الجمعة 24 أكتوبر 2014 / 22:41

الذين رضوا بجهلهم .. ورضى عنهم جهلهم!

 

أجرى موقع إلكتروني مصري الأسبوع الماضي استطلاعاً مصوراً بين عدد محدود من طلاب وطالبات إحدى الجامعات المصرية، وجه إليهم خلاله عدداً من الأسئلة تتسم بالبساطة والسهولة، في مجالات مختلفة تجمع بين العلم والتاريخ والدين وعلم الحساب، فجاءت إجاباتهم من النوع الذى ينطبق عليه القول المأثور: "شر البلية ما يضحك".

سأل المذيع الطلاب: ما التمثيل الضوئي؟ أجاب طالب: تمثيل إيه؟ وقالت زميلة له: مش عارفة، وتساءل ثالث: تقصد الواحد يقف كده ويمثل ضوئي يعني! وأجابت رابعة: النباتات تحتاج ميه وشمس وكده يعنى!!

وعاد المذيع يسأل: ثورة 1952 - 23 يوليو قامت إمتى؟ ومع أن السؤال يحتوى على إجابته فإن أحداً لم يستطع الإجابة عنه.. وقال طالب: مش فاكر؟ وقال الثاني وهو يقهقه: أصل أنا قسم علمي.. وفى الموضوع نفسه سُئل الطلاب: ثورة 1952 قامت ليه؟ فأجاب اثنان بأنهما لا يعرفان، وقال ثالث: أنا ما أعرفش أي حاجة في التاريخ أصلاً.. ونسيت الثالثة السؤال وأجابت عن السؤال السابق قائلة: ثورة 52 قامت إمتى؟ أكيد سنة 52 بس ما أعرفش إمتى.. وفى الإجابة عن سؤال عن الرئيس الذى جاء بعد الملك فاروق.. عجزت طالبتان على الإجابة.. وقالت الثالثة: أنت تقصد مين اللى جه بعد فاروق ولا ابنه.. أصل له ابن.. جه كده في المسلسل.

وانتقلت الأسئلة إلى مجال المعلومات الدينية، فسئل الطلاب: ما الفرق بين الصورة .. والسورة؟ فأجاب طالب: السورة مثنى الصورة.. ها ها ها.. وقالت طالبة: أنا عارفة الصورة أما السورة معرفهاش.. وعرفت ثالثة الإجابة الصحيحة.. وفى مجال الحساب سئل الطلاب: آخر جدول الضرب كام؟ فقال أحدهم: مشكلتي في الحياة هي جدول الضرب.. وقال طالب: آخر جدول الضرب هو 9*9 وقالت طالبة 10*10.. وجزمت أخرى بأن جدول الضرب مالوش آخر.. وعندما سئل الطلاب: الدائرة فيها كم ضلع؟ قال طالب: إنه لا يعرف.. وسأله المذيع: بتدرس إيه؟ قال: هندسة، وقالت طالبة أخرى: الدائرة فيها ضلع واحد، وصحح الآخر الإجابة قائلا: ضلع واحد بس متني (أي منثن).

وسئل الطلاب: اذكر أسماء أربعة من الصحابة؟ قال طالب: أحمد ومحمد وطارق! فلما نبهه المذيع إلى أنه يسأله عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس أصحابه.. عجز عن الإجابة، وقالت طالبة إن الصحابة هم "أبو بكر" و"أبو على بن أبى طالب" ولم يتذكر اثنان أي اسم، وقالت طالبة مفيش حاجة في دماغي خالص.. وتساءل طالب: الصحابة ولا الأنبياء ولا الاتنين؟ فقال له زميله: ما تفرقش، فذكر اسمى سيدنا يوسف وسيدنا إبراهيم.. وقال آخر إن الصحابة "الزبير بن العوام" و"الخنساء" فسأله زميله: الخنساء دي صحابية؟ فأجاب: مش حتفرق يعنى.

ولم يكن ما لفت نظري في هذه الإجابات هو فقط عجز طُلاب وطالبات الجامعات عن الإجابة عن أسئلة تتعلق بمبادئ العلوم التي درسوها في مراحل التعليم قبل الجامعي مثل الحساب والتاريخ أو ترتبط بالثقافة العامة التي يفترض أنهم قد حصلوها خلال عقدين من أعمارهم، لكن - كذلك - لأن ردود أفعالهم على هذا العجز عكست درجة من الاستهانة والاستهتار، وافتقدت لأي إحساس بالخجل أو بالحرج، لأنهم يجهلون ما لا يليق بهم -فقد وصلوا إلى المرحلة الأخيرة من مراحل التعليم- ألا يعرفونه، اكتفاء بـ"افيهات" شائعة بينهم من نوع: "أصل أنا علمي مش أدبى" أو "أنا بيني و بين جدول الضرب مشكلة" أو "ما تفرقشى"، وهو ما يعنى ألا فارق عندهم بين العمل والجهل.. أو بين حرف الألف و"كوز الذرة"، مع أن الأساس في التعليم والثقافة هو أن يشعر الإنسان بجهله ويسعى لتحدى هذا العجز بالسعي للمعرفة!

وبصرف النظر عن أن العينة التي اختارها مقدم هذا التحقيق التلفزيوني قد لا تكون دالة على مستوى تعليم ومدى ثقافة طلاب الجامعات المصرية، إذ من الوارد أن يكون قد تعمد اختيار هذه النماذج بالذات منهم من باب السعي إلى تقديم موضوع طريف، أو لدق ناقوس الخطر حول تدهور مستوى التعليم، ومع التسليم بأن هناك نماذج أخرى من طلاب الجامعات، ومن الجيل الشاب بشكل عام، يتميز بمعرفة لافتة للنظر، إلا أن ذلك كله لا ينفى أن هناك شواهد كثيرة تؤكد أن الظاهرة - في مجملها - صحيحة، يستطيع كل من يحتك بأقسام واسعة من هذا الجيل أن يكتشفها بالملاحظة.

ولو أن المحقق التلفزيوني الذى أجرى هذا التحقيق أو أحد زملائه كان قد اختار أسئلته من مجالات أخرى مثل الرياضة والفن السينمائي والغناء، لاكتشف أن الطالب الذى يدرس الهندسة في الجامعة، ويعجز مع ذلك عن معرفة حقيقة هندسية بسيطة مثل أن الأشكال ذات الأضلاع تقتصر على المثلث والمربع والمستطيل وشبه المنحرف، وأن الدائرة ليست - أصلاً - من ذات الأضلاع، هو موسوعة رياضية وسينمائية وغنائية، فهو يحفظ أسماء كل النوادي، ويتابع ترتيبها في مباريات الدوري العام ويحفظ تراجم كل اللاعبين، وعدد الأهداف التي سجلها كل فريق، ووقائع المبارزات الفضائية بين نجمي السينما "زينة وأحمد عز" حول نسبة التوأم الذى أنجبته زينة إلى أبيهما الذى ينكر أبوته لهما، وهو نوع من المعرفة الموسوعية لا تختلف كثيراً عن الجهل الموسوعي الذى تتميز به عناصر تشكل نسبة ملحوظة من هذا الجيل، الذى يطالب بتمكينه من ممارسة حقه المشروع في بناء المستقبل ويدعم الجميع مطلبه، دون أن يتنبه أو يتنبهوا إلى ضرورة أن يؤهل نفسه لذلك، ولو بالحد الأدنى من المعرفة التي تؤهله للتفرقة بين السورة والصورة، وبين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه "الأنتيم"!

ما يدعو للدهشة أن مصادر المعرفة المتاحة الآن لهذا الجيل لم تكن متاحة لأى جيل قبله، بعد ثورة المعلومات التي حولت العالم إلى قرية تكنولوجية، واختصرت مصادر المعرفة إلى مجرد "جهاز لاب توب" يحمل في اليد أو يوضع في الجيب تكفى ضغطة واحدة على أحد أزراره، لكى يحصل حامله على أخبار الدنيا، ويقرأ معظم ما تحتويه مكتبات العالم كله من الكتب، ومع أن معظم مفردات هذا الجيل تمضى ساعات طويلة أمام هذا الجهاز، إلا أنها لا تستخدمه في البحث عن المعرفة التي تؤهلها لكى تقود المستقبل، بل للبحث عن آخر أخبار المكايدات القضائية بين "أحمد عز وزينة" وآخر نتائج مباريات الدوري أو في الثرثرة الفارغة على صفحات "فيس بوك"، التي تحتشد بزحام من الآراء السياسية الساذجة، التي تهبط بمستوى الحوار حول الشؤون العامة، لأن كثيرين ممن يتبادلون هذا الحوار لا يفرقون بين الدائرة والمثلث، ولا بين السورة والصورة، ويستوى لديهم الزبير بن العوام والخنساء ولا يعرفون شيئاً عن ثورة 23 يوليو 1952.

أما الذى يثير الرعب ويبعث على الخوف من المستقبل، فهم تلك العناصر التي تنتمى للجيل نفسه، التي تستغل ثورة المعلومات لنشر ثقافة إعداد زجاجات المولوتوف وقنابل المسامير والتحريض على هدم العالم. لأنه في رأيهم، يمثل جاهلية القرن الحادي والعشرين، في حين أن معرفتهم بهذا العالم توقفت عند القرن السابع الميلادي، ولا تزال تقف محلك سر عند القرن الأول الهجري.

ورحم الله طه حسين الذى أطلق عبارة "رضى بجهله ورضى عنه جهله" وكأنه يتحدث عن هؤلاء وأولئك!