جامع الشيخ زايد الكبير في العاصمة الإماراتية أبوظبي
جامع الشيخ زايد الكبير في العاصمة الإماراتية أبوظبي
الجمعة 24 أكتوبر 2014 / 09:39

خطبة الجمعة الموحدة في الإمارات: "الهجرة النبوية"

نشرت الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية عبر موقعها الإلكتروني، خطبة الجمعة الموحدة لليوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) تحت عنوان "الهجرة النبوية".

وتناولت الخطبة الأولى لصلاة الجمعة الحديث عن الهجرة النبوية الشريفة، وما فيها من حكم وعبر ودروس، لاسيما التعلق بالله ودينة والصبر والتوكل على الله والثقة به، فيما ذكرت الخطبة الثانية بأن الإسلام دين سلام وتعايش، وأن الهجرة هي تقوى الله تعالى واجتناب المعاصي، وكف الأذى عن الناس.

الهجرة النبوية 
أيها المسلمون: إن في السيرة النبوية أحداثاً عظاماً تحلو كلما تكررت، وتنجلي عظاتها كلما أقبلت، فحديثها عبرة وحكمة، وذكرها ثواب ونعمة، ومن هذه الأحداث العطرة ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إمام البشرية، كيف لا؟ وقد كانت الهجرة بارقة النور لعهد مشرق جديد، وطريق الجد لإقامة حضارة إنسانية خالدة، ولقد أحسن سيدنا عمر بن الخطاب (الفاروق) رضي الله عنه حينما ربط تاريخنا بهذا الحدث العظيم، لتظل دروسه في حياتنا، نستفيد منه، وننهل من حكمه، وإن من أعظم الدروس أن يرسخ المسلم صلته بربه، فيزداد به تعلقاً، وعليه توكلاً، وله خشوعاً وخضوعاً، ويتعلم أن الله سبحانه غالب على أمره، وإذا أراد شيئاً أمضاه، قال تبارك وتعالى:( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، فلما أجمعت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجندوا لذلك فرسانهم وبذلوا لأجله أموالهم نجى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من كيدهم وتدبيرهم بقدرته وقوته، قال سبحانه:( أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد).


ولما خلص الكفار إلى مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار ثور، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة : "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟" فلقد كانوا في معية الله تعالى، خرجوا بأمره، وتوكلوا عليه، فكان الله عز وجل معهم، يؤيدهم بلطفه، ويرعاهم بعنايته، قال تعالى:( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم) فمن توكل على الله كفاه، ومن استهداه هداه، فالتوكل هو الحصن الحصين عند نزول البلاء، وهو باب النجاة عند انقطاع الرجاء.

حسن الإعداد
عباد الله: إن "دروس الهجرة النبوية كثيرة لا تنقضي، وعديدة لا تنتهي، ومنها حسن الإعداد، وبذل الأسباب لتحقيق الغايات الحميدة، فلقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة موضعا لهجرته، وانتقى الزمان والمكان لرحلته، وهيأ الزاد، واختار الصاحب، وأعد للأمر قبل ذلك بأن أرسل إلى المدينة مصعب بن عمير رضي الله عنه، وكان رجلا حكيما يدعو إلى الإسلام، ويحسن التعامل، ويجيد العظة، فقال لأهل يثرب: اسمعوا قولي؛ فإن قبلتموه فخذوه، وإن كرهتموه كففت عنكم ما تكرهون، فقالوا له: أنصفت".

فكان محسنا في منطقه، عاقلاً في حواره، امتلك قلوب الناس بأوجز العبارات، وأذعنوا له بأبلغ الكلمات، فلم يعنف ولم يهدد، بل كان رفيقا في تعامله ودعوته، فأسفر لهم عن وجه الإسلام المشرق، وبين لهم سماحته ورحمته، وعدله وحكمته، فآمنوا بهذا الدين الحنيف، حتى ملأ الإيمان قلوبهم، وتعلقت بالإسلام أرواحهم، فما من بيت في المدينة إلا دخله الإسلام في خلال عام، وكل ذلك من ثمرات الكلمة الطيبة والدعوة الحكيمة استجابة لنداء القرآن الكريم، في قول الله عز وجل:( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) وهكذا يجب أن يكون المسلم واجهة مشرفة لدينه وبلاده، محسنا إلى الناس، موقرا كبيرهم، رحيما بصغيرهم، مجلا ومقدرا ذا المنزلة فيهم.

الصاحب
أيها المسلمون إن "الصاحب زاد لصاحبه في السراء والضراء، ولقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه خير الأصحاب وأحبهم إليه، فكان نعم الصاحب الوفي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصه بالذكر فيقول: "إنه ليس من الناس أحد أمن على في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل".

فاختاروا لأنفسكم من الأصحاب من يسركم ذكرهم، وينفعكم عملهم، واحذروا أصحاب السوء، فما ضل كثير من الناس إلا بسوء اختيار الأصحاب.

المدينة المنورة
عباد الله: "لقد انطلقت من المدينة المنورة القيم الحضارية والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الأوطان، ومن خلالها تعمر البلدان، ويرتقي الإنسان، ومن هذه الركائز بناء المسجد، فهو من أول أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، إذ المسجد يوثق صلة المؤمن برب العالمين، ويوحد المسلمين، ويجمعهم على الطاعات، ويحول بينهم وبين الدخيل من الأفكار والمغالاة، فمن المسجد تنبع رسائل المحبة إلى الناس، وتسفر مشاعل النور بالعلم والهداية".

وقد عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تقوية أواصر المودة بين المسلمين، فآخى بين الأوس والخزرج، والمهاجرين والأنصار، فاجتمعوا على قلب رجل واحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أيها المسلمون: "ومن المبادئ التي رسخها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة تنظيم العلاقات الإنسانية مع ساكني المدينة المنورة من أهل الكتاب وغيرهم، فحفظ لهم حقوقهم، وكفل لهم حرياتهم، وضمن لهم حق المواطنة والتعايش السلمي، وأكد على تلك المعاني القيمة في وثيقة المدينة، التي كتبها كميثاق بين جميع من يسكن المدينة، ومما جاء في بنود هذه الوثيقة: لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم".

فبتلك المبادئ يتحقق للإنسان استقراره، ويحيا في تآلف ومودة بعيدا عن الفتن والاختلافات.

فاللهم آمنا في أوطاننا، وأبعد عن ديارنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ووفقنا جميعا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته, عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

الخطبة الثانية
اتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن الإسلام دين سلام وتعايش، وأن الهجرة هي تقوى الله تعالى واجتناب المعاصي، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".

فاحرصوا يا عباد الله على ما أمركم به الله ورسوله من كف الأذى عن الناس، فذلك هو الإسلام، واهجروا ما نهاكم عنه الله ورسوله، فتلك هي الهجرة. فاللهم ارزقنا السلام والوئام، واجعلنا مسارعين إليك بالطاعات وترك السيئات.