون الدولي لمكافحة مثل هذه الامراض الخطيرة وتوحيد الجهود للقضاء عليها بقوة وشدة.

وعبر عن أسفه لأن العالم لايفكر في المستقبل بل يقوم برد فعل تجاه أي فعل حدث .. مشيرا الى أن دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية وخاصة الاعلام فيها يهتم بوفاة أمريكي واحد بسبب مرض ايبولا ولايكترث المجتمع ككل بوفاة المئات بل الآلاف في غرب افريقيا بسبب هذا المرض.

لكنه أشاد بالتقدم العلمي التقني والطبي خاصة في مجال الجينوم واعتبره نصرا مؤزرا حيث يمكن الآن تقليص تكلفة استخدام الجينوم للاغراض الطبية من مائة مليون دولار لكل نسخة واحدة من البشر الى الف دولار فقط.

وفي ختام المحاضرة رد البروفسور ساكس على سؤال حول عزوف الشركات الخاصة عن نقل المعرفة وتطوير الاقتصادات المحلية لدولها مؤكدا أهمية تحديد اولويات التكنولوجيا ليس من منظور الاعمال بل من قبل المجتمع العالمي.

وقال أنه عندما يتم تحديد التكنولوجيا المطلوبة سيتم تحديد المعوقات من قبل الحكومات والقطاع الخاص لديها تمهيدا لتطوير التكنولوجيا المنشودة أي لابد من قيادة عامة بين القطاعين العام والخاص.

ورداً على سؤال آخر حول تفشي بعض الأمراض الجديدة وأسبابها أكد المحاضر أن العالم يترك الأمور على ماهي عليه ثم يفاجأ بالمصيبة تطرق أبوابه .

ودعا ساكس إلى تغيير هذه النظرة وضرورة إيجاد نظام مراقبة عالمي ومعايير صحية صارمة وتطوير أنظمة الصحة العامة و تحسين الغذاء وتوفير الصحي منه والاهتمام بالفقراء كي يكون العالم آمنا مطمئنا.